الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مناسكه) هذا القول ولكن عليّا القارى حكم أن مزية وقفة يوم الجمعة أزيد من مزية وقفة سائر الأيام بسبعين مرة.
مسألة:
إذا ما سئل: هل الحج كان واجبا على الأمم التى خلت من قبل الإسلام؟ وقد اختلف العلماء فى هذه المسألة وبناء على أنه لم يكن واجبا. إلا أن مشروعيته مستمرة منذ عهد آدم إلا أن حجاجه كانوا من الأنبياء والملائكة. هذا ما جاء فى المناسك.
يجتمع أهالى المدينة فى اليوم التاسع من ذى الحجة فى مسجد السعادة حيث ينتظرون النفحات الإلهية لأن النبى صلى الله عليه وسلم يشرف فى ذلك عرفات حيث يقف.
عيد الأضحى:
ولما كان اليوم العاشر من ذى الحجة العيد الأكبر يقوم أهل المدينة بمراسم الزيارة والمعايدة كما كانوا يفعلون فى عيد الفطر.
تنمية:
ولا شك أن أهل المدينة الكرام بفضل مجاورتهم النبى صلى الله عليه وسلم انتمائهم بالصدق لصفات النبى صلى الله عليه وسلم فهم أسعد أمة ويوجد بينهم فئة من الناس بناء على حكم المثل أوصاف «الأشراف أشرف الأوصاف» ،فقدرهم ومزيتهم مثل اللآلئ الغالية، والأبيات الآتية تصور خلاصة أوصافهم:
نظم
قوم هم فى الدجى للناس أقمار
…
وهم لمن هجروا الأوطان أوطان
وأين حلوا يحل الخصب حومتهم
…
كأنهم مثل ما قد قيل أمطار
هم العيون فإن تبصر هدى فبه
…
وفى الهدى ليس بعد العين آثار
سلهم وسل عنهم إن كنت ذا وطر
…
فعندى لذوى الحاجات أخبار
وحل ساحتهم تسعد فهم عرب
…
تحمى النزيل ولا يؤذى لهم جار
وانعم إذا كنت تهواهم بعيشها
…
واصحبهم إن نأت يوما بك الدار
وفيهم أخرى: يحترزون من آفة الشهرة حتى وإن كانوا غارقين فى أشد أنواع الفقر والحاجة يظهرون علامات اليسار والغنى. وإن ظلوا جائعين أياما يظهرون أنفسهم شبعانين، ويرجحون الوحدة على الكثرة والضرورة والضيق على السعة والثروة ويتخذون من الصفات ما جاء فى المنظومة الآتية:
نظم
إذا قنعت بقوت ولبس ثوب مرقع
…
ولم يكن لى عيال نفسى لهم تتفجع
ولا بنون صغار قلبى لهم يتقطع
…
ولا صديق صدوق فراقه أتوقع
وكان بالله أنسى
…
فما بى الدهر يصنع
وصنف منهم وإن كانوا فى شدة الضيق وبين مخالب الحاجة كانوا ينفقون ما يحصلون عليه من النقود لمن هم أكثر حاجة منهم بناء لحكم البيت الآتى:
ليس العطاء من الفضول سماحة
…
حتى تجود وما لديك قليل
قوم مضوا كانت الدنيا بهم
…
والدهر كالعيد والأوقات أوقات
ماتوا فعاشوا وعشنا بعد موتهم
…
ونحن فى صور الأحياء أموات
ويرى فيهم فئة من الناس يكدون ويكدحون حتى الليل مع ذلك لا يكسبون ما يكفى عيالهم وأولادهم ويتمرغون داخل الفقر والحاجة لا يوصفون فيتحملون الفقر، ويضطربون؛ ومع ذلك لا يشتكون من حالتهم هذه ولا يسعون لتحسين أحوالهم وتأمين مستقبلهم وينتظرون من الله-سبحانه وتعالى الرفيع الدرجات والذى يسر الوصول إلى الآمال-الفرج ويدعون له. وكانوا مثالا للتوكل والاصطبار كما جاء فى المثل الآتى:
«سعف النخيل خير من إسعاف الخليل»
لا تظهرن لعاذل أو غادر
…
حالك فى السراء والضراء
فلرحمة المتوجعين حرارة
…
فى القلب مثل شماتة الأعداء
وفى الواقع أهم ما يجب أن يعنى به الإنسان أن يسلك طريق حرفة ما حتى ينجو من الذل والحاجة ودواهى الدنيا وأن يعيش أولاده وعياله. ويروى أن حضرة آدم صفى الله اشتغل بالزراعة وأن سبعين نبيا ارتحلوا عن دنيانا وهم جوعى وأن حضرة على-كرم الله وجهه-دعا ربه قائلا: «إللهم صن وجهى باليسار ولا تشن وجهى بالإقتار، فأسترزق طالبى رزقك وأستعطف شرار
خلقك، فأمتحن بحمد من أعطانى، وأفتن بذم من منعنى، وأنت من وراء ذلك كله والىّ الإعطاء والمنع إنك على كل شئ قدير، يا نعم المولى ويا نعم النصير».
يا رب لا تحينى إلى زمن أكون فيه كلا على أحد
…
خذ بيدى قبل أن أقول لمن أراه عند القيام خذ بيدى
وهناك صنف آخر بين أهالى المدينة كل فرد منهم يملك ثروة وغنى وهو صاحب نفوذ وقدرة وهم يمضون أوقاتهم فى غاية الرفاهية والجاه والعظمة كما أنهم يراعون الأهالى الفقراء وضعفاء المجاورين وهم الفئة التى يقال له الجامع بين الحسنتين.
وأهل المدينة عامة يحبون التنزه والفرجة، وينشطون قلوبهم بالتجوال فى الحقول والمتنزهات دون كلفة وأما بالنسبة للأكل والشرب يكتفون بالمودة سالكين مسلك الاكتفاء بما وجد. واختار بعضهم السياحة فى البلدان والممالك حتى يزيدوا من ثروتهم وغناهم. كما أن بعضهم يتركون دورهم وديارهم باحثين عن أرزاقهم، كما أن بعضهم يتبعون أفكارا أخرى. ولا يتفقون كلهم فى أفكارهم وآرائهم، فيهم من يسلك مسالك الهوى والهوس. يقول ابن فرحون من المؤرخين القدماء: «كان مجاورو المدينة فى الأوائل من الصلحاء وأهل اليسار؛ لذلك كان رؤساء الأهالى يكرمونهم ويخدمونهم، ويقضون لهم حاجاتهم الضرورية ويقدمون لهم التحف والهدايا ويحاولون بهذا أن ينالوا حبهم.
ويعتقدون فيهم خيرا ويلتمسون دعاءهم وهمتهم. والآن انعكس الأمر إذ انعدمت الثقة والاستقامة فى المجاورين، كما أن أهالى الحرمين لا يحترمون كذلك من لا يراعى جانب الآثار المسعودة، وقد تغيرت الملابس والأفكار من أجل اجتذاب القلوب كما يقول المثل:«تغيير الشكل من أجل الأكل» فى كل مكان يمزقون أستار الحرمة والرعاية وفى كل طور وفعل يظهرون شعائر الإساءة والدناءة يتفوهون فى داخل الحرم الشريف بكل ما يرد على ألسنتهم ولا يتذكرون
ما نص عليه من الصمت والهدوء فى داخل الحرم بل يقومون بما لا يليق، مع أصحاب الفقه والاستقامة والصلاح والتقوى».
ويمد أهالى الحرمين يد العون والخدمة للغرباء الواردين ولكنهم يفرطون أحيانا فى عونهم وإظهارهم هذا القدر من التظاهر لا يستحب أحيانا، حتى قال العلامة، الشيخ إبراهيم ابن أبى الحرم المدنى: «لا ينبغى لأهالى هذه البلاد أن يفرطوا فى إجلال وتعظيم من يترددون على هذه الديار من الزوار؛ لأن الإفراط فى ذلك يفضى إلى سوء العاقبة، ويجرئهم، فيقصرون فى آداب الزيارة للآثار المباركة مظهرين ذلهم وخشوعهم ومسكنتهم. إننى قد نظمت الأبيات الآتية حتى أعرف الناس هذا الأمر ورتبت إجابة على لسان الحال:
قطعة
يا أهل طيبة لا زالت شمائلكم
…
بلطفها فى الورى مأمونة العتب
لكن رعايتكم للغرب تحملهم
…
على تجاوزهم للحد فى الأدب
مولاى إن صروف الدهر قد حكمت
…
وأعوزت أن يذل الرأس للذنب
كم من مقبل كف لو تمكن من
…
تقطيعها فكن ممن فاز بالأدب
قيل فى حق سكان دار السكينة «جار الدار أحق بدار الجار وجار الدار أحق من غيره» ،وكما أن أهالى المدينة أليق عن أهالى البلاد الأخرى بالتجاوز والسماح والفوز والنجاة والنجاح، لأجل ذلك يجب على الذين يختارون المجاورة والإقامة فى المدينة المنورة أن يكونوا لينى الأعطاف، هينى الانعطاف
فيحترمون كل موقع فى تلك البلدة المباركة ويراعون جانب كل فرد من سكنتها ويتخلقون بما جاء فى الكلمات الآتية:
يشاركهم فى أنديتهم لا فى أغذيتهم، ويزاحمهم فى أوقاتهم لا فى أقواتهم، ويكتسب من أخلاقهم لا من أرزاقهم، ويقتبس من برهم لا من برّهم، فيتصل بهم كثيرا ويشاركهم فى محاسن أخلاقهم وعاداتهم، ولكن لا يعمل على مشاركة أرزاقهم وأقواتهم ويخطفها من أيديهم. ويرغب فى حبهم وموالاتهم ولا يطمع فى حبوبهم وأطعمتهم. وألا يزعجهم بالاستيلاء على دور فقرائهم وإطالة يد الطمع لصدقاتهم وألا يسعى فى منع معروفهم وإبطاله. إذ قيل:
لا تقطعن يد المعروف عن أحد
…
ما دام يمكن فالإمكان تارات
واشكر فضيلة لطف الله إذ جعلت
…
إليك لا لك عند الناس حاجات
فليقل أصحاب الاعتراض ما يقولون فى حق أهل المدينة. وليسندوا إليهم ما يسندون، فمحبتهم وإكرامهم وتعظيمهم واحترامهم واجب على كل مؤمن موحد. فأهل المدينة جيران النبى صلى الله عليه وسلم وبناء على الحكم الجليل:«مازال جبريل يوصينى بالجار .. » فحق جوارهم ثابت ومهما ارتكبوا من الإساءات فإنهم لن يحرموا من حق الجوار وهذا حق محقق. ومهما ترك المدنى من الاتباع واخترع عادات غير مقبولة وابتدع، فيجب ألا يترك دون إكرام ويقطع احترامه. لأن هذه الأمور لا تسقط شرف جواره وحسن العاقبة مأمول له. يجب أن ينظر إلى كل فرد منهم بعين تعظيم وإكرام وتفخيم. وألا يبحث عن أحوالهم الظاهرة ولا يفتش عن أفعالهم الباطنية وأسرارهم لما كانت جميع الذنوب تحت حكم مشئية الله ما عدا الشرك فالله-سبحانه وتعالى-يعذب فاعله إن شاء ويعفو عنه ويطلقه إن شاء.