الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعقد فى أول ذى الحجة من سنة 1277 دون أن يستعين حتى بالشريف عبد الله باشا ودعوته إلى المدينة، وأنهى تلك الأعمال التى عجز عن إتمامها أسلافه الكرام فى سبع أو ثمانى سنوات فى ظرف سنتين ونصف سنة كما سيعرف فيما بعد وعرض الأمر على الباب العالى وأعلمه.
مطالعة ورأى
إذا ما نظرنا إلى إتمام العمل وحسن عريانى قاضى المدينة المنورة، ندرك أن إتمام العمل وختامه سواء أكان فى حرم المدينة المنورة توأم الجنة أو حرم المسجد الذى تخدمه الملائكة وتعميرهما قد تم على يد موظفين ينتمون إلى العلوم الشرعية، ومن يعمق الفكر فى هذا الموضوع يجده من غرائب المصادفة فى العصر ومن أحكام اللطائف الغيبية وهذا بديهى، كيف لا تعد من الاتفاقات الغربية وقد تمت عمليات تعمير وتجديد مبانى الكعبة المعظمة فى عهد السلطان مراد خان الرابع على يد صاحب الفتوى سيد محمد أفندى الأنقروى الذى كان فى ذلك الوقت قاضى مكة المكرمة والذى رقى إلى مقام المشيخة الإسلامية فى سنة 1097 هـ، كما تم إجراء عين عرفات التى بدأت العمليات فيها فى عهد السلطان سليمان بن السلطان سليم خان الغازى وتمت فى عهد السلطان سليم الثانى على يد وعلم مفتى مكة الشافعى حسين بن أبى بكر الحسينى، ولا سيما تطهير مجرى عين عرفات الذى دام سبع عشرة سنة.
والذين تولوا نظارة عمليات التطهير قد توفوا الواحد تلو الآخر وقد أتم المشار إليه حسين أفندى أبو بكر ما لم يستطع إتمامه أسلافه فى ظرف سبعة عشر عاما أتمها فى ظرف خمسة أشهر وبصورة وعلى هيئة كان يتمناها الجميع.
والتعميرات الكاملة للمسجد الحرام تمت فى ظرف أربع سنوات إذ كانت تحت نظارة المفتى المشار إليه.
وأراد أحمد أسعد أفندى-وقد تلقى الأمر السلطانى والإرادة السنية-أن يعمل بموجب النص الجليل ويجدد داخل حرم السعادة موضع المنازعة فيه،
وحتى ينفرد بذلك العمل عين سيد محمد أفندى من أفاضل علماء المدينة نائبا له فى المحكمة الشرعية فاستدعى السادة الكرام والعلماء المشهورين والموظفين ذوى الاحترام للمدينة المنورة وعقد معهم اجتماعا للمذاكرة والدراسة فى المكان الذى يطلق عليه الديار العشر والذى يقع فى الجهة القبلية من المسجد النبوى، وعرض جميع جهات العمل واستشارهم فيها، وبعد دراسة الخرائط التى وضعها أسلافه وتدقيق النظر فيها، قرر العمل بناء على قاعدة هدم الجهات التى يراد تجديدها وإتمام العمل فيها ثم الانتقال إلى الجهة الأخرى وهدمها وتشييدها، وبدأ العمل من مؤخرة الحرم الشريف يعنى من النقطة التى كان محمد راشد أفندى قد اقترب من بدايتها داخل الحرم الشريف، كما أرى فى مسطح الرأس المضبوط فجدد تجديدا متينا رصينا مزينا القباب التى بالقرب من باب السلام إلى المئذنة الرئيسية مع عقودها وبقية الجدار القبلى مع القبة العثمانية الجسيمة وقباب الروضة المطهرة مع القباب التى فى مواجهة قبر الرسول والقباب البالية الأخرى مع عقودها ومع مصاريفها وخلاصة القول كافة أسس أساطين وطاقات المسجد الشريف النبوى وقبابه المختلفة.
كما عمّر وقوى الحجرة المعطرة النبوية والمئذنة الرئيسية ومآذن باب السلام وباب الرحمة كلها وفق ما جاء فى فكر الأمر السلطانى وأحكامه وطبقا لقرار مجلس الاستشارة، وهكذا أتم تعمير جميع جهات حرم السعادة كما سبق تعريفه على أحسن وجه وجعل جميع القباب الخشبية التى شيدها من الحجر وبهذا قد حظى بشكل وثناء أهالى الحرمين المحترمين، شكر الله سعيه.
