الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فى ذكر ما ينسب
إلى النبى صلى الله عليه وسلم من صدقات
روى ابن شهاب أن جميع الصدقات النبوية تتكون مما ترك وتبرع مخيريق
(1)
من أحبار اليهود من الأموال، وكان مخيريق المذكور من أصحاب الثروة والغنى وبما أنه أرباب العلوم العقلية والشرعية أعتقد بان النبى صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء الذى بشرت الكتب السماوية قدومه فرغب فى أن يسلم قبل جميع الناس. ولكنه لم يرد أن يحدث سوء تفاهم بينه وبين معاندى اليهود، فلم يظهر شعائر الإسلام، ولما ظهرت شرارة غزوة أحد وشرع النبى صلى الله عليه وسلم فى الحرب، فجمع مخيريق أعيان طوائف اليهود ورؤساءهم وألقى خطبة مؤثرة إذ قال لهم:«بناء على أحكام الكتب المنزلة فمحمد-عليه وعلى آله صلوات الله الأمجد-الموجود الآن فى ساحة المعركة نبى آخر الزمان، وحسب الديانة لنذهب حتى نعينه ولما قوبل بجواب خلاف أفكاره المخلصة قال إن هذا اليوم هو اليوم الذى ينبغى أن نظاهره فيه ونفدى فى سبيله بأرواحنا» وانطلق إلى حومة الوغى.
وأعلن إسلامه أمام النبى صلى الله عليه وسلم وقال إذا ما نلت الشهادة أرجوك أن تقبل جميع ما أمتلكه من أموال!!! ثم دخل فى الحرب وبعدما قتل بعض الأعداء نال الشهادة ونال ثناء النبى صلى الله عليه وسلم عليه إذ قال: «مخيريق خير اليهود» .
وروى عبد العزيز بن عمران أن مخيريق من بقايا يهود بنى قينقاع.
كما روى الإمام الواقدى بأنه من أخيار أحبار يهود بنى النضير.
وقال الإمام الذهبى بما أنه صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فهو من جملة الصحابة الكرام.
قال الإمام الواقدى: ظل مخيريق على اليهودية ولم يسلم وتوفى فى معركة
(1)
انظر: الإصابة 73/ 6،الدرر ص 151.الطبرى 531/ 2 ابن هشام 29/ 3.
أحد، ودفن فى مقبرة المسلمين ولكن لم يصل عليه وادعى بهذا القول عدم إيمان مخيريق، ولكن ابن شهاب فند قول الواقدى هذا وقال:«كان مخيريق ترك جميع ما يملكه إلى النبى صلى الله عليه وسلم وأهداه له واستشهاده فى معركة أحد باعث لقول النبى صلى الله عليه وسلم «مخيريق سابق اليهود، وسلمان سابق الفرس، وبلال سابق الحبشة» .
وإذا ما نظرنا إلى ما يفيد الحديث الشريف الذى يصرح بإسلام مخيريق يلزم أن نحكم أن الإمام الواقدى أخطأ فى قوله هذا».
والذى عرض مخيريق للنبى صلى الله عليه وسلم سبعة أموال:
1 -
دلال
2 -
برقة
3 -
أعواف
4 -
صافية
5 -
ميثب
6 -
حسنى
7 -
مشربة أم إبراهيم
(1)
.
وهى سبع مزارع، فأوقف النبى صلى الله عليه وسلم-جامع مكارم الأخلاق-الأموال السبعة كلها.
وأربع من المزارع السبع وهى صافية، برقة، دلال، ميثب، فى مكان يسمى عالية خلف قصر مروان بن الحكم وهى متقاربة بعضها من بعض ومتجاورة وكان يسقى بالماء الذى يمر من وادى مهزور، وفى عصرنا يطلق على مزرعة صافية، زهيرة وهى فى الطرف الشرقى للمدينة المنورة، وما زالت برقة حديقة معروفة بهذا الاسم فى الجهة القبلية لزهيرة وحديقة دلال التى وقفت لمدرسة الشهابية بجانب حديقة برقة. وهذه الحدائق الثلاث متصلة بعضها ببعض ومن المحتمل أن حديقة مثيب أيضا بالقرب من هذه الحدائق أو متصلة بها. ولكن فى زماننا هذا ليس هناك شخص يعرف مكانها.
