الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنفع لمسجد السعادة؛ من حالته الأولى؛ لأنه قد فتحت فى الجدار القبلى للمسجد الشريف نافذة كبيرة تحاذى نافذة المواجهة الشريفة وهذا ما زاد حرم السعادة جمالا على جمال؛ ولو كانت أطراف المسجد كلها حديقة لما بقى أثر للعفونة ولما وجد فى مسيرة الكائنات مكان أكثر بهجة وانشراحا من هذا المكان.
عندما جدد باب الرحمة كتبت على يمينه ويساره التواريخ بعد البسملة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) أمر بتجديد هذا الباب الشريف سيدنا ومولانا السلطان الملك المظفر؛ السلطان سليمان بن السلطان سليم ابن السلطان بايزيد خان، ابن السلطان أورخان خان ابن السلطان عثمان خان، خلد الله ملكه وأعز نصره، بمحمد وآله وذلك فى شهر رمضان المعظم سنة سبع وأربعين وتسعمائة، كما كتب على يمين ويسار باب السلام الذى صنع مجدّدا أيضا بعد البسملة.
اللهم أدم له العزة والتمكين والنصر والفتح المبين بقاء عبدك ومولانا السلطان سليمان شاه ابن السلطان سليم خان بن بايزيد خان بن السلطان محمد ابن السلطان مراد ابن السلطان محمد بن السلطان بايزيد ابن السلطان مراد بن السلطان اورخان بن السلطان عثمان خان، أعز الله نصره وخلد الله ملكه وختم بالصالحات أعماله بمحمد وآله وصحبه وسلم.
وذلك مع تاريخ سنة إحدى وأربعين وتسعمائة فى شهر صفر، كما كتب على الجهة اليمنى لهذه التواريخ مولانا السلطان الملك المظفر سليمان شاه بن السلطان سليم بن السلطان بايزيد خان ملك البرين والبحرين خادم الحرمين الشريفين، خلد الله ملكه.
شعر
رسول الله إنى مستجير
…
بجاهك والزمان له اعتداء
وجاهك يا رسول الله جاه
…
رفيع ما لرفعته انتهاء
كتبت هذه القطعة، كما كتب على رواقها الخارجى الآية الكريمة الجليلة.
{سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ} (الرعد:24).
والآية:
{إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:56).
وبعد ذلك كتب النعت الشريف
وظنى فيك يا طه جميل
…
ومنك الجود يعهد والسخاء
وحاشا أن أرى خزيا وذلا
…
ولى نسب بمدحك وانتماء
وكم لك يا رسول الله فضل
…
كقدر الأرض لابل والسماء
وكم لك معجزات ظاهرات
…
كضوء الشمس ليس له خفاء
وفوق هذا البيت كتب على طاق الرواق المذكور حديث «من زارنى بعد موتى فكأنما زارنى فى حياتى» ،صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه الطاهرين.
وطهر محمد باشا، وهو من وزراء السلطان سليمان بن السلطان سليم، مجرى عين الزرقاء ووكل فى ذلك السيد أحمد بن سعد الحسينى نقيب أشراف المدينة المنورة وطلب منه راجيا أن يعمر ويحيى تلك الأماكن، وأخذ السيد أحمد أفندى بستان عيينة المشهور وعقب ذلك بئر الخاتمى وهى فى جهة قباء باسم محمد
باشا وأجرى مياه هذه الأماكان إلى مجرى عين الزرقاء وحتى يزيد من مياهها قد حفر عدة آبار أخرى فوسع وطهر مجرى العين المذكورة إلى باب الرحمة، وصنع سبيلا بالقرب من باب الرحمة، ومن هنا فتح طريقا إلى حى الأغوات وجعل منهلا فى ذلك الحى ينزل إليه بسلم والماء الذى أوصله إلى هذا المنهل، أجرى مياه هذا المنهل إلى حوش المغاربة بحفر مجرى خاص، وصنع فى داخل أربطة الديار العشر والمغاربة سبيلا لكل واحد منهما كما صنع حماما بجوار القلