الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهالى المدينة رسم الولادة كما عرف فى الصورة الثالثة من الوجهة الثالثة، بأن يلقوا أولادهم حديثى العهد فى داخل هذه النافذة.
كان قد أخرجت خلال سنة 554 من داخل مربع قبر السعادة جيفة هرة متعفنة، وبناء على الظن القوى أن تلك الهرة قد دخلت من تلك النافذة ولم تستطع الخروج فهلكت وتعفنت وحتى يزال أثر تعفن الجيفة الكريه قد ترك فى داخل المربع الشريف من تلك النافذة خشب شجرة الصندل الذى نقع بدهن الورد وهذه القصة تروى بين الأهالى بسند قريب من الصحة، حتى إن تعطير الحجرة المعطرة على هذا المنوال قد أخذ صفة العادة.
حتى إنهم فى زماننا-كما سبق تعريفه فى المكان الخاص-يعطرون نشارة كافية من شجرة الصندل بدهن الورد ويلقونها فى يوم معين داخل مربع قبر السعادة من تلك النافذة، وبعد سنة يستردون القديم ويضعون الجديد ويقتسمون القديم فيما بينهم، ومع ذلك فسواء عند استرجاع نشارة الصندل أو إلقائها لا يدققون النظر إلى داخل حجرة السعادة، وهذه الشبكة أى القفص الحديدى الذى يحيط بمربع قبر السعادة من جوانبه الأربعة يطلق عليه شبكة السعادة، ويقال لداخل هذه الشبكة الحجرة المعطرة، وينال الزوار الكرام مرامهم بزيارة قبر السعادة من خارج هذه الشبكة
(1)
.
بعض تفصيلات مهمة:
لما جاء الدور لتعمير قباب الروضة المطهرة صنعت ستارة خشبية عارضة فوق الأعمدة التى بين حدود الحجرة المعطرة والروضة المطهرة حتى لا يسقط تراب ولا تقع حالات تؤدى إلى عدم الرعاية والاحترام، ولم يحدث أن هتك العمال الذين يشتغلون فى هذا المكان ستارة الاحترام والأدب، فيعمل العمال فوق الستارة الممدودة بكل وقار وهدوء وينهمك العباد الذين فى داخل الروضة المطهرة فى
(1)
وإن كان الزوار المتصفون بالجراءة يزورون الحجرة بالواسطة من داخلها إلا أن زيارتها من الخارج أولى تأدبا.
عبادتهم وطاعتهم دون إحداث ضجة حتى الهمسة ما كانت تسمع حتى يظن أن فوق الستارة الخشبية لا يوجد عمال يعملون، ابتداء من الأعمدة التى فى الصف الثالث التى توجد فى الحدود الأصلية لمسجد النبى من ناحية الشام إلى أسطوانة الوفود، وفى الجهة الغربية من المسجد الثانية من المنبر النبوى وباعتبار ما بين الأسطوانتين الواقعتين فى جهة الجنوب ومن الجدار القبلى.
وسواء هاتين الأسطوانتين أو الأساطين الشريفة الأخرى إلى أنصافها كانت مزينة بألوان بيضاء وحمراء ومحلاة بذهب خالص ومذهبة وكانت هذه من آثار السلطان سليم بن السلطان عبد الحميد خان المبرورة قد أبقيت كما هى وغيرت زخارفها، ومن تلك الأساطين ما تكسّرت قطع رخامها بشكل لا يمكن ترميمها وقد صنعت جيدا وحتى يعرف أنها كانت مرممة كالأساطين الأخرى قد نقشت عليها رسوم الرخام باللون الأبيض والأحمر، وشبهت بالأخرى وجميع الأعمدة التى فى الجهة الشرقية من الأعمدة الملاصقة لشبكة المنبر المنير وتحت المنبر الشريف المذكور بنى هذه الأساطين إلى السقوف التى أمام الروضة المطهرة كلها وقد جددت قطع رخامها، ولكن قطع رخام الأعمدة التى بين مواجهة السعادة وحول الحجرة اللطيفة لم تغير، على أنها علامة لازمة لحدود الروضة المطهرة من الجهة الشمالية، وأصلح ورمم بعض أماكنها، وبهذا قد حفظ حكم الحديث الشريف الذى يقول:«ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة» والأسطوانات التى سطرت عليها قصيدة السلطان سليم بن عبد الحميد خان والتى سبق ذكرها فى موضوع الأساطين كانت ضمن الأساطين المذكورة التى بقيت كلها على حالاتها القديمة وغيرت زخارفها وخطوطها فقط.
وبينما كان يحفر أسس أسطوانة السرير فى محاذاة رأس السعادة وأسطوانة التوبة ظهر ماء عذب لطيف، ولما كان لهذا الماء رائحة طيبة أخذ منه أكثر الأهالى وتبركوا به وأرسلوا منه إلى أهالى البلاد الأخرى، قد انهمك الأهالى بتدبير
الأوانى والزوارق لأخذ الماء ولما وصل صياحهم إلى قدر هتك ستارة الأدب فألقى الأساس رأسا حفظت حرمة المسجد.
وبينما كانت أسس هذه الأسطوانات والأسطوانات الأخرى تحفر وتفتح نثر البخور، وأحرقت أقراص الطيب وأنواع أخرى من الطيب، فى نقط وضع الأساطين، وحينما كان يحفر أساس الأسطوانة التى فى ركن الجهة الغربية القبلية للشبكة التى تحيط بالحجرة المعطرة ظهرت بئر تنزل إليها بسلم ذات تسع درجات وكان ارتفاع وعرض كل درجة شبرا واحدا، وكان وليد بن عبد الملك قد حفرها للسيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب-رضى الله عنها-فى دار عبد الله بن عمر-رضى الله عنهما-ويلزم أن تكون هذه البئر مخرج الطريق الذى سده موظفو السلطان قايتباى حتى يمنعوا اختلاط الرجال بالنساء، وكان عمر بن عبدا لعزيز قد أخذ بأمر الوليد بن عبد الملك دار أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب-رضى الله عنهما-التى كانت فى الجهة القبلية من دار عائشة-رضى الله عنها-وأعطى لها فيما بعد فى مقابلها الدار التى يطلق عليها دار عمر بن عبد الله
(1)
.
وكان قد فتح لهذه الدار طريقا إلى مسجد النبى، ظل ذلك الطريق مفتوحا إلى الوقت الذى زار فيه الخليفة المهدى المدينة المنورة ولكن موظفى الحكومة لم يستصوبوا ذهاب المهدى من هذا الطريق إلى مسجد السعادة لأسباب خفية، فسدوا الباب الذى يؤدى إلى المسجد، وفتحوا طريقا من دار عبد الله بن عمر من تحت الأرض حتى شبكة السعادة حتى يدخل المهدى فى داخل المقصورة دون أن يراه أحد، وهذا هو الطريق الذى نتحدث عنه، وقد ذهب المؤرخون إلى أن فى مخرج الطريق الذى فتح ثلاث درجات وأطالوا فى تعريف هذا الموضوع.
ولما كان عدد الدرجات التى ظهرت تسع كما حرر من قبل فيصل خطأ رأى
(1)
وسبب تسمية هذه الدار بدار عبد الله بن عمر انتقالها من السيدة حفصة إلى عبد الله بن عمر والدار المسعودة المعروفة اليوم بديار عشرة أقيمت على أرض تلك الدار.
المؤرخين إلى درجة الثبوت، حتى إن مقدار ذراع ونصف ذراع من مخرج الطريق الذى ظهر مليا، ولما كان محتملا أن يكون فى هذا المكان ثلاث أو أربع درجات يقتضى أن يكون مخرج ذلك الطريق ثلاث عشرة درجة، وبعد زيارة الخليفة المهدى بعدة عصور أصبحت زيارة حجرة السعادة بهذه الطريقة عادة، ولكن فيما بعد حدثت أشياء منكرة ولم تراع الأدب والحرمة فسد باب المخرج الذى فى داخل شبكة السعادة فى سنة 884 وهكذا أنهيت تلك الأحوال المنكرة.
بينما كانت نوافذ الجدار القبلى لقبة المحراب العثمانى تجدد على حالتها القديمة أضيف عقد كبير لتدعيمه وجددت الأعمدة التى تحمل القبة بحجر أحمر ووسعت الجهة العليا من القبة وفتح على أطرافها صفان من النوافذ إحداها فوق الأخرى، وجعلوا أعالى النوافذ مقوسة فظهرت على شكل فى غاية الحسن والجمال، وحتى يقووا ويدعموا القبة التى فوق مواجهة السعادة ركزوا فى الجهة الشرقية من القبة العثمانية أسطوانتين كبيرتين مصنوعتين من الحجر الأحمر مثل الأساطين الموجودة حول الحجرة المعطرة، والقبة العثمانية الجميلة أكبر وأوسع وأكثر زينة من جميع قباب مسجد السعادة ما عدا القبة الكبيرة الخضراء التى تعلو على القبة الصغيرة التى فوق الحجرة المعطرة وقد أسست أول مرة فى عهد السلطان قايتباى عقب الحريق الثانى، وإن كان رمم وأصلح بعض جهاتها فى عهد السلطان محمد بن إبراهيم خان-عليهما الرحمة والغفران-ولكنها سقطت فى سنة 1147 وانهارت فجددت فى عصر السلطان محمد بن مصطفى بن السلطان محمد خان سنة 1148 لعدم حرمان هذا المكان من جماعة الصف الأول، بدون أن يركز أعمدة فى الجهة القبلية من الجدار مكتفيا بالعقود الملقاة على الجدار المذكور.
وقد خالف محمد راشد أفندى آمال الأهالى وأفكارهم حيث ركز أربعة أعمدة بجانب باب السلام، وبما أن نقاط هذه الأعمدة قد حرمت من شرف أداء الصلاة
فيها طلب إزالتها، ولكن رفع هذه الأعمدة وإزالتها كانت تحتاج لنفقات كبيرة وهذا العمل سيؤدى إلى إضرار خزانة الدولة كما أنها لو أبقيت لن تصيب زينة المبانى المقدسة ورزانتها بعيب أو نقص فلم يمسوها، كما أبقت هيئة الشورى الأسطوانة التى تكون فى الجهة اليسرى للصاعدين على المئذنة الرئيسية، على أنها من جملة الأساطين القديمة مع أن رفع هذه الأسطوانة كان أولى. انتهى.
وبعد ما تمت عمليات الأبنية العالية بكل مشتملاتها ومتفرعاتها، كتبت جميع الكتابات التى كانت فوق طلاء داخل القباب وداخل الجدار القبلى باهر الأنوار كما سبق ذكره فى مكانه، وزيّن ذلك المقام العالى مرة أخرى، وكانت الخطوط المنقوشة من آثار قلم زهدى أفندى
(1)
من سلالة تميم الدارى-رضى الله عنه- من صحابة النبى صلى الله عليه وسلم ومن تلاميذ رئيس العلماء الحاج مصطفى عزت المشهورين، وهى آثار لم يشهد لها مثيل.
وأراد السلطان الغازى عبد المجيد خان أن يحتفظ بصورة مصغرة لما كتب لهيئة مسجد النبى القديمة فى جامع خرقة السعادة، لذلك أمر بصنع هيكل مجسم لمسجد النبى حينما أمر بتجديده، وقد عهد بهذا الأمر واجب الامتثال وإجراء مضمونه إلى البكباشى الرسام الحاج عزت
(2)
أفندى من أعضاء مدرسة الهندسة البحرية السلطانية.
كما وجه إليه هندسة المبانى المقدسة العالية وأرسل إلى المدينة المنورة.
وعندما وصل عزت أفندى إلى المدينة المنورة دار السكينة قاس مساحة الحجرة المعطرة إلى أن وصل إلى جدار الضريح من الداخل والخارج أو حرم السعادة بدقة شديدة وبعد ذلك صنع تمثالا هيكليا من الخشب وأرسله إلى باب السعادة سنة 1268،وقد نال ذلك الهيكل القبول الحسن وحسن التقدير وبناء على الأمر
(1)
استطاع زهدى أفندى كتابة هذه الخطوط خلال ثلاثة أشهر.
(2)
عزت أفندى أخو القائم مقام شكرى بك مدرس رسم بمدرسة البحرية السلطانية.
السلطانى نقل إلى جامع خرقة السعادة بجانب جامع على باشا القديم، ووضع فى مقصورة المؤذنين ومازال محفوظا فى صندوق زجاجى.
وذلك المعبد من جملة الخيرات الجليلة للسلطان المذكور المشار إليه، وكان ذلك الهيكل نفس المسجد النبوى الذى يخدمه الملائكة بشكله القديم، وكانت مساحته الطولية جزءا من خمسين جزء منه
(1)
،ويروى أن نحته الخشبى قد صنع من قبل الحافظ الحاج على
(2)
أفندى الذى وجد فى قطعة الحجاز المقدسة سنة 1267 هـ وهو صاحب ألف فن.
