الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محافظ مكة خليل باشا وعلم الشريف يحيى وبمعرفة قاضى مكة المكرمة ومفتيها إلى أعتاب عظمتكم السلطانية، والعلة الغائبة من هذا العمل الخيرى هى استجلاب الدعاء بالخير لجانب سلطنتكم، وقد بلغ مقدار العلال السنوية الخاصة بالحرمين الشريفين إلى 16 ألف إردب وبعد هذه السنة سترسل الغلال الخاصة بالحرمين الشريفين فى ميعادها دون تفويت وقتها وقد بدأنا بذلك فى هذه السنة وببيان ذلك أعرض لجانب سلطنتكم طاعتى، انتهى.
ولما أطلع السلطان على ما جاء فى الدفترين أمر بتنفيذ ما جاء فيهما، وبناء على ذلك شرع فى إرسال الغلال إلى الحرمين، إلا أن المساكين الذين لم تدرج أسماؤهم فى الدفترين حرموا من العطايا السلطانية ولكن بناء على رجاءات وجوه البلد واسترحاماتهم أضيف إلى العطايا ألف إردب حنطة فوصلت المخصصات الحجازية إلى سبعة عشر ألف إردب من حنطة وهذه المخصصات ترسل الآن.
سبب تشكيل مديرية الخزانة
إلى أن حل الوقت الذى بلغت المرتبات الحجازية إلى سبعة عشر ألف إردب قمح، كان أمناء الصرة ثانى يوم وصولهم إلى المدينة الأمينة يفرشون على ساحة حرم السعادة الأبسطة ويوزعون ما سلم لهم من المبالغ لإعطائها لأهالى دار السكينة من باب السعادة ويستدعون من حررّت أسماؤهم فى الدفاتر التى أعطيت لهم من خزانتى الأوقاف والمالية، وفى حضور أشراف البلاد وموظفى الحكومة يسلمون لهم بأيديهم مخصصاتهم، ولما لم تكن فى ذلك الوقت دوائر فرعية خاصة بمديرية الخزانة كانت مستحقات كل فرد تسلم له دفعة واحدة من قبل أمين الصرة، ولما كان صرف واستهلاك المبالغ التى أخذت دفعة واحدة فى خلال أيام قليلة حسب الحاجة الطبيعية، كان سكان دار السكينة ينفقون مخصصاتهم خلال عدة شهور بوفرة ثم يعانون من قلة المال خلال الثمانية أشهر الباقية، ولما أطلع السلطان محمود على هذه الحالة ألغى هذا النظام وأنقذ الأهالى من هذه المعاناة
بوضع نظام تقسيم مخصصات كل فرد إلى اثنى عشر شهرا وإعطائها لهم فى كل شهر.
وحتى تعطى هذه الرواتب الشهرية وتوزع فى صورة منتظمة شكل مديرية خزانة المدينة المنورة وعين لها موظفين وبين لكل واحد منهم وظيفته، ويسلم الآن أمناء الصرة ما حملوه من الأمانات لخزانة المديرية بموجب الدفاتر كما أن موظفى الخزانة يوزعونها شهرا بشهر لأصحابها، ومديرية الخزانة دائرة غاية فى النظام فلها دفاترها المنظمة، وسجلاتها التفصيلية ولها محققوها ومدققوها، وتجرى معاملاتها فى دائرة النظم الموضوعة.
ولا يضيع حق أحد فى ظل حضرة الخليفة العادل، ولا يبرز إنسان قائلا:«قد أضيع وأخفى» .وذلك فى سنة 1233 هـ،انتهى.
وقد أصبح المسجد النبوى فى أشد الحاجة إلى الإصلاح، فأعلم والى مصر محمد على باشا مركز السلطنة العثمانية بذلك ولما جاء الرد لمحمد على باشا يطلب منه أن يعين رجلا مناسبا لأمانة البناء لتعمير الحرم النبوى على أحسن وجه، فكوفئ كاتب الديوان المصرى طاهر أفندى وهو من صلحاء الرجال المصريين بتعيينه أمينا للبناء وأرسله إلى المدينة المنورة ذات الشرف العالى.
ووصل طاهر أفندى إلى دار الهجرة واطلع مع وجوهها واتفاق آرائهم على حرم السعادة، وقرر تعمير وتقوية قبة حجرة السعادة وأحاط الحائط الذى بنى فى عهد عمر بن عبد العزيز بسور آخر، فأحكم تشييد القبة الخضراء على وجه لائق بكل تعظيم وتوقير.
