الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النساء شرف الزيارة ولم يكن يعرف أن دخول النساء الحائضات داخل الحجرة المعطرة غبر جائز ولم يخطر بباله أنه يجب ألا تكون بين الزائرات حائضة.
لذا حدث زلزال شديد ثلاث مرات متتالية صباح ليلة الزيارة تماسك الأهالى فيما بينهم، وفى النهاية عرف ما حدث وظهرت الحقيقة فأخرج حالت باشا من المدينة المنورة فى صورة مهينة وأرسل إلى مكة! وإذا كانت الأمور ظلت على هذه الحالة لأمكن أن يقال إنها تأديب خفيف، إذ تعرض حالت باشا بسبب هذه الزيارة للكثير من الكوارث إذ هلك جميع أفراد دائرته واضمحلوا وتشتتوا فى أرجاء الدنيا.
نعم، فالذين يسيئون أدبهم أمام النبى صلى الله عليه وسلم يمحون ويتشتتون عقب إساءتهم أمّا محاكمة تحسين أغا يظهر أنها ستجرى أمام حكيم الأنبياء لأنه كان سببا فى القضاء على حالت باشا.
جرأة غريبة
حدث فى زمن شيخ خدمة الحرم السعيد شمس الدين أن بعض الحلبيين أرادوا أن يخرجوا نعش أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب ليأخذوهما إلى بلدهم.
ودخلوا فى ليلة إلى مسجد السعادة، كما سيأتى تعريفه فيما بعد-إلا أن كلهم هلكوا وانعدموا وقد بلعتهم الأرض.
كتب مؤلف الرياض النضرة محب الطبرى راويا عن هارون بن الشيخ عمر بن قائلا: «قال شيخ خدمة الحرم النبوى شمس الدين صواب اللمطى بالذات: «كان لى صديق من خاصة والى المدينة المنورة وكل ما يتعلق بالأعمال الحكومية كنت أكلف هذا الشخص القيام به، وشرفنى يوما فى حجرتى المتواضعة وقال: جاء اليوم بعض الناس من حلب ورجوا أن يؤذن لهم بإخراج الجسدين اللطيفين للشيخين الكريمين-رضى الله عنهما-وأخذوا إذنا من أمير المدينة بذلك وقد
أعطوه نقودا طائلة وبمجرد ما أنهى كلامه جاء رسول من قبل أمير المدينة المنورة وقال تفضلوا معى إن أمير المدينة يريدك، فأخذنى وذهب بى عند الوالى، وعندما دخلنا فى الدائرة الحكومية ورآنى الوالى فقال مؤكدا:«يا صواب سيدق باب مسجد السعادة بعض الناس ووقتما يدق الباب يجب أن تفتح الباب وتدخل من دقوه فى الداخل ولا تعترض على أى شئ يفعلون وأن تصمت» هذا كان أمره، إننى جلست هذه الليلة فى جهة من جهات المسجد وأخذت أبكى من شدة الهم والغم وسبحت فى بحر الفكر والحيرة عسانى أجد حلا لهذا الموضوع».
وعقب صلاة العشاء أغلقت الأبواب حسب الأحوال الجارية ثم جلست فى جانب من حجرة السعادة وأخذت أبكى، ودق فى منتصف الليل الباب الذى فى محاذاة دار الوالى، وبناء على الأمر الذى تلقيته فتحت الباب ووقفت خلف مصراعه، فدخل بعض الناس فى الداخل وأغلقوا الباب، فأحصيتهم فردا فردا كانوا أربعين نفرا كاملين وكان كل واحد منهم يحمل على ظهره زنبيلا أو زنبيلين مملؤين بأدوات الحفر، فتوجهوا رأسا إلى حجرة السعادة، وفى الوقت الذى مروا من محاذاة مئذنة باب السلام واقتربوا إلى أمام المنبر السليمانى، فانشقت أرض المسجد وبلعت هؤلاء الناس جميعا بآلاتهم وأدواتهم واختفوا عن الوجود، ولما التأمت الأرض المنشقة ظل نصف ملابس أحد الأشخاص الذين ابتلعتهم الأرض خارجها وهكذا أشير من قبل الحق أن هذا المكان هو مكان الانشقاق
(1)
وبعد مرور مدة طويلة استدعانى والدى عنده وقال لى: «كنت بعثت لك بعض الأشخاص، هل أتوا؟ وكان يريد بهذا السؤال أن يستكشف الأحوال، فقلت له نعم قد أتوا إلا أن الأرض انشقت وبلعتهم ونقلت له القصة كما حدثت، فقفز من مكانه وذهب إلى مسجد السعادة ورأى قطعة الملابس التى ظلت خارج
(1)
ويخبر بعض أهل المدينة أن الكيفية قد عرفت للناس فى تلك الليلة بصوت من الهاتف.
