الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تاريخه:
جدد جدار المسجد النبوى، السلطان مراد لوجه الله، سنة خمس وتسعين وتسعمائة فى سنة 995.
وبعد سنة خمس وتسعين ببضع سنين تعرضت ثلاثة صفوف من سقف حرم السعادة للضرر إذ أصابها حريق ورعود فاكتست منظرا قبيحا مخيفا، واستحال أداء الصلاة فى تلك الجهات، وإن إبقاء حرم السعادة على حالته الحاضرة إلى أن تنهار تلك الأسقف كليا سيؤدى إلى هدم وخراب حجرة السعادة، ولما كان هذا غير جائز أبلغ الأمر بمحضر كتابى إلى الباب العالى، ودرس الموضوع طويلا فى الباب العالى، وبعد أن خمن الأضرار التى ستتسبب عن هذا الأمر فى المستقبل والخسائر التى سيؤدى إليها، عرض الأمر على السدة السلطانية فأمر السلطان بإرسال أحد الأمراء الصالحين، بعد تعيينه لأداء هذا العمل وتدبير الأدوات اللازمة التى تقتضيها المهمة وإرسالها سريعا إلى دار العز المدينة المنورة وأبلغ هذا الأمر إلى والى مصر وأرسل الأمر الصادر من قبل السلطان أيضا إليه، فأرسل أمين البناء المعين مع المهمات التى دبرت ومهرة العمال إلى دار السكينة.
ولما وصل الموظفون الذين أرسلوا من مصر إلى المدينة المنورة تفقدوا الأماكن التى تحتاج للتعمير والتجديد من حرم السعادة وذلك مع موظفى الحكومة فى المدينة وسادتها، وبناء على الإرادة السلطانية وآراء العلماء والأهالى قوضت ثلاثة صفوف من الأسقف التى اقتضى الأمر هدمها، وبنى مكانها ثلاثة صفوف من القباب الخشبية بمبان حجرية.
وكتب فوق الجدار الشامى الذى فى ناحية الساحة الرملية: هذا تاريخ بناء الروضة الشريفة روضة النبى خير العباد قام بتجديده السلطان مراد، فى سنة 999 هـ.
وأبلغ الأمر بواسطة والى مصر إلى عتبة صاحب القرار، ومن هنا جزا السلطان من يستحقون المكافأة بالعطايا السلطانية وبالخلع الفاخرة التى لا مثيل لها.
والثلاثة صفوف التى جددت كان كل صف منها يتكون من تسعة قباب، وفتحت فى محاذاة الصف الأول من القباب وفى التقاء سطح حجرة السعادة هوايتين لتلطيف جو حرم السعادة فى أيام الصيف وتبريده وقد اكتسب مسجد السعادة بهاتين الهوايتين زينة أخرى.
وقبل أن تختتم عمليات بناء القباب المذكورة، صدرت الإرادة السلطانية السنية لشراء ساحة كبيرة فى غاية الوسع لبناء عمارة منسوبة لاسم السلطان السامى، وبعد إتمام عمليات مسجد السعادة قد دبروا الساحة فى خارج المدينة وبنوا هناك عمارة كبيرة عظيمة جميلة كما أسس فى قرية قباء رباطا خاصا بالفقراء وعين له الموظفين اللازمين وذلك فى سنة 998 هـ ولم يسمع أهالى الحرمين حتى ذلك اليوم عن مثل هذه العمارة ولم يروا مثلها.
وقد بنيت هذه العمارة بطلب الأهالى وإرادتهم وأنشئ لإسكان خدمها أربعة عشر بيتا مستقلا، فأطلق أهالى المدينة المنورة على تلك العمارة التكية المرادية لإظهار مدى سرورهم القلبى وابتهاجهم.
وعندما يقال لهذه العمارة تكية، فلا يفهم أنها تكية عادية للذكر والفكر، والتى يطلق عليها خانقاه، ولم تكن هذه التكية من التكايا التى نعرفها بل كانت عمارة خاصة بجميع الأهالى.
وكانت ثمانية أو أربعة عشر منزلا خاصة لسكنى المتزوجين من الخدم وستة فيها خاصة لسكنى الخدم العزاب.
وكانت تلك التكية فى ناحية باب المضر وخارج السور وكان لها مخزن كبير ومطبخ ومخازن صغيرة متعددة وفى داخلها طواحينها وعدة مخابز وحجرات لوضع اللوازم الأخرى، وكان يخبز الخبز كل يوم فيها وكانت تصنع الحلوى فى ليلتى الجمعة والاثنين أكثر مما اعتيد.
ويطبخ فيها الأرز والزردة (وهو طعام حلو يطبخ بالزعفران) ويوزع على الفقراء، وكانت هذه العمارة تعد مبرة خيرية لا مثيل لها فى البلاد العربية كما كانت تقدم ما تقوم به حياة كل الفقراء من الأهالى.
وكانت الأطعمة التى تطبخ فى التكية المرادية نفيسة وكثيرة بدرجة حتى إنها كانت توزع فى ليلتى الاثنين والجمعة ما عدا الغرباء والفقراء على جميع أهالى المدينة، وبناء على الروايات الموثوقة أن فقراء أهالى المدينة كانو يصفّون ما يحصلون عليه من التكية من طعام الأرز ويئتدمون بزيته عدة أيام، وقد اشترى السلطان فى مصر عدة قرى وأوقفت محاصيلها على تلك العمارة، وكان يرسل من مصر سنويا محاصيل تساوى خمسة وعشرين ألف قطعة ذهب.
وبناء على المعلومات التى أفرها مؤلف لطائف الأخبار من مؤرخى مصر أن القرى التى شريت لأجل التكية المرادية ووقفت لها هى: لفلا، ظاهرية
(1)
سبك الأحد، شبرا زنجى
(2)
،طنان، كفر زريق، طوخ الملقة، سد طنان، سهرا
(3)
، سندوب، زريبة، بهداد، بلو صوره، سفط الخمارة، كفر حيدره، قيس، انسوح، ريده منية سمنود، أبو الحسن
(4)
،كوم برا، تهيا
(5)
،بلقيا، دنديل، حكامنا، دشنا، ضوابط،أهناس المدينة أهناس الخضراء، وكانت الحكومة المصرية تدرّ من محاصيل هذه القرى واحدا وعشرين ألف إردب من الحبوب وترسلها إلى بندر السويس ومن هناك إلى ينبع بواسطة نوع من المراكب تسمى سبنودا من هناك إلى المدينة المنورة محملة على الجمال وكانت هذه الحبوب وقف دشيشة التكية المرادية.
إلى هذا التاريخ لم تكن فى المدينة المنورة مؤسسة خيرية مثل هذه وكان أهل المدينة محتاجين لمثل هذه التكية حقا لأجل ذلك يهدى أهل المدينة إلى الآن لروح السلطان المغفور له المشار إليه الفاتحة بكل إخلاص.
(1)
تتبع هاتان القريتان ناحية البحيرة لعلها «نكلا، ظاهرية» .
(2)
كانت من توابع ناحية المنوفية.
(3)
كانت تتبع ناحية القليوبية.
(4)
كانت هذه القرى من نواحى الدقهلية.
(5)
كانت هذه القرى داخل نواحى بهنساوية والوجه القبلى.