واهتم قاضى البلدة وشيخ الحرم النبوى وأعيان البلد وكبار موظفى الدولة بأداء الخدمة وهم لابسون أفخر ثيابهم، وبعد أن عمر الحجرة المعطرة على الوجه الأكمل جعل النقاشين الذين أرسلوا من باب السعادة يصبغونها وزين جدرانها برسوم مختلفة الشكل ثم كتب الحديث الشريف فوق الباب الخشبى الذى يقع
فى جهة المرقد النبوى من محراب النبى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من زارنى بعد مماتى فكأنما زارنى فى حياتى، ومن زارنى وجبت له شفاعتى» ،صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتبه الفقير قوناقجى زاده إبراهيم النقشى ثم كتب على رخام مستدير فى الجهة الداخلية من باب جبريل عبارة:«عمر السلطان الغازى محمود خان نصره الله تعالى سنة 1228» ،وفى الجهة الداخلية من جهة اليسار كتبت جملة:«عمر الحرم الشريف أمين كاتب الديوان المصرى محمد طاهر 1228 وذهبها» .
وقد وفق السلطان محمود خان العدلى فى إحياء هذه المآثر لوالى مصر محمد على باشا بتعمير وإصلاح المساجد والآثار التى تخربت وإحيائها وكتب بذلك إلى والى جدة ومحافظ المدينة المنورة نجله النجيل إبراهيم باشا وأرسل ما يلزمه من المبالغ ولوازم البناء قدر ما بلغ، واستدعى إبراهيم باشا من باب السعادة ومصر مهرة العمال الذين تمرسوا فى دقائق أعمال البناء.
كما جلب من الشام قوالب الصينى وابتدر فى تعمير هذه الآثار وإحيائها، وجدد أولا داخل حرم مسجد الحبيب والقبة الخضراء وخارجها وبعد ذلك أضرحة البقيع ثم أبنية المساجد والمشاهد فى صورة لائقة، ثم وضع قطع الرخام التى وردت من باب السعادة فوق كمرات أبواب الأضرحة وزين كل مسجد وكل أثر كحسناء محبوبة، وعين أصحاب الأضرحة بكتابة الأبيات فوق طاقاتها ولم يترك حاجة للزوار للسؤال عن أصحاب تلك الآثار ونوعها.
إذا كان قد كتب فوق قطع الرخام التى أرسلت من باب السعادة والتى وضعت وألصقت فوق أبواب هذه الآثار والأضرحة كتب عليها بعبارة مختارة وأحيانا بينت أسماء أصحاب الأضرحة وحقيقة الأثر وكنهه، وكانت الأبيات المذكورة ثمرة قريحة ابن كيجة جى عزت منلا المرحوم من شعراء عهد السلطان محمود خان العدلى المشهورين قد كتبت وحكّت مذهّبة فى باب السعادة، وما زالت منها مذكورة فى بحث تعريف الآثار والأضرحة.
وبعد أن أتم إبراهيم باشا المرحوم بتعمير حرم السعادة أمر بكتابة المدحية
(1)
العبارة عن الثمانين بيت المنظومة بعبارة عربية فوق جدار القبلة الذى يقع خارج باب السلام، وكتب على الجهة اليمنى من هذه المدحية بخط أبيض فى صورة الشمس:
«قد كان الوكيل بعمارة الحرم الشريف النبوى والى مصر محمد على باشا أدام الله إجلاله آمين» وكتب البيت الشريف تحت الجملة السابقة بخط أبيض على شكل صورة الشمس:
هو الحبيب الذى ترجى شفاعته
…
لكل هول من الأهوال مقتحم
وفوقه بنفس الطريقة:
ما شاء الله كان هذا باب كليم الله فى سنة 1233.
وعلى طاق الباب المذكور كذلك: هذه عمارة الحرم الشريف النبوى فى أيام إبراهيم باشا والى جدة ومحافظ المدينة المنورة عام 1233.
وفى نهاية هذا الكلام:
فاق النبيين فى خلق وفى خلق
…
ولم يدانوه فى علم ولا كرم
وفوقه على هيئة الشمس كذلك: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً} صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم ..
كما أمر بكتابة التاريخ القديم الذى ظل من عهد السلطان قايتباى حول هذه الخطوط دائرا ما دار.
وبعد أن أتم إبراهيم باشا تجديد مسجد السعادة توأم الجنة أسرع لتجديد مسجد قباء فشيّد حرم السعادة المذكور فى صورة محكمة أحيا وجدد فى شكل جميل وبنى مبرك الناقة ومنزلة الآية ومسجد على ومسجد فاطمة، ومسجد عمر، مسجد بئر خاتم، والسبيل الذى فى هذه الناحية وسبيل السلطان أحمد فى اتصال
(1)
هذا المديح قائمة صورته إلى يومنا هذا فوق هذا الجدار المذكور إلا أن معظم أبياتها محيت لدرجة أن بعض مصاريعها تلفت بدرجة يصعب معها قراءتها فلم نستطع أن ننقلها فى هذا المكان.