ولما كان هذا التمثال يشبه أصله مشابهة تامة نوصى أصحاب الإخلاص والمحبة برؤيته فالنظر إليه ومشاهدته يشبهان زيارة مسجد المدينة الشريف، وفى هذا النموذج بناء على ما تم عده وبناء على قيده وكتابته فى التواريخ القديمة (30) قبة فى الجهة الغربية و (22) فى الشمال و (68) فى الشرق (34) فى الجهة الجنوبية و (59) فى الجهة الغربية من الحجرة المعطرة وكانت جميع قباب مسجد السعادة قبل تجديده (213) قبة متناسقة، وقد صنع (183) قبة فى سنة 868 هـ من قبل السلطان قايتباى المصرى، كما أن (49) قبة منها صنعت من قبل السلطان مراد خان الرابع، وقد زين السلطان قايتباى مبانى المسجد النبوى الشريف من جهاته الأربعة دائرا ما دار بالقباب المنيرة والسقف الملاصق للقباب سالفة الذكر والقباب التى فى مؤخرة حرم السعادة رعاية للهيئة القديمة الأصلية مكشوفا وفرشه بالرمل الأحمر، ولما احتاج السقف الذى أنشأه السلطان قايتباى فى عهد السلطان مراد خان الرابع إلى التعمير هدم هذا السقف واستصوب تحويله إلى قباب كسائر الجهات، ودرست الكيفية فى الاجتماع الذى عقد من علماء المدينة وأصبحت موضع البحث وقرر تجديد النصف الشامى من ذلك السقف على حاله
(1)
لما كان هذا الجزء بمقياس الذراع المعمارى فإن الذراع الواحد من التمثال الهيكل يساوى ثلاثة وخمسين ذراعا من سطح المسجد النبوى اللطيف.
(2)
كان هذا الشخص من خدمة السلطان محمود خان الثانى وأحيل إلى التقاعد لكبر سنه فى فترة ما، وبعد ذلك عين معلما فى المدرسة التى أنشأها مصطفى أفندى قريبا من شهر أمين مضافة إلى حى يايلاق بجانب جامع إبراهيم جاوش، ومازال موجودا وليس له مثيل فى فن النحت الخشبى.
وتحويل النصف الثانى من القبلى إلى القباب لما فى ذلك من محسنات، وقد عرضت المذاكرات السابقة على مقام الخلافة وقد وافق العرض للأفكار السلطانية وأرسل مع الموظف إلى المدينة عددا من العمال المهرة حيث يتم إجراء الأمور على وجه السرعة فهدمت السقوف المذكورة وبنى على النصف القبلى ثلاثين عددا من القباب العالية وعلى النصف الثانى من الشامى وهى الجهة الرملية، بنى سقفا جديدا لطيفا.
وكانت السقوف التى صنعت فى عهد السلطان مراد الرابع (195) والمساحة الرملية التى تركت مكشوفة فى عهد السلطان قايتباى المصرى (3825) ذراعا معماريا مربعا، وبناء على هذا الحساب أن غير (4020) ذراعا معماريا من الساحات قد أخذت كلها تحت السقوف والقباب، بالقرب إلى سنة 1277 هـ قد أمر السلطان عبد المجيد خان بأن تحول السقوف والقباب التى صنعت فى عهد السلطان مراد خان إلى أبنية حجرية وتشيد وتقوى المبانى المقدسة فى صورة لائقة كما أرى فى خريطة تجديد حرم السعادة وهيئته القديمة، وبناء على ما جاء فى خريطة هدم السقف سالف البيان بنى مكانه تسع عشرة قبة لطيفة إحداها أبيض اللون وكبيرة وثمان وعشرين منها مستديرة وأصغر من الأولى وحول جميع القباب الأخرى إلى بناء حجرى وبذل جهودا جبارة لتشيد مبانى حرم السعادة على الوجه المطلوب، وبلغ عدد قباب المسجد النبوى إلى (242) قبة وعدد أساطين المسجد إلى (423) أسطوانة مع أساطين مؤخرة حرم السعادة، إذ كان داخل حرم السعادة وخارجه (423) عمود وكان (313) منها غير قابل للاستخدام وفى حاجة قصوى إلى التعمير بعد هدمها، وقد هدم منها مائة وعشر أعمدة وجددت وعمر (313) منها وشيدت، وقد رصنت جميع الجهات الأربعة للجدران والأساطين والقباب العالية بأحجار منحوتة، وأمن جميع جهاته قبل أن يتطرق إليها الخطأ والخلل وكذلك جميع مشتملاته وفروعه.
