الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاة التحية، ولكن محمد رائف باشا قد دفن الأنقاض والأتربة الناتجة من التعمير والتجديد فى البئر التى حفرها خارج السور مراعاة لمصروفات خزينة الدولة، وكان ذلك سببا فى قول الأهالي:«إن محمد رائف باشا لا يراعى حرمة الأماكن المقدسة»
وإن كنا نحن أيضا نوافق الأهالى فى خطأ محمد رائف باشا وشكاياتهم فى حفره ذلك البئر المذكور، إلا أن تأخير الجدار التى فى مواجهة قدم السعادة إلى الخلف وما فيه من حسنات غير قابل للإنكار فادعاءات المعترضين فى هذا الخصوص كانت واهية، لأن المكان الذى وسع كان مكانا ضيقا فى دائرة الحرم الفاخر وكان زوار الحجرة المعطرة يعانون أعظم معاناة عند زيارتها من الازدحام.
ولنعرف حال مسجد السعادة القديم والأماكن التى حددها محمد باشا واحدا واحدا بناء على القواعد الهندسية لنبين مدى ضعف ادعاءات المعترضين الذين قاموا ضده، حتى لا يظلم الموصى إليه من قبل القراء.
حال مسجد السعادة
والمواقع التى أنشأها محمد رائف باشا
كانت أكثر أماكن المسجد الشريف تتكون من سقوف واقعة على أعمدة صنعت من حجر أسود والعقود المصنوعة من الخشب، كانت الحجارة التى تشكل هذه الأعمدة قد وضعت بعضها فوق بعض قطعة قطعة وكانت قطع الحديد التى تربط بين الحجرين قد ربطت بالرصاص المذاب، وقد هدم محمد باشا هذه السقوف من جهة الشام إلى المئذنة السنجرية.
وبما أن الجدار الذى بين مئذنة السنجرية والمئذنة الشكلية والخشبية قد هدم مع المئذنة السنجرية فى أواخر عهد السلطان سليمان وحدد؛ فظلت تلك المئذنة باسم السليمانية، ولما كانت الأعمدة التى هدمت فى الجهة الشامية والتى كانت تحمل سقوفها أربعة صفوف وكانت متقاربة من بعضها وكأنها متلاصقة فجعلها محمد رائف باشا صفين وبنى عقودها من الحجارة التى أحضرها من الجبل الأحمر
وبدل القباب القديمة التى كانت مصنوعة من الخشب إلى قباب حجرية، وفتح بابا كبيرا فى المكان الذى يلى المئذنة السليمانية وسماه باب التوسل.
يفرض أن يكون باب التوسل فى مكان مقابل دار حميد بن عبد الرحمن بن عوف-رضى الله عنه-كان الوليد بن عبد الملك أدخل ذلك البيت داخل مسجد السعادة، ولما آلت تلك الدار إلى حميد بن عبد الرحمن عن طريق الميراث من جده وكان النبى صلى الله عليه وسلم اعتاد أن يضيّف ضيوفه فى هذا المكان فسمى ذلك البيت فى عصر السعادة بدار السعادة.
كانت دار حميد بين مئذنتى الشكلية والسنجرية فى نقطة تتصل بخارج الجدار الشامى للمسجد الحرام وكان فى جهتها الشامية مخبز ولبعض الدور والمخازن أبواب تفتح من داخل المسجد، وكانت توضع فيها قناديل حرم السعادة والأشياء التى تتعلق بالقناديل. وكانت ميضأة
(1)
الأغوات التى يفتح بابها إلى داخل المسجد فى مكان متصل بهذه المخازن، واشترى محمد رائف باشا تلك المنازل والمخبز من أصحابها بإعطائهم خمسمائة وسبع وعشرين قطعة ذهبية، وهدم سواء أكانت هذه الدور أو ميضأة الأغوات وما بجوارها من المخازن ومئذنة الشكلية التى تشققت حتى الأرض والسقوف الغربية التى تتصل بهذه المئذنة وبنى يمين ويسار باب التوسل سالف الذكر مدرستين فوقيتين وجعل أقفاصا حديدية لنوافذ هاتين المدرستين كانت تفتح إلى مسجد السعادة، وخلف الحجرات التى تصادف للجهة اليسارية من باب التوسل صنع حنفية طويلة أى شادروان ثم أسس على جهة يقال لها الزقاق الشامى من تلك الحنفية ميضأة ذات دورين بدلا من ميضأة الأغوات كما أسس فى جهة الميضأة التى فى الدور الثانى حماما خاصا يخدم حجرة السعادة، ولحمام ميضأة الأغوات باب يفتح إلى داخل المسجد وعند الضرورة يخرج من هذا الباب بسلم كما ينزل إلى الميضأة من فوق الكمر الذى فوق الحنفية، وبعد ما أنهى محمد رائف باشا عمليات ميضأة الأغوات
(1)
وكانت والدة الخليفة الناصر لدين الله هى التى أسست هذه الميضأة.
