الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذيل
سئل أحد الذين أجلوا أداء فريضة الحج لوقت شيخوخته وهو مالك للقدرة الشرعية للذهاب إلى دار الأمن حرم الله محرما «لماذا تتردد فى إيفاء الحج وما هو السبب؟» ولا شك أنه سيجيب قائلا: «إننى مازلت فى طور الشباب! إذا ما ذهبت إلى الحج لن أستمزج بماء البلاد الحجازية وهوائها، ولا سيما الازدحام والكثرة يسببان انتشار الأمراض المعدية، ومن المحتمل أن أصاب بهذه الأمراض وأموت فى شرخ شبابى، وإذا فرض بأننى نجوت من الأمراض المعدية فإننى سأتبع هواى وأرتكب الذنوب بطيش الشباب وعندئذ أكون قد أنفقت النقود فى لا شئ، كما أننى أكون قد ضاعفت عصيانى لله.
ولكن الحجاج الذين يعودون سالمين يجب عليهم أن يتصفوا بمحاسن الأخلاق! ولا يكون هذا إلا باجتناب ارتكاب المعاصى والآثام وبالاحتراز من الاختلاط بالذين تعودوا على ارتكاب الآثام، ولما كان أصدقائى قد تغلبت عليهم حظوظهم النفسية ومادمت أننى سأختلط بهم عند عودتى فلن أتمكن من القيام بالأعمال الصالحة، لأن بلية الشباب لن تمكننى من الابتعاد عن بؤرة الفساد».
يرى فى هذا الجواب غير المعقول، كما لا يخفى على أهل التدقيق، أن هناك سببان مستقلان فى عدم ذهاب شبابنا» أقصد بهم من تجاوز الثلاثين: «السبب الأول عدم قدرتهم على مقاومة الأهواء النفسية بعد الرجوع من الحج، والثانى:
وجود الأمراض فى الحرمين» وهو زعم فاسد.
وفى الواقع أن هذا الجواب يجذب الانتباه؛ فالذين يعتقدون فى القدرة الإلهية يتحاشون من تلك الإجابة ويجتنبونها، وإن كان هذا السؤال يبدو موافقا لعقائد الموحدين، إلا أن أغلب شباب زماننا يحملون فى رءوسهم هذه الأفكار.
قد ألقيت-أنا جامع هذه الحروف-هذا السؤال سالف الذكر على الكثير من الناس وتلقيت منهم إجابات أبشع من ذى قبل، ولكننى وفقت فى تصحيح عقائد
غير قليلين منهم، ويجب ألا يخفى علينا أن هذه الإجابات ليست ثمار أذهانهم بل هى محاصيل بعض أشخاص ذوى أفكار فاسدة واعتقادات مضرة، والتى بذرت فى مزارع قلوب بعض المسلمين السذج، وكأن البلاد الحجازية ذات المغفرة مستعدة لإنبات الأمراض المعدية وإنه عندما يرد إليها الحجاج فى موسم الحج فمن المحال ألا تظهر فيها بسبب الازدحام الشديد، وباء الكوليرا، والأمراض الأخرى المعدية المخيفة وأن ذهاب الشباب إليها فى هذه الحالة يستدعى سفرهم حتى الآخرة أليست هذه العقيدة غريبة؟!.
وما يؤسف له، بينما كان تراب الحرمين الشريفين محفوظا من قبل الله سبحانه وتعالى-وأن الأوبئة والطواعين والعلل الأخرى المعدية قد طردت نتيجة لدعاء النبى صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة، إلا أن ما ينشره الأجانب ذوو الأغراض السيئة يتلقى قبولا حسنا ويعتقد فى صحته التامة! مع أن عمر الإنسان مقدر من قبل الله لا يزيد دقيقة ولا ينقص ثانية، كما يؤكد ذلك قول الله سبحانه وتعالى:{فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} (الأعراف:34).
إن كشوف أطباء أوربا الوهمية أن أراضى الحجاز المقدسة موطن ومولد مرض الطاعون قد دفعت بعض أهالى أوربا فى أوائل القرن الحالى إلى تصديق ادعاءاتهم، ونتيجة لهذا التصديق تطرق خلل لعقائد قصار النظر من العوام، إلا أن عدم استناد الكشفيات المشكوكة لهؤلاء الأطباء إلى أساس لم يثبت حتى فى تلك الأوقات، وإن كشفهم ما هو إلا وهم مطلق.
ليس هناك أحد من هؤلاء الأطباء الحاذقين قد زار أراضى الحرمين الشريفين حتى تؤخذ تجاربه وكشوفه مأخذ الجد، وترقى إلى كونها حكما.
ولما كان فن الطب قد تقدم فى عصرنا إلى أقصى حد، وقد وجد أطباء أوربا منشأ الطاعون ومولده وخطئوا أسلافهم وقد أجروا فى هذا الخصوص تدقيقات كاملة ونشروا الحقيقة فى مؤلفات عديدة.