الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للأمر السلطانى الذى صدر متضمّنا
كيفية إعمار الأبنية العالية
إلى الدستور المكرم، والمشير المفخم، نظام العالم مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب ومتم مهام الأنام بالرأى الصائب، ممهد بنيان الدولة والإقبال، مشيد أركان السعادة والإجلال المحفوف بصنوف عواطف الملأ الأعلى، من مشيرى الجنود النظامية السلطانية شيخ الحرم النبوى الحائز على الوسام المجيدى السلطانى من الطبقة الأولى وزيرى طوسون باشا-أدام الله تعالى إجلاله.
وإلى المختص بمزيد عناية الملك الدائم، من رجال دولتى المتميزين ومدير المدينة المنورة والحائز الوسام المذكور من الدرجة الثانية وحامله، وفخر الأمراء الكرام، معتمد الكبراء الفخام، ذو القدر والاحترام، صاحب العزة والاحتشام المختص بمزيد عناية الملك الأعلى، من كرام أمير أمرائى موظف الأبنية العالية أدهم باشا، دام إقباله.
وإلى أقضى قضاة المسلمين والى ولاة الموحدين، معدن الفضل واليقين، رافع الأعلام الشريفة والدين، وارث علوم الأنبياء والمرسلين، المختص بمزيد عناية الملك المعين، مولانا قاضى المدينة المنورة-زيدت فضائله-.
فليكن فى علمكم عندما يصل فرمانى الرفيع الشأن، أن الحاج محمد راشد- دام علوه-وهو من أعضاء دار الشورى العسكريين ومن رجال دولتى الممتازين، افتخار الأعالى والأعاظم كان قد أرسل إلى المدينة المنورة بمهمة تفتيش وتحقيق التعميرات التى تجرى فى ممسح جباه الموحدين الحرم النبوى الشريف فعاد من هناك بمعلومات جديدة وآراء محلية ومضابط وخرائط والأوراق الأخرى فمن مقتضى الأمر الملكى أن يدرس هذا الموضوع بناء على ما استجد من المعلومات
وليدرس ويذاكر فى مجلس خاص للوزراء علما بأن هذه التعميرات الجليلة تنقسم إلى قسمين:
الأول: مؤخرة الحرم الشريف ومتفرعاته.
الثانى: تعمير مشتملات داخل الحرم الشريف.
وبما أن كيفية تجديد مؤخرة حرم السعادة وتعميره قررت حتى إن أكثر عملياته قد ختمت على أحسن وجه كما أكمل بعض مشتملاته وتفرعاته كما قرر بالاتفاق العام، فى محله أن تنشأ آثار قايتباى الملتصقة بآخر الحرم الشريف على الهيئة الجديدة إلى القباب التى أنشئت حديثا فى محاذاة باب الرحمة.
والآن فموضوع البحث هى المسألة الثانية، قضية كيفية تعمير القباب والسقوف والأساطين التى تحمل تلك السقوف، وبناء على الكشف والتحقيقات فالسقوف المذكورة مصنوعة من الخشب والأساطين التى تحتها صنعت من حجارة صغيرة أخذت فى التفتت والتجرد فربطت بدعامات حديدية، وبعضها مال للانحراف فاتفق على لزوم تجديدها وتعميرها فى محلها وبناء على هذا الاتفاق حدث مسوغ شرعى، ولكن الجانب الجدير بالتدقيق فى هذا البحث والذى أدى إلى الاختلاف والنزاع فى محله مسألة تغير هيئتها القديمة أو عدم تغيرها، والمهم أن يعرف لهذا الموضوع الحكم الشرعى الصحيح، وحتى ندقق النظر فيما أورد من الدلائل النقلية والعقلية بموجب الشرع الشريف وتعرف أهميتها للمصلحة العامة أمرت بتشكيل مجلس خاص يتكون من فحول العلماء وبعض الوزراء فى دار الإفتاء، وبعد معاينة الأوراق والمضابط والخريطة التى أرسلت من المدينة، وتدقيق النظر فيها كلها وصلوا إلى قرار وهو أنه يمكن تقليل عدد الأساطين وتغيير أماكنها وتعديلها لتوسيع أماكن الصلاة ولإحداث تناسق بين الأساطين وقدموا أدلتهم وحججهم وإن كانت كل هذه الأدلة لا بأس بها، وبهذا يمكن أن يوسع داخل الحرم الشريف لدرجة ما، ويتناسق مع مؤخرة الحرم الشريف الذى جدد على هيئة حديثة إلا أن هذه المواقع التى جددت فى مؤخرة حرم السعادة، كان تجديدها