بنى أربعة من المخازن على الطرف الغربى من الميضأة أى فوق سلم المخازن التى سلف ذكرها.
ولهذه المخازن ميدان واسع مكشوف، وتحفظ فيها زيوت زيتون قناديل مسجد السعادة ولوازمه الأخرى، وقد فتح بابا كبيرا خارج المسجد لتدخل من المخازن المذكورة المحروقات والباب القديم الذى فتح فى داخل المسجد ترك على حاله فى مكانه لينفتح عندما يصلح قناديل حرم السعادة، وبنى فوق أرض ميضأة الأغوات مخزنا آخر لوضع الأشياء الخاصة بالمسجد الشريف ولهذا المخزن بجانب باب المئذنة وفى داخل المسجد باب يفتح للزقاق الواقع فى الجهة الغربية من المسجد وهو باب مشبك.
وبعد أن أتم محمد رائف باشا بناء هذا المخزن أزال المخزن الذى فى جهة مئذنة الشكلية لعدم نفعه وحفر مقدار ذراع المرتفع الذى فى الجهة القبلية من مسجد السعادة وسواه وهدم الدكك التى انتشرت هنا وهناك فهدم القبة التى فى وسط الحرم الشريف، بينما هدمت هذه القبة وكانت تسوى أرضها بفرش الرمل ظهر حوض تحت الأرض ينزل إليه بالسلم، ويلزم أن يكون هذا الحوض البركة التى عرفها ابن النجار.
قال ابن النجار وهو يصف هذا الحوض: «كان فى وسط مسجد السعادة وفى الجهة الغربية من النخيل ينزل إليه بسلم من عدة درجات، قد صنع من الأحجار والجص والألواح الخشبية وكان ماؤه يتدفق من فسقية فى وسطه، وكان ماؤه من عين الزرقاء، وكان خاصا بموسم الحج والعثور على الماء فيه فى الأيام العادية غير محتمل» .
وذهب إلى أن هذا الحوض أثر من آثار أحد أمراء الشام يسمى شامة ولكن رأيه هذا لا يخلو من خطأ.
إذ قال المؤرخ المصرى: وينسب هذا الحوض إلى الأمير سيف الدين الحسين بن أبى الهيجاء، إن الأمير سيف الدين الحسين بن أبى الهيجاء حفر فى تاريخ خمسمائة وستين هجرى من عين الزرقاء إلى باب السلام فأجرى إلى الميدان الذى
بجانب الباب المذكور مقدارا كافيا من الماء، ومؤخرا أدخل جزءا من هذا الماء فى الساحة الرملية لمسجد السعادة، وصنع هنا منهلا كما صنع فوقه كمرا وتحته فسقية؛ كان الناس يجدون هنا وضوءهم، ثم حدث ما يهتك حرمة الحرم الشريف بجانب الحوض، بعد أن أزال محمد رائف باشا قبة الشمع من ساحة الحرم الرملية هدم ما بين جدار مسجد السعادة الشرقى مع مئذنته الرئيسية وبنى باب جبريل وسحب جدرانه إلى الخلف قدر خمسة أذرع وربع ذراع إلى الخارج وبنى مكانا للخلوة فى دورين فى الميدان الصغير الذى استحدث نتيجة للهدم بين مئذنته الرئيسية وركن الجدار الجديد، ولم يلمس الأعمدة التى حول حجرة السعادة ودعاماتها ولكنه أراد أن يقوى ما جدده من أعمدة الجدران وعقد القباب الجديدة فركز الأعمدة فى محاذاة الأعمدة المدعمة لحجرة السعادة، وأبقى باب جبريل فى مكانه وزين باب المئذنة الرئيسية بأحجار منحوتة حمراء لترصيعها وصنع لهذا الباب سلما ذا أربع درجات وترك مكان الباب العتيق للسادة الخطباء، وبينما كان يحفر أسس الجدران الجديدة ظهر مصرف مياه ولعله كان مكان اجتماع مياه البالوعات، وكان فوق الرصيف وخارج مسجد السعادة، وإن كان ذلك المصرف بعيدا عن الحجرة النبوية إلا أنه نقل إلى مكان أبعد تعظيما للمسجد النبوى، ولما وصلت أعمال حرم السعادة لهذه النقطة وقبل أن تركب عقود القباب الشرقية، كانت شكايات المعترضين وصلت إلى الباب العالى حيث درست وحتى يقضى على النزاعات والخلافات التى حدثت نقل محمد رائف باشا وعيّن الفريق أبو بكر باشا ناظر معهد الهندسة البرية السلطانية مكانه وأرسل إلى المدينة المنورة.
