الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسول صلى الله عليه وسلم فى أول هجرته دار كلثوم بن هدم وصحب معه أبا بكر الصديق واستضافه فى ذلك المنزل اللطيف ومن هنا يعد من الآثار المباركة والمنازل المقدسة.
وقد اتخذت هذه الدار المباركة مؤخرا مسجدا والمسجد اللطيف الذى يعرف فى أيامنا باسم مسجد فاطمة قد أقيم فوق ساحة منزل ابن هدم.
مسجد ضرار
كان الذين بنوه اثنى عشر رجلا: خذام بن خالد من بنى عبد بن زيد أحد بنى عمرو بن عوف ومن داره أخرج مسجد الشقاق، وثعلبة بن حاطب من بنى عبيد وموالى بنى أمية بن زيد، ومعتب بن قشير من بنى ضبيعة بن زيد، وأبو حبيبة بن الأزعر من بنى ضبيعة بن زيد، وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف من بنى عمرو بن عوف، وحارثة بن عامر، وابناه مجمع بن حارثة وزيد بن حارثة، ونبتل بن الحارث، وهم من بنى ضبيعة، وبجاد بن عمران وهو من بنى ضبيعة، ووديعة بن ثابت، وموالى بنى أمية رهط أبى لبابة بن عبد المنذر.
كان أبو عامر من أفراد قبيلة الخزرج، وكان ملما بعلوم التوراة والإنجيل وكان يمارس تعليماتهما وكان سالكا بطريقة الزهد والعبادة وكان منهمكا باستحصال الرياسة العلمية وقد اختار قبل البعثة طقوس النصرانية وكان يكتسى الملابس القديمة ومن هنا اكتسب لقب الراهب. وكان قد اطلع على أوصاف النبى صلى الله عليه وسلم بالاستماع إلى علماء الإنس والجن وكان يصفه لأهالى أرض يثرب قبل الهجرة ويعدد المنافع الدنيوية والأخروية فى اتباعه ويرغب أهل المدينة فى تصديق النبوة المحمدية ويشوقهم إلى ذلك.
وعندما أبهج النبى صلى الله عليه وسلم بقدومه الميمون المدينة وأصبح مغتبطا من أهل الأرض والسماء وأخذ أهل المدينة وأطرافها يبدون للنبى صلى الله عليه وسلم علامات الميل والركون ملأ هذا قلب أبى عامر القاسى بالحزن والحقد، وأخذ يسعى لمنع أهل الإيمان عن متابعة باعث المغفرة ويبعدهم عنه بنشر ترهاته التى تقول: إن الشخص الذى
وصفت مقدما شمائله المباركة ونبى آخر الزمان الذى عرفته ليس الشخص الذى أتى إلى بلدنا وادعى النبوة. وإن كان له بعض علاماته الظاهرة وتردد أبو عامر مع المنافقين الذين يشاركونه فى أفكاره فى قبول الإسلام كما أشير إلى ذلك فى الآية:
ودب دبيب الحسد فى نفسه للنصر الذى أحرزه المسلمون فى غزوة بدر الكبرى، ومضى إلى مكة وحرض القرشيين على الحرب والثأر وتجرأ فى وقعة أحد المكدرة أن يرمى أول سهم على المسلمين من أجل ذلك لقبه النبى صادق القول ب «أبو عامر الفاسق» .
قال بعض أئمة السير حينما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مثل أبو عامر الفاسق أمام النبى صلى الله عليه وسلم وقال له: يا محمد! ما نوع الأشياء التى تقول أنك أحضرتها من قبل الله فأجابه النبى صلى الله عليه وسلم إنه دين إبراهيم الحنيف فتفوه قائلا: أنا أيضا أتبع شريعة الدين الحنيف وأعلم بأحكامها وأراد بهذا أن يعرض أنه كان يعتنق قبل البعثة دين خليل الرب الجليل.
فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ألا إننى جئت بدين إبراهيم على المحجة البيضاء، لا على ما ظننت وخمنته فغضب أبو عامر على أنه كذب بهذا الشكل وقال:«فليجاز الله الكذاب بالطرد والانعزال» ،وهكذا أظهر غيظه وحقده ونجى من القتل فى غزوة أحد وهاجر إلى بلاد الشام، وانتسب بالمرة إلى حاكم القسطنطينية هرقل وحثّه على السعى لتجهيز الجيوش ضد المسلمين ولكنه لم يوفق فى ترويج أمله وتحقيقه.