مبنيا على مسوغ شرعى صريح، إلا أن داخل الحرم الشريف لا يمكن مقارنته بمؤخرة الحرم، كما أن تعمير آثار قايتباى باتفاق وأجرى التجديد بناء على هذا بالاتفاق، وبما أن داخل الحرم الشريف الأصلى من الآثار القديمة الجليلة ويتشرف بهيئته القديمة، وإن مسألة التناسق والتناسب لن تكون لتحويل رسم وهيئة المسجد الحرام، ولما كان عدد الأساطين التى تحتاج إلى التعمير والترميم مائة وبضعة وأربعين، وأن ثمان منها من الآثار النبوية لا يجوز تغييرها وتبديلها قطعيا، كما أن الأساطين التى ركزت فى داخل الحرم الشريف فى عهد أبى بكر الصديق وعمر الفاروق-رضى الله عنهما-زيدت باتفاق الصحابة فى توسيع المسجد فهى فى حكم الآثار، فمثل هذه الآثار التى وجدت باتفاق الصحابة والتى لم يسم أى جانب من جوانبها فلا يجوز تغيير هيئات أماكنها لمجرد التوسيع والتنسيق، وهذا من الأمور المسلمة، وفى هذه الحالة فالأسطوانات التى ستجدد على طراز حديث ستكون عرضة للتغير وللتبديل فهى الأساطين التى أضافها وأنشأها السلطان مراد خان والسلطان قايتباى وتترك الأساطين الأخرى، ومع تغيير هذه الأساطين وتحويل أماكنها فلن يحدث التناسق المنتظر.
ومع هذا فالقباب القديمة من آثار السلطان مراد قد وضعت فوق الأساطين التى كانت قائمة ولم يتصدّ أحد، فى ذلك طالبا تغيير رسم وأماكن تلك الأساطين، والتوسيع المرغوب حدث منسوبا إلى اسمى، وبإنشاء المواقع والقباب الجديدة حاليا، وبناء على الأقوال الموثوقة وإن كان بين هذه الأساطين ما يحتاج للتجديد، ولكن بعض ما انحرف منها وبعض ما احتاج للتعمير الجزئى منها، فلا يلزم تجديدها فمثل تلك الأساطين ترمم وتسوى فى أماكنها على هيئاتها القائمة، بحيث تقوى على حمل القباب الحجرية التى ستوضع عليها، وبما أن الأساطين الموجودة فى المسجد مبنية بحجارة سوداء فمن المستحسن أن تنشأ ما يراد تجديدها من الحجارة السوداء حتى تشبهها، وعند تعمير الأساطين التى غلفت بقطع الرخام تغطى أيضا بالرخام بعد تعميرها، ولما كان معظم قباب السلطان مراد سليمة والأساطين المحتاجة للتعمير لا تتجاوز ثمانية أساطين أو عشرة، ولما كانت
بعض أماكن المسجد النبوى قبابا حجرية وكان أكبرها سقوفا خشبية احتاجت إلى التعمير وستعمر على هيئة القباب الحجرية، وبهذا ستجنب المخاطر مثل الحرائق وغيرها، وعلى هذا لن يكون هناك أى مسوغ لتغيير أماكن هذه الأساطين أو تقليل عددها أو تغيير الآثار المباركة بها، وبناء على هذه التفصيلات المشروحة رجح الرأى القائل بتجديد وتعمير ما فى داخل حرم السعادة فى مكانه وعلى هيئته وشكله القائمين، وعلى هذا تعين إجراء العمليات كما تبين من الواقع، ويشرع فى العمل من بين باب الرحمة وبين باب السلام ومن بين باب السلام إلى ما بين المئذنة الرئيسية، وبما أن المحراب العثمانى وسقوفه قد كشف أولا فمن الأهمية تجديد القبة العثمانية، وإنشاء ما بين دكة الأغوات إلى باب الرحمة، وتعمير القباب الجديدة وتشييدها وإحكامها والأبنية العالية كذلك والتى تقرر إنشاءها بناء على المسوغ الشرعى وتوسيع الأماكن التى يمكن توسيعها والتى قد وضعت أسسها لن تخلو من الحسنات وإتمام بناء تلك الأماكن وفق كشوفها، وبما أن الجدار الكبير الذى يبدأ من المئذنة الرئيسية وينتهى عند باب السلام قد ظهر ميله وانحرافه فليزال ويجدد ويعمر على الوجه المطلوب، وبما أنه لا يجوز وضع الأنقاض المختلفة من عمليات التعمير والترميم والأحجار المكسرة التى ستخلّف من تعمير وتجديد الأساطين فى أماكن غير مناسبة فمن الأجدر أن تستخدم فى بناء الجدران العادية من الحرم الشريف أو فى مثل هذه الأشياء، ولما كانت حجارة المكان الذى بين شبكة السعادة والحجارة المفروشة، والستارة قد تزحزحت من أماكنها، يجب أن توضع فى أماكنها بدون إحداث أى تغير، وقد نبه مرارا على ألا يرفع أحد صوته فى أثناء العمل وألا يأتى بحركة مخلة للآداب، وأن يظهر أقصى ما يمكن للإنسان أن يقوم به من توقير وحرمة للمكان، وقد جاء ذكر كل هذه الأشياء فى المجلس الخاص وقيدت فى مضبطة.