الأرض وفهم حقيقة ما حدث ثم التفت إلى قائلا إذا ما قلت شيئا فى هذا الموضوع سأعدمك وبعد هذا التهديد أوصانى بأن أكتم ما حدث.
كتب هذه الحكاية أبو محمد بن عبد الله بن المرجانى أيضا فى تاريخ المدينة إلا أن الأشخاص الذين ابتلعتهم الأرض كانوا خمسة عشر نفرا أو عشرين، ثم أضاف إننى سمعت هذه الحكاية من أبى عبد الله بن أبى محمد المرجانى كما أنه سمع من أبيه محمد المرجانى، كما أن محمد المرجانى سمع من خدم الحجرة الشريفة، وفى آخر الأمر سمعت أنا من ناقله، وبهذه الرواية نقل وبين الحكاية السالفة.
وإن كانت الرواية التى ينقلها أبو محمد تظهر مختلفة عن رواية محب الطبرى إلا أن القول الأول بما أنه منقول عن شمس الدين صواب اللمطى بالذات فإنه مرجح على القول الثانى.
يخبرنا مؤلف طريقة محمد بعد أن ينقل ما قاله حضرة صواب برواية محب الطبرى، كيف مات والى المدينة، وأين تعرض حضرة صواب ومن طرف أى الأشخاص للهجمات بصورة واضحة، وبناء على تحقيق المؤلف المشار إليه أن والى المدينة قد تعرض لمرض الجذام عقب هذه الواقعة وارتحل إلى دار البوار بعد أن تقطعت أعضاء جسمه إربا إربا.
إن الزنادقة الظالمين أرسلوا بعض السفاحين وقد اطلعوا على مصير الأشخاص الذين بعثوهم من حلب وكيف بلعتهم الأرض واختفوا إلى الأبد أرسلوهم ليقضوا على حضرة صواب ويقتلوه وقد فرح هؤلاء الأشخاص وابتهجوا إذ دعوا صوابا إلى مجلس حيث تجرءوا لقطع لسانه، إلا أن النبى صلى الله عليه وسلم مسح على لسان صواب فرجع اللسان على حالته الأولى كأثر من آثار المعجزة النبوية وأخذ يتحدث ومن هنا تبدل فرح هؤلاء السفاحين وابتهاجهم غما وهما.
أرادت فرقة الزنادقة أن يخفوا ما ارتكبوه من الإهانة عن أهالى الممالك المتجاورة وذلك بفكرة رفع وجود صواب المبارك عن خريطة الحياة فدبروا له
حيلة ورموه فى السجن وجرحوا جسمه المبارك ومزقوه وعرضوه لجروح غير قابلة للالتئام، ولكن طبيب أدواء الأمة صلى الله عليه وسلم أخرج صوابا من السجن. كما أنه-عليه السلام-أزال جميع آثار الضرب والجروح ومن هنا أمكن إخفاء أحداث الواقعة وسترها.
وأراد والى المدينة أن يخفى عن الناس مكان قطعة الملابس بقطعها ولكن صوابا كان قد أرى مكان انشقاق الأرض لأهالى البلدة المباركة فى أثناء وقوعه فى أجولة السفاحين، وشرح لهم ما حدث ومن هنا وضع الناس فى هذا المكان قطعة من الحجارة وعرفوا الزوار الذين يقصدون قبر السعادة بأن ذلك المكان مكان الانشقاق ومع مرور الأيام تبدل ذلك الحجر، وفى النهاية وضعت قطعة من الرخام متعددة الألوان الأصفر يختلف لونها عن قطع الرخام الأخرى لتجذب الأنظار.
وما زالت هذه القطعة الرخام فى زماننا هذا، فإذا ما سئل أى واحد من أهالى المدينة يشيرون إليها، وبما أنه لا يوجد فى ساحة حرم السعادة الرخامية قطعة رخام أخرى تشبهها فلا داعى للسؤال عنها من زيد أو عمرو، وعلى الزوار الذين يريدون أن يروا هذه الرخامة أن يبحثوا عنها فى الساحة الرخامية فى مواجهة السعادة بعد أن يدخلوا من باب السلام بين مئذنة باب السلام والمنبر السليمانى.
ينقل لنا مؤلف روضة الأبرار أن لعينا اسمه أرناط حاكم قلعة كرك مدينة صغيرة فى ولاية الشام وهى ملحقة بسنجق البلقاء يسكنها ثمانية آلاف، نسمة ستة آلاف منهم مسلمون والألفان مسيحيون.
ومركز هذه المدينة قرية كرك التى تقع على مسافة خمس أو ست مراحل من نابلس التى تقع فى الجهة الجنوبية من البلقاء أراضيها ذات محصول وفير منبتة خصبة، لكن بما أن سكانها عشائر غير متحضرة فأحوالها العامة غير منضبطة، وإدارتها محولة إلى الشيخ الذى يطلق عليه القائم مقام، وهذه القرية فى ممر قوافل مصر والحجاز، ولما كان موقعها ذا استحكام طبيعى كانت فى الأوائل
مركزا تجاريا، وقام الصليبيون ببناء بعض الحصون فيها كما أن الأيوبيين قاموا بتعميرها وإصلاحها بصورة رصينة متينة حتى أصبحت فى حالة فوق العادة من العمارة ومازالت بعض قلاعها قائمة إلى الآن آثار ملك الفترة المزدهرة.
وقع أرناط فى سنة 578 هـ فريسة لفكرة نبش مرقد النبى المنير ونقل جسده الشريف تلك الفكرة الخائبة، ومن هنا أمر بصنع بعض المراكب الصغيرة فى قلعة (كرك) وأوصلها إلى البحر الأحمر جرّا على اليابسة، كما أرسل ثلاثمائة وخمسين نفرا من الأشقياء السفلة لاستخدامهم فى تسيير المراكب ولإرسالهم إلى المدينة المنورة إذا اقتضت الأحوال.
وكان غرضه أن يؤخذ الجسد النبوى الطاهر إلى ميناء ينبع ومن هناك إلى بلاده، ولما وصلت تلك المراكب إلى ميناء ينبع تكونت جماعة كبيرة مع العربان الذين وافقوا على الفكرة وترك فى الميناء قدر كاف من الحراس لحراسة السفن وأخذ الباقى يتسرب إلى ناحية المدينة المنورة منفردين، ثم اجتمعوا فى مكان معين وأخذوا يتقدمون، ولما وصل هذا الخبر الذى أثار الدهشة إلى مسامع من يعرف بين المشايخ باسم الشيخ محيى الدين النووى فى الشام ظنّ أنّ والى الشام يريد إرسال الكتب النفيسة التى فى مكتبة الجامع الأنورى الشريف إلى ديار أخرى.
وعندما اطلع الإمام على حقيقة الأمر ذهب إليه وأراد أن يثنيه عن قراره بكلام لين ونصيحة خالصة، ولما رأى أن كلامه لا يؤثر فيه غير كلامه وأخذ يهدده بفقرات باردة، وظن الوالى أن الإمام شخص عادى كآحاد الناس فأمر بحبسه وتوقيفه فابتدر من بجانبه الشّيخ ليحملوه معهم، لكن فراء الأسود والنمور التى كانت مفروشة فى الحجرة تراءت لهم كالحيوانات المفترسة الحية فامتلأ قلب الوالى بالخوف والفزع ولا سيما قلوب الذين كانوا أمسكوا بالإمام وهكذا جعلتهم يفرون جميعا، وبناء على ذلك ثاب الوالى إلى رشده وندم على ما فعل وطيب خاطره وقبل يده وقدمه إنقاذا من هذه الورطة المخيفة المفزعة.
بينما تصدر الأمور الخارقة للعادة من الإمام النووى والآخرين ممّن يتباهون بانتسابهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف يجوز التردد فى تصديق ما ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ملك جنود الملائكة من الخوارق هذا النبى الذى اتخذه خالق العالم-جل شأنه-حبيبا له.
كن مجذوبا بحب الله
…
وكن فى كمال الأدب أمام النبى.