(1)
تقال لفظة مشربة على البيت العالى.
ومشربة أم إبراهيم بجانب مسجد المشربة كما بين فى فصل المساجد وحسنى فى ناحية قف وكانت تسقى بماء وادى مهزور.
والحديقة المسماة بحسينات بالقرب من جزع دلال وقريبة من ماجشونية. يظهر أنها مكان عرصات مشربة وحسنا. ومزرعة أعواف فى محل يسمى ببئر أعواف وهذه أيضا تسقى بماء وادى مهزور. وعلى هذا التقدير فالأموال السبعة كلها موجودة ولكن تغيرت أسماؤها مع مرور الزمان.
والمزارع التى عرفت أماكنها من مزارع الصدقة انتقلت كلها من مخيريق وهذا معروف لدى أئمة السير. إلا أن المؤرخين اختلفوا فى تعريف الصدقات النبوية فقال بعضهم. الصدقات النبوية من أموال بنى قريظة وبنى النضير. حتى إن مزرعة دلال كانت ملك امرأة من قبيلة بنى النضير وقد غرست أشجارها من قبل الصحابة بشرط أن تطلق سراح عبدها سلمان وتحرره.
وذهب بعضهم إلى أن الصحابة غرسوا أشجار مزرعتى برقة ومثيب للزبير بن باطاء القرظى لعتق سلمان الفارسى-رضى الله عنه-وأن مزرعة أعواف كانت ملك امرأة تسمى خناقة من بنى قريظة.
وقد أنعم الله-سبحانه وتعالى-بأموال بنى قريظة وبنى النضير وأهل فدك التى فتحت وأخذت بدون حرب قال الله تعالى:
وقسم النبى صلى الله عليه وسلم أكثر أموال بنى النضير للمهاجرين وأخذ لنفسه مزارع مخيريق السبع. ثم انتقلت هذه المزارع السبع إلى أيادى بنى فاطمة لأن السيدة فاطمة رضى الله عنها-ذهبت إلى أبى بكر الصديق فى عهد خلافته وطلبت الأموال
المذكورة نصيب الرسول صلى الله عليه وسلم من غنائم فدك وخيبر إلا أن أبا بكر الصديق رفض إعطاءها محتكما إلى الحديث الشريف «نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقة»
إلا أن على بن أبى طالب وعمه عباس-رضى الله عنهما-طالبا بالأموال المذكورة من عمر الفاروق فى عهد خلافته، فاتفق الخليفة معهم على إعطائهما أموال مخيريق السبعة دون حدائق فدك وخيبر قائلا:«يجب عليكم أن تديروا أمر هذه المزارع السبع كما أدارها النبى صلى الله عليه وسلم وخليفته أبا بكر» وأعطاهما هذه الأموال بشرط توليه إدارتها. وإن كان بعض المؤرخين يدعون أن السيدة فاطمة- رضى الله عنها-قد غضبت من أبى بكر الصديق فى هذا الخصوص إلا أن رأى أبى بكر الصديق كان إدارة الصدقات النبوية من قبل خلفاء النبى ورأى عمر كان أن يتولى إدارتها العباس بن عبد المطلب مع على بن أبى طالب. وبناء على هذا عندما سمح عمر بن الخطاب لعباس بن عبد المطلب وعلى بن أبى طالب تولى إدارة الصدقات النبوية اتفق معهما على أن تدار بناء على الشروط المشروحة.