وعندما عاد إلى المدينة قبل وقعة تبوك بمدة واشتغل بنشر العلوم حتى يستطيع
فعل ما فى ضميره من الفساد وأرسل إلى قومه واجب اللوم من منافقى بنى غنم رسالة ذات أسلوب لعين تتضمن نفاقه الذى اعتاده يقول فيها: «إننى سأعود إلى المدينة مستصحبا معى عساكر من قيصر الروم، فاستعدوا أنتم أيضا بتجهيز الأسلحة اللازمة وانتظروا قدومى، وابذلوا جهدكم لبناء مسجد رصين الجدار أمام مسجد قباء وفى حى أصحاب النفاق» .
وحينما أخذ منافقو بنى غنم الذين سبقت أسماؤهم أعلاه رسالة أبى عامر فأسرعوا ببناء مبنى فى قرية قباء قبيل غزوة تبوك وذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يشرف هذا المكان ويباركه بأداء ركعتين صلاة فيه، فقالوا:«يا رسول الله! بنينا فى قريتنا مسجدا ليصلى فيه العجزة وأصحاب العلل والأعذار فى ليالى الشتاء الممطرة وكل رجائنا أن تشرفوه بأداء ركعتين صلاة فيه فأجابهم النبى صلى الله عليه وسلم: «الآن قد خرجنا من المدينة بنية الغزو فإذا ما يسرت لنا العودة نفعل إن شاء الله» فعاد المنافقون وقد تلقوا الرد الصائب.
وعندما عاد النبى صلى الله عليه وسلم من تبوك وقرر أن يستريح قليلا فى مكان يسمى ذى أوان على بعد ساعة فى ناحية تبوك من المدينة المنورة. فجاء منافقو بنى غنم مرة أخرى متذللين متمسكنين وطلبوا من النبى صلى الله عليه وسلم أن يشرف مسجدهم مسجد ضرار إلا أن الله-سبحانه وتعالى-قد حسم الموضوع إذ أنزل الآية الكريمة:
وهكذا فضحت الآية الكريمة أفكار بنى غنم وكشفتهم، وبعث النبى صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم وسعد بن عدى وأخاه عامر أو عاصم بن عدى لهدم وتخريب مسجد ضرار فى قرية قباء فذهب هؤلاء إلى قباء حيث هدموا وخربوا مسجد
ضرار أولا ثم جلبوا سعف النخيل وأحرقوه وجعلوا المكان مقلبا للقمامة لأهل القرية.
يقول خزيمة بن ثابت: «كان أبو عامر الراهب قبل البعثة يعرف بأقوال النبى وأفعاله ويمدحه ويثنى عليه وكان يتجنب الشرك والكفر ويرغب فى اتباع دين إبراهيم الحنيف ويحرص على التوحيد، واجتمع بكثير من علماء اليهود والنصارى وتشاور معهم وسافر كثيرا ليدقق دين إبراهيم وعرف أن الدين الحنيف المذكور سيظهر مع مبعث الرسول الأكرم، واطلع على كثير من شمائل ذلك النبى المقدسة.
ووجد أبو عامر يوما فى مجلس أعيان الأوس والخزرج وأخذ يذكر اسم النبى وصفاته وبين أنه ظهر فى مكة المكرمة وأنه سيهاجر إلى المدينة الطاهرة، وعندئذ قال له أبو الهيثم بن التيهان القضاعى الذى كان فى ذلك المجلس، وكان من الذين دخلوا فى الدين الحنيف، يا أبا عامر! كيف أتصرف إذا ما أدركت بعثة هذا النبى وقال له أبو عامر أقسم بأن الجن والإنس قد وصفوه لى وبينوه فقال له أبو الهيثم يا ترى، فالذين وصفوه لك من بين البشر رأوا صفاته فى كتاب الله؟ أو سمعوها من الجن؟ فنحن لا ندرى شيئا من هذا الموضوع؟ قال أبو عامر، أخبرنى بذلك كاهن فى اليمن، وكان الكاهن المذكور مشهورا جدا فى الأخبار العربية العجيبة، وكنت خرجت فى شهر رجب فى ليلة مقمرة منفردا لأتلاقى مع ذلك الكاهن. وفى أثناء سيرى كان قلبى قد نام ومر وقت غير قليل، ولما استيقظت من نومى رأيت أن دابتى قد انحرفت عن الطريق ودخلت فى مكان لا يعرف أين سينتهى. وبدأت أرتعش حزينا وأخذت أجيل النظر حولى من شدة الخوف ورأيت أمامى نارا فاتجهت نحوها. ولم يكن لى دليل. وعندما وصلت إلى جانب النار كنت قد شعرت بالدفء من كثرة تجوالى حولها، إلا أن هذه النار لما كانت لاهى مثل الإنسان ولا الحيوان ولم تكن حولها منازل ولا خيام ولم تكن لائقة بأن يطلق عليها اسم النار ومن هنا أصابنى الخوف والفزع وانتصب شعرى حتى أصبحت كل شعرة كأنها شوكة. وارتعشت قوائم ناقتى فبدأت تسرع فى سيرها.