ألا فليحفظه الله من جميع الآفات السماوية والأرضية، وقد عمر مسجد
السعادة بطريقة متينة، لم تبق جميع جهاته بدون تعمير عدة قرون فلن يتعرض للمخاطر.
وسيظل مصونا بدون شك حتى إذا قضى الموجودون من الفرقة المنجية الإسلامية عمرهم كله تاركين أعمالهم، الشكر والثناء على ما قام به السلطان عبد المجيد خان من الخدمات ما أوفوا بحقه.
وما أعظم الخدمات التى أسداها هذا السلطان للمسجد النبوى الشريف وما أعظم ما أنفقه من النقود، فما بذله من السعى والجهد إلى أيامنا هذه يفوق بكثير ما بذله ملوك بنى أمية.
وعندما تمت عمليات أبنية السعادة وأصبحت رهن الختام فى سنة 1277 هـ فى أواخر ربيع الأول ولم يبق إلا أشياء صغيرة تافهة، وأماكن محدودة للمفتين والمجاورين أولم أحمد أسعد أفندى وليمة للأهالى فى الجبل الأحمر، وكانت وليمة عظيمة حضرها موظفو الحكومة وأكابر البلاد والعلماء والأغنياء ومالا يحصى من الفقراء والمساكين، وتليت منقبة مولد السعادة وعلق على المحجر لوحة كتبت عليها عبارة: «قد أخرج من هنا الأحجار التى احتيج إليها لتجديد حرم السعادة.
وقد وقع تحت النظر فى دفتر إجمال النفقات أنه قد أنفق لتعميرات الأبنية العالية والإنشاءات الجليلة سبعمائة ألف قطعة من الذهب المجيدى وكل قطعة تساوى مائة قرش ومائة وأربعين ألفا من الصرر والدراهم، كما أن ما أرسل من باب السعادة من الألواح الخشبية والحديد والقصدير، والنحاس وأشياء ثقيلة أخرى كان خارج هذا الحساب، وقد استخدم فى العمل يوميا ثلاثة وخمسين عاملا ما عدا الموظفين والكتبة والمهندسين والمباشرين، وهذا التوفيق الخارق للعادة من آثار والد السلطان الكثير المحامد السلطان عبد المجيد خان المشكورة والجميلة.
وما زال أهالى البلاد الحجازية يقدسون روح السلطان المشار إليه ويعرضون
شكرهم وثناءهم عليه فى كل آن وساعة كما أنهم يذكرون بكل خير عريانى زاده أحمد أسعد أفندى الذى بذل جهودا مشكورة فى سرعة إنجاز عمليات الإنشاء والتعمير.
ولم يقتنع السلطان عبد المجيد خان بتوفيقه فى إحياء وتعمير حرم السعادة، فقد هدم مدرسة بشير أغا التى أشرفت على الخراب من أساسها بنى مكانها سبيلا فى سنة 1262 هـ،كما طهر البالوعات التى حول حرم السعادة وأصلح الأرصفة ونظفها فأنقذ أطراف المسجد الأربعة من القذارة والتعفن وأرسل مقدارا كافيا من السجاجيد لفرشها فى حرم السعادة وأرسل قطعتين من الشمعدانات الكبيرة فى ناحية المحراب العثمانى وأضاء تلك النواحى السعيدة مثل جهات المسجد الأخرى، وقد كانت جهات المحراب العثمانى فى تلك الأوقات خالية من الشمعدانات وكانت جماعات المسلمين من قبل يؤدون صلواتهم فى الظلام.
وبناء على ما كتب فى مرآة مكة، قد عمر السلطان عبد المجيد وجدد سور مقبرة المعلا، والأساطين التى أشرفت على الخراب فى المسجد الحرام، وجدار الحطيم الشريف ومسجد الخيف ومسجد الطائف ومرقد الطاهر ابن الرسول، ومحمد بن الحنفية ابن حيدر وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم، ومولد الصديق الأكبر ومولد على بن أبى طالب ودار مولد النبى السعيدة ودار الخيزران ومولد حمزة وبركة اليمانى ومرقد الشيخ محمود، وقباب مقبرة الشهداء ومذبح إسماعيل وضريح ميمونة رضى الله عنها.