وتولى إدارة الصدقات السبعة بعد سيدنا على بن أبى طالب الحسن بن على وبعده أخوه الحسين بن على وبعده على بن الحسين والحسن بن الحسين، ولما تولى بنو عباس عرش الخلافة والحكم أخذوا إدارة الصدقات من أيدى أبناء فاطمة وتصرفوا فيها كما يشاءون وأسندوا إدارتها لمن يريدون وأخذوا يوزعون محاصيلها لفقراء المدينة المنورة.
واضحة: يروى بعض المؤرخين أن السيدة فاطمة-رضى الله عنها-غضبت من أبى بكر الصديق كما ذكر آنفا ولكن ليس لهذا الموضوع أصل ولا أساس وكانت المشار اليها عقب وفاة النبى صلى الله عليه وسلم قد قالت لأبى بكر الصديق مخاطبة كان النبى صلى الله عليه وسلم أنعم على فى حياته بحدائق نخيل فدك.
ويعرف هذا زوجى على وأم أيمن وإذا اقتضى الأمر يشهدان بذلك. وبناء على ذلك أطلب أن تكون لى النظارة على ذلك النخيل. فإذا أثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم
قد وهب لك نخيل فدك وملكك لا أتردد فى إحالة نظارتها عليك. فقال لها ما معناه: وأنت تعرفين جيدا أنه إذا كانت شاهدة دعوة من الإناث، فإنه بمقتضى شريعتنا أن شهادة امرأتين تقوم مقام شهادة رجل واحد ومن هنا يلزم أن تأتى شاهدة أخرى مع أم أيمن.
ولما رأت هذه الإجابة الصحيحة تنازلت عن القضية. وما يقوله المؤرخون بأن السيدة فاطمة غضبت من أبى بكر جراء هذه الواقعة. لا يصح لأنه لم يظهر بين المشار إليهما أى نزاع يوجب أن يغضب أحدهما الآخر؛ لأن الصديق-رضى الله عنه-لم يقل قولا خارج الشريعة الغراء حتى يغضب فاطمة ولم يظهر فى حقها أقل شئ يسئ إليها ويزعجها.
وطالب على ابن أبى طالب بحدائق النخيل تلك فى خلافة عمر بن الخطاب وأرضاه بدرجة ما. إلا أن العباس بن عبد المطلب بين استحقاقه لتلك الحدائق وأنه يستحق كذلك حدائق نخيل فدك وحدائق خيبر وأطال القول فى هذا الموضوع وأوصل الموضوع إلى درجة الخصومة ومن هنا طالب على بن أبى طالب عمر الفاروق بأن لا يعطى لأى واحد منهما حتى لا يكون الموضوع باعثا على الخصومة. وظلت المسألة مسكوتا عنها إلى عهد عمر بن عبد العزيز. ولما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة أظهر تعظيمه وحرمته لآل النبى صلى الله عليه وسلم بأن سلم نخيل فدك لأولاد فاطمة. إلا أن تلك الحدائق قد استردت فيما بعد وهكذا أوذى أحفاد النبى مرة أخرى وأهينوا وكان عمر بن عبد العزيز قد أسعد بنى فاطمة وجبر خاطرهم بأمر واليه فى المدينة فى أوائل جلوسه على عرش الخلافة بأن ملك نخيل فدك لأبناء على بن أبى طالب ولآل النبى صلى الله عليه وسلم إلا أن يزيد بن عبد الملك الذى تولى الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز استرد نخيل فدك وترك آل بيت الكرام فى براثن العوز والحاجة إلى أن رد السفاح العباسى فى أثناء جلوسه على عرش الخلافة تلك الحدائق إلى أبى الحسن بن الحسن بن على-رضى الله عنهم فأجبر خاطرهم. وإن كان أبو جعفر المنصور أهان أهل البيت وجفاهم واسترد منهم حديقة فدك وترك شجرة سعى السفاح دون الثمار. ولكن عندما جلس