وما تصورته نارا تمثلته أربعة أنفار مردة ذات أشكال مخيفة وهجموا على هجوما عنيفا، فصحت بأعلى صوتى واستغثت برئيسهم، وكان من هؤلاء الأنفار كلب يمنعهم من الهجوم على؛ فأتوا إلى جانبه وجلسوا بعد التحية، كانت وجوهم مخيفة ومناظرهم قبيحة كريهة، فخاطبنى واحد منهم قائلا:«من أنت؟» فقلت لهم: «إننى شخص من بنى غسان الذى ينتهى إلى بنى قيلة
(1)
يفهم من حكاية خزيمة هذه أن أبا عامر الفاسق أخبث الخلائق كأنه تدين بدين الخليل الجليل قبل البعثة النبوية وقد استقى المعلومات عن البعثة المحمدية
(1)
قيلة أم الأوس والخزرج.
وترهب حتى يكتسب شرفا ومكانة بين الأهالى وتوغل فى الصحارى يعنى اكتسى بالملابس الخلقة وتستر بستائر النفاق راغبا فى خداع الناس؛ ولكنه باء بالخذلان والخسارة إذ أنكر الرسالة المحمدية، لأنه التقى بعد الهجرة بالنبى صلى الله عليه وسلم وقال له:
«يا محمد ما الدين الذى بعثت به؟» وتلقى الرد الصائب من النبى صلى الله عليه وسلم إذ قال له: «بعثت بالدين الحنيف الذى بحثت عنه فترة من الزمن» فتجرأ أن يرد على النبى وهو يهذى» إنك قد مزجت بهذا الدين البدعة» فرد عليه النبى صلى الله عليه وسلم قائلا:
«بل أتيت به على المحجة البيضاء» فغضب من تلقيه هذا الرد وغادر مجلس النبى صلى الله عليه وسلم مجلس الملائكة. حتى إن النبى صلى الله عليه وسلم عندما قال له «يا أبا عامر! ألست تنتظر قدومى؟ ألم تكن تنقل أوصافى التى تلقيتها من علماء اليهود والنصارى لأبناء الأوس والخزرج؟ «فرد على الاستفهام النبوى قائلا: «لست الشخص الذى وصفه علماء اليهود والنصارى، لم يحن بعد وقت بعثته» وأمن على دعاء النبى الذى قال: فليجعل الله-سبحانه وتعالى-الكذاب مستحقا لجزاء الموت طريدا وحيدا فاستجاب الله-سبحانه وتعالى-لدعاء النبى صلى الله عليه وسلم إذ هرب مؤخرا إلى بلاد الشام ثم إلى القسطنطينية وهلك وحيدا طريدا.
حنظلة بن أبى عامر الفاسق الذى هرب إلى القسطنطينية رافضا الإسلام، قد استشهد فى غزوة أحد من قبل شداد بن أسود وعلى قول من أبى سفيان قد بشر بالحديث الشريف هو حنظلة غسيل الملائكة.
ومكان خرابة مسجد ضرار مجهول فى عصرنا، وكان المحل المبارك الذى بنى عليه مسجد قباء حظيرة لحيوانات امرأة مخلصة تسمى لينة؛ لذلك قال منافقو بنى غنم:«إننا نرى أن إقامة صلاة فوق مكان حظيرة حيوانات لينة غير مناسب؛ لأجل ذلك فنحن سنبنى فى المكان الذى عينه أبو عامر مسجدا عظيما حيث سنتعبد» ،وفعلا بنوا مسجدا عاليا رصينا جميل الشكل فى جوار مسجد قباء وهذا محقق.
ولما كانت جميع الروايات التى تتحدث عن جهته وشكله وهيئة بنائه من
الأقوال الضعيفة وبناء على ذلك لا يمكن تعيين مكان خرابته. ومعلوم لدى الجميع أنه كان فى داخل قرية قباء وفى مكان قريب من مسجد قباء وبما أنه قد بنى لتفريق الجماعة الإسلامية فقد كان مبنيا متينا محكما لدرجة ما ومن الروايات الموثوقة أنه قد انبعث من الساحة القذرة لهذا المسجد دخان عجيب فى عصر السعادة كما أن هذا الدخان قد انبعث مرة أخرى فى عهد أبى جعفر المنصور.