كان شيخ الحرم النبوى فى عهد أحمد أسعد أفندى شيخ الوزراء المرحوم مصطفى باشا فى اسكودار وكان لمهارته فى فن العمارة وهمته وغيرته وجهوده فى استكمال أسباب إنشاءات المبانى المقدسة، ومساعى محافظ دار الهجرة من قدماء الرفقاء الكرام المرحوم خالد باشا ومعاونته وإقدام واستقامة رئيس مراجعى الأبنية العالية بدر الدين (!) ورئيس المهندسين الحاج محمود أفندى وسائر الموظفين، أكبر أثر فى تسهيل المهمة وسرعة إنجازها ومن ثمة فى إتمام إنشاءات حرم السعادة قبل الأوان بفترة.
وقد حكّ مذهبا ليوضع فوق طاق باب السلام ذى الفيوضات منظومة تاريخية كما صنع طغراء غراء على أن توضع فوق المكان الخاص الذى هيئ فى وسط القباب المجيدية العالية التى تقع فى جهة من الساحة الرملية فى مؤخرة حرم السعادة، وقد أرسلت المنظومة التاريخية التى كتبها قاضى المدينة المنورة السابق يعقوب عاصم أفندى ليعرض على أعتاب السلطان بواسطة أحمد أسعد أفندى إلى شيخ الإسلام سعد الدين أفندى وأن تعاد إلى المدينة فى حالة نيلها القبول.
وقدم ذلك التاريخ إلى السلطان حتى يلقى عليه نظرة، وإن كان قد وافق مزاج السلطان الفطرى إلا أن استخدام بعض التعبيرات التى توافق الصنعة الشعرية أراد السلطان ذو السمات الملائكية الذى يتوسل إلى روح محمد-عليه صلوات الأحد-فى كل أمور السلطنة وخصوصياته أن يحرر التاريخ الذى سيوضع فى داخل المسجد النبوى الشريف من الخيالات الشعرية وفى صنعة معبرة عن سليقة الإخلاص ولذا قال: «من أنا حتى أتجرأ على تعليق الطغراء داخل البناء المقدس الذى بناه سلطان الأنبياء-عليه أعظم التحايا-بذاته! فمن الأنسب أن يكتب فى المكان بدلا من التاريخ والطغراء حديث شريف مناسب لذلك المقام المقدس ويعلق هذا التاريخ بعد تصحيحه فوق كمر أحد أبواب حرم السعادة وهذا أنسب، وبعد أن يصحح زيور
(1)
أفندى هذا التاريخ فليرسل إلى المدينة المنورة باهرة الشرف»؛وبناء على هذا الأمر السلطانى صحح ذلك التاريخ وأرسل إلى المدينة على أن يعلق فوق طاق أحد أبواب حرم السعادة، وأن يكتب على حجر التاريخ، الذى أرسله محمد راشد أفندى قديما ولم يلق قبولا لدى السلطان، الخبر الصحيح:«صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام» ،وأن يكتب مكان الطغراء عبارة «قال النبى عليه السلام» وبما أن هذا الأمر السلطانى قد أبلغ إلى أمانة المبانى العالية قد وقر وفخم ذلك المقام ووجد الاحترام للأمر السلطانى ووضعت الطغراء الغراء المجيدية فوق طاق باب السلام مذهبة حيث زينته.
(1)
هو من مشاهير الشعراء، تولى منصب وزارة الأوقاف لمدة طويلة وتولى منصب مشيخة الحرم مؤخرا.
وبعد أن جدد وعمر وشيد وأصلح جميع القباب والأساطين الكائنة فى مؤخرة حرم السعادة أو فى داخله كما عرف آنفا، وحتى يقووا ويدعموا أساس القبة الخضراء المرتفعة التى فوق الحجرة بنوا جدارا لصق أسس شبكة الحجرة المعطرة وبإقامة بعض العقود فوق هذا الجدار دعموا القبة الخضراء الشريفة وحافظوا عليها فى صورة متينة.
