الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نكتة لطيفة
كان قد خصص للبغلين اللذين يستخدمان لإدارة الطاحونة التى فى داخل العمارة المرادية إردبين من الشعير يوميا لكل واحد منهما، ولما كان إردبان من الشعير اللذان خصصا بالإرادة السلطانية كثيرا جدا، سأل رجال الدولة السلطان قائلين:«ما الحكمة فى تخصيص إردبين من الشعير يوميا لكل واحد من البغلين مع أنكم تعرفون أن إردبين من الشعير يكفيان لإطعام ثمانية وأربعين بغلا فى اليوم؟ فأجابهم قائلا: «يأتى يوم لا يقدم لهذين البغلين المسكينين من هذين الإردبين حتى حفنة واحدة» وفعلا هذا ما حدث فيما بعد.
تأسف
ولم تبق من العمارة العظيمة المذكورة فى زماننا غير خرابة وليس فيها قطرة ماء فى خزانة سبيلها فضلا عن المأكولات والمشروبات، وكان قد اتخذ ركن فيها قبل يومنا هذا مدرسة يعلم فيها ثلاثة أو خمسة من الأطفال، والآن يقيم فيها العساكر السلطانية من ركاب الهجين.
وكان السلطان مراد المرحوم قد أسس بجانب التكية مدرسة مشترطا أن يدرس فيها خمسون طفلا سنويا، ويأخذ مكان الأطفال الذين يحفظون القرآن الكريم ويغادرونها أطفال آخرون وما خصص لمدرسى هذه المدرسة وطلابها من المخصصات لإعاشتهم والملابس كانت توزع عند حلول مواعيدها.
وعقب ختام بناء تلك المدرسة بنيت زاوية، وعمرت بعشرة من المتصوفة وشيخهم، وخصصت لهم الأشياء اللازمة لإعاشتهم من العمارة سالفة الذكر ثم أضيف لها عدد من الخبز لتحسين أحوالهم وذكر الله فيها صباحا ومساءا.
وفى ختام مبانى تلك الزاوية المذكورة وظف من الصلحاء أربعون نفسا نفيسا وخصص لكل واحد منهم اثنى عشر دينارا سنويا، وكان هؤلاء الصلحاء
يجتمعون فى داخل الروضة المطهرة يتوغلون فى تلاوة سورة الأنعام ويهدون أجر ذلك للروح المحمدية اللطيفة وكانوا يتوسلون بالروح النبوية من أجل نصرة الجنود المسلمين، كما وظف مؤخرا ثلاثون فقيها وخصص لكل واحد منهم قطعتين من الذهب سنويا وكلفوا قراءة القرآن فى داخل الروضة المطهرة كل يوم، وهؤلاء أيضا كانوا يرفعون أياديهم بالدعاء ويهبون أجر مثوبة قراءاتهم لأرواح سلاطين المسلمين.
وقد رتب كذلك ثلاثون من قراء أجزاء القرآن بشرط أن يختم القرآن فى داخل الروضة كل يوم مرة، على أن يأخذ كل واحد منهم سنويا ثلاثة دنانير ونصف دينار كما عين مائة نفر لأداء الحج لابسين ملابس الإحرام واقفين على جبل عرفات فى مواقيت الحج على أن يأخذوا سنويا عشرة دنانير، وكان قراء أجزاء القرآن يختم كل واحد منهم القرآن على الوجه المشروع كما أن الذين وظفوا لأداء الحج كانوا يلبسون ملابس الإحرام فى مواقيت الحج ويسافرون إلى مكة وكانوا يواظبون فى أثناء وقفة عرفات على الدعاء لترقى الدولة وسعادتها ولزيادة شوكة الدولة العثمانية.
وكان السلطان مراد وظف خمسة من المدرسين من المذاهب الأربعة وخصص لهم رواتب كافية، بشرط أن يكون أحدهم من خطباء الشافعية وكان لكل واحد منهم وظيفة تدر عليه أربعين درهما سنويا.
ولا تقتصر الخدمات التى أداها مراد الرابع للبلدة النبوية المسعودة على هذا، بل رمم سطح الحرم النبوى الشريف كاملا لاقتضاء الأمر ذلك، كما جدد آجر الروضة المقدسة، وغير صبغة جدران مسجد السعادة لتوأم حرم الجنة الأربعة وأمر بطلاء عدد أسطوانات مسجد السعادة البالغة ثلاثمائة أسطوانة على لون واحد.
والفنانون الذين استخدموا فى طلاء هذه الأعمدة بشموس ونجوم كل واحدة
منها تختلف عن الأخرى قد أظهروا فى عملهم هذا مهارة جعلت الذين يدخلون إلى حرم السعادة السعيدة يرتعشون من شدة التعجب ويتحولون إلى الجدران الساكنة ويبتهلون.
من مؤلف طبقات ابن سعد نقلا عن محمد بن عبد الرحمن أن محمد بن عبد الرحمن قال: «كان أبى حاضرا عندما انهار الجدار الذى فى مربع السعادة فى عهد عمر بن عبد العزيز؛ وكان يقول: عندما انهار جدار مربع قبر السعادة كنت بجانب حجرة السعادة، فنظرت من مكان السقوط داخل مربع القبر الجليل. كان من بين مرقد السعادة وحجرة عائشة-رضى الله عنها-المنيرة قدر شبر واحد، فأنا أيضا أصدق أن نعش النبى صلى الله عليه وسلم قد وضع إلى اللحد الشريف من الناحية القبلية وأؤيد تلك الرواية، وبما أن روح النبى صلى الله عليه وسلم قبضت فى هذا المكان فالمكان الذى توفى فيه أشرف بقاع الأرض فمن هنا يؤخذ أنه صلى الله عليه وسلم دفن فى هذا المكان لذلك» .انتهى.
بعد أن كنس سطح حجرة السعادة وأخرجت أنقاض الجدار المنهار إلى الخارج شرع شمس بن زمن فى بناء الأماكن المنهدمة ذاكرا اسم الله وجعل عرض الجدار الشرقى فى عرض أساسه الأصلى يعنى فى سمك ثلاثة أذرع كذلك ذراعين ونصف من السمك، وأدخل العمود الملاصق للجدار الشامى فى داخل الجدار المذكور، ومن هنا جاء سمك الجدار الشامى لمربع قبر السعادة أكثر سمكا من جدران الجهات الأخرى وأصبحت جدران جميع الجهات يختلف بعضها عن البعض فى السمك، وكان اليوم الذى بدأت فيه العمليات يوافق السابع عشر من شهر شعبان من السنة المرقومة.
ولما كان ما بين الجهة الغربية والشرقية على شكل طولى، وكان بناء القبة عليه يرى غير قابل للتنفيذ ولكن بما أن قرار اقتضاء إنشاء قبة فوق مربع القبر الجليل كان قطعيا والتحرك خارج هذا القرار غير ممكن فقد جعل شمس ابن زمن-بناء
على تصويب المهندسين ورأيهم-حجرة السعادة مربعة وذلك بفتح باب من جهة قدمى السعادة من الحجرة المعطرة، فى ارتفاع اثنى عشر ذراعا، يعنى قد ضيق وقصر طول الجدارين والباب المفتوح وجعل داخل مربع حجرة السعادة فى شكل مربع ولما بنى الجدار الشامى بأحجار منحوتة شيد فوقه قبة فى ارتفاع ثمانية عشر ذراعا آدميا عن سطح الأرض وفتح فى وسط الجدار الشامى بابا صغيرا وأدخل الحجرة الشريفة ابن أخيه وصهره لتسوية ما فوق القبور الثلاثة، والرجلان اللذان أدخلا داخل قبر السعادة قد فرشا فوق القبور الثلاثة رملا على شكل ظهر السمك مثل قبور بلاد الروم. انتهى.
بعد أن وقف السلطان محمد خان القرى المصرية ضعف مرتبات الحرمين حسب الترتيب، ثم أرسل إلى الروضة المطهرة سجادة منسوجة من الحرير وسجادة أخرى لتفرش على محراب النبى وكسا مرقد السعادة بكسوة مزخرفة جميلة وذلك فى سنة 1003 هـ وكانت فوق الكسوة الشريفة التى أهداها لمسجد السعادة، قد كتبت الكلمة المنجية الشهادتان والصلاة والسلام وأسماء أصحاب النبى الكرام نسجا، كما رسم فى ذيلها اسم السلطان وما اشتهر به من الألقاب.
وأراد السلطان أحمد خان بن السلطان محمد خان الثالث أن يلاطف ويجامل أهالى الحرمين الشريفين من جديد، فوحد إدارات دشيشة الحرمين فى سنة 1013 هـ وأعطى نظارتها لشخص اسمه داود أغا وأحال الإشراف على حسن تسوية الأمور وتمشيتها فى جميع ما يتعلق بهذه الإدارات لمحافظ مصر إبراهيم باشا، وسبب هذه التعيينات وحكمتها ما عرف من ضياع حقوق سكان مدينة الرسول بسبب عدم اهتمام محافظى مصر ووقاحة نظار الدشيشة وطمع مشايخ العربان إذ كانت الدشائش التى اعتيد إرسالها إلى أهالى الحرمين الشريفين مثل الدشيشة الكبرى، والمرادية والمحمدية والخاصكية ودشائش الأوقاف وأخرى من غلال الجراية والصدقات فضلا عن عدم إرسالها فى وقتها كانت المقرّرات ترسل ناقصة وغير منتظمة ومن هنا تعرض أهالى الحرمين لمضايقات شاقة، ولما