ولما كانت هذه التعليمات الشرعية الدقيقة التى بحثت ستؤدى فى الآخر إلى عدم تغيير ما لا يراد تغيير هيئته الحالية من جهة وأن تتحقق قضية المتانة والرصانة
من جهة أخرى، يجب أن تنفذ العملية وفقا لما سبق شرحه وذكره، وأن تحفظ الأشياء التى ستصرف للأبنية العالية من التلف والسرقات، وأن يراعى حسن معاملة العمال المستخدمين، وأن تشكل هيئة مؤقتة من الموظفين الموجودين والمهندسين ورؤساء الحجارين للإشراف على أمور الإنشاء والتعمير.
وقد تقرر فى مجلس الوزراء الخاص أن يعمل أعضاء تلك اللجنة المكونة وفقا لما جاء فى اللائحة التنظيمية لسير العمل، وعرض هذا الأمر على ذاتى السلطانية بعد الاستئذان، فتعلقت إرادتى السلطانية على أن ينفذ ما جاء فى قرار مجلس الوزراء الخاص وصدر أمرى هذا إعلاما وتنبيها وتقييدا من ديوانى السلطانى وقد ذيلت اللائحة المنظمة بختم أعضاء المجلس الأعلى، وصدق من مقام الصدارة العظمى، ثم أرسلت فرمان بأمرى السلطانى.
والآن وأنتم شيخ الحرم ومدير المبانى العالية وموظفىّ الذين أثق فيهم فلتعلموا، أن كل أملى وأقصى مناى أن تعملوا على إتمام بناء ذلك المكان المبارك السامى رصينا متينا واسعا! بحيث يسر الروح النبوى، ولن يتحقق هذا إلا باتباع ما جاء فى فرمانى هذا وألا تجيزوا أبدا تغيير هيئات الأساطين أو تبديل أماكنها لأن هيئتها وأشكالها القديمة مما يتشرف بها، وأن يبذل كل ما فى طاقة الإنسان من إظهار الاحترام والتوقير لإسعاد روح النبى صلى الله عليه وسلم وأن تعملوا على إجراء التعميرات وفق القرار الذى ذكر عاليه، وأن تحرص أن تتحرك وفق ما جاء فى اللائحة التنظيمية وأن تتجنب وتتقى العمل خلاف القرار مغيرا لأحكام اللائحة التنظيمية، لأن المخالفة ستؤدى إلى عدم رضا الله وإلى عدم إسعاد روح النبى صلى الله عليه وسلم فضلا عن المسئولية والندامة فى الدنيا والآخرة وسيخالف رضاى السلطانى من جميع الوجوه، وعدم إظهار أى نوع من التكاسل والتراخى فى هذا الخصوص من مقتضى إرادتى الملكية القاطعة فأعد نفسك وفق ما جاء فى هذا الأمر واعمل على إتمام تعميرات هذا المكان الجليل بكل ما فى طاقتك من جهد وبذل وسعى، فليكن هذا فى علمكم، واعتمدوا على علامتى الشريفة.
تحريرا فى أوائل ذى الحجة الشريفة سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف سنة (1273).