وإن كانت تلك القبة اللطيفة عمرت فى عهد السلطان محمود خان الثانى إلا أن جهة من عقود القباب الجديدة التى ستؤسس فوق جدران القبة الخضراء أدرك لدى الكشف عليها أن هذه الجدران ليست متينة بدرجة تتحمل العقود الجديدة ومن هنا قرر تدعيم قواعد الجدار العتيق، وبناء على هذا القرار حفر حول الشبكة الشريفة أساسا عميقا قدر ستة أذرع وجدد أساس الجدار الذى صنع فى عهد السلطان محمود فأسس وطرح أسس الجدار الجديد مطابقا لهذا الأساس الغير قابل للاندراس.
فالقبة اللطيفة التى عمرت فى عهد السلطان محمود خان العدلى قد حفرت قاعدة أساسها إلى أن ظهر تراب سليم، والحجارة التى وضعت كأساس كانت فى غاية الصلابة والإحكام وفوق ذلك قد ربطت بعضها ببعض بقيود من حديد ورصاص مذاب، وإن كان هذا الأمر تبين عند المعاينة.
ولكن حتى توضع عقود ما اقتضى تجديده من القبة العالية وحتى تقوى وتحكم الجوانب الأربعة للقبة الخضراء درجة أخرى رئى أن يبقى على الجدار الذى بنى فى عهد السلطان محمود خان حول الحجرة المعطرة وأن يبنى حول هذا الجدار جدار آخر وتوضع عليه عقود القباب الجديدة فوق الجدار الجديد، وبهذه الطريقة قد رصنت سواء أكانت القبة الخضراء أو القباب الأخرى العالية فوق المطلوب، وبناء على هذا التعريف يقتضى أن يرى الجداران المحدثان من الخارج إلا أن شبكة السعادة العارضة تحيط سواء أكان بالجدارين اللذين بنيا فى عهد السلطان محمود أو الجدارين اللذين بنيا فى عهد السلطان عبد المجيد، وبما أن
شبكة الحجرة المعطرة اللطيفة كما سبق تعريفها ظلت بين القواعد والدعامات التى أنشئت لتشييد القبة الخضراء ولأجل ذلك فرؤية هذه الجدران غير ممكنة.
وبناء على ما فهم من هذا التفصيل فالقبة الخضراء التى تشاهد من خارج المسجد الشريف هى تلك القبة التى تطلق عليها القبة الخضراء فهى قبة خضراء كبيرة فوق قبة الحجرة التى تقع فوق مربع قبر السعادة، وكما سيبين فيما بعد أن القفص المصنوع من السلك الذى يغطى المربع المقدس تحته قبة صغيرة وهذه القبة فوق مرقد السعادة وتعرف باسم قبة الحجرة.
وكان داخل الجدران الأربعة المتصلة والذى يقال له مربع القبر الشريف كان فى الأصل دار أمنا السيدة عائشة-رضى الله عنها-فنعوش صاحب الشريعة- عليه أكمل التحية-وأبو بكر الصديق وعمر الفاروق-رضى الله عنهما-مدفونة فى داخل هذا المكان السعيد.
قد زينت الأطراف الأربعة لمربع القبر الشريف بالأغطية الغالية التى أرسلها السلاطين العثمانيون خاصة للحجرة المعطرة، لهذا ليس هناك من رأى ظهر مربع قبر السعادة فى الأزمنة القريبة، ويرددون أن هذا المحل مستور بقفص مصنوع من الأسلاك وظهر هذا القفص الجهة الداخلية للقبة الخضراء التى ذكرت، ويدخل شعاع الشمس من نافذة قبة النور التى تقع فى الناحية القبلية من هذه القبة، فينير سواء أكان داخل مربع القبر الشريف أو جدرانه وما بين القفص الذى يطلق عليه شبكة السعادة.
ليس فى زماننا من رأى داخل مربع قبر السعادة، يعنى داخل الجدار الذى يحيط بأطراف القبور الثلاثة، وإن كان للمربع المقدس فى جهة السعادة نافذة صغيرة، ومن الواضح أن من ينظرون من هذه النافذة الصغيرة يستطيعون أن يروا داخل مربع القبر الشريف إلا أن من رعاية شروط الأدب عدم النظر إلى داخل المربع ولأجل ذلك لا يمكنهم أن يجيلوا أنظارهم فى داخل المربع، ويجرى