وتحرك أبو بكر باشا من باب السعادة وفى رفقته الحاج محمود أغا الجناح، وهو من مدرسى معهد الهندسة المذكور
(1)
وعثمان باشا الذى عين شيخا للحرم ووصلا إلى المدينة المنورة فى اليوم الحادى عشر من شعبان المعظم سنة 1269 الهجرية، وكشف الباشا المذكور وعاين كل ما تم عمله سواء أكان فى عهد حليم
(1)
وما زال الحاج محمود أفندى مدرسا فى المدرسة الحربية السلطانية للرسم ويحمل رتبة قائم مقام.
أفندى الصغير أو محمد رائف باشا، من طريق الجبل ومواقع الحرم المبجل، ثم وضع خريطة أخرى وفق أفكاره وصمم على أن يجدد ويعمر جميع جهات مسجد السعادة حتى تصير رصينة متينة وعزم على الشروع فى العمليات-كسلفه- من جهة مؤخرة حرم السعادة، ولما رأى أن القباب التى بين المئذنة الرئيسية وباب جبريل أولى بالتعمير من الجهات الأخرى أكمل تلك القباب، وأسرع فى حفر وتعميق أساس المئذنة الشكلية، وبما أن المياه زادت قدر قامة رجل كلما حفر ذلك الأساس وعمق فغرس أوتادا وبنى قاعدة صلبة وجعل أساس المئذنة فوق هذه القاعدة وبنى المئذنة حتى كرسيها ثم عمر الأماكن التى انهارت من قديم فانتقل إلى الجهة الغربية من مسجد السعادة، وبما أن جدران هذه الجهة كانت رصينة لم يمسّها ووسع فقط ما بين الأعمدة التى تحمل القباب وأحد السقوف، لأن هذا المكان كان يتكون من أربعة سقوف مبنية على أربعة صفوف من الأعمدة.
وألغى أحد الصفوف من الأعمدة وسقفا واحدا فنظم هذه الجهات على ثلاثة سقوف فوق ثلاثة صفوف من الأعمدة وألصق صفا من الأعمدة على الجدار حتى يضع عليها العقود، وهذه الأعمدة مراكزها ملاصقة للجدران، كما سبق ذكره، وعقد عقود القباب فوق هذه الأعمدة ثم انتقل إلى الجهة الشرقية فهدم الجدار الذى بين المئذنة السليمانية وباب النساء، ونصب بعض الأعمدة وأخذ يبنى الجدار الذى هدمه بحجارة سوداء وقبل أن يكمل عمله وكّل عبد اللطيف أفندى من رجال الدولة العالية وأنابه عن نفسه ثم سافر إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وعاد بعد الحج وبذل جهده لإتمام عمليات الجهة الشرقية من مؤخرة حرم السعادة، ولكنه توفى قبل أن يختم عمليات الجهة ودفن يوم التاسع عشر من جمادى الأولى سنة 1271 فى القبر الذى هيئ له فى البقيع الشريف، رحمة الله عليه.
كان أبو بكر باشا فى الوقت الذى عزم فيه على الحج كتب تقريرا إلى شيخ الحرم النبوى عثمان باشا فى أن يعين عبد اللطيف أفندى وكيلا له وأخذ من الباشا المشار إليه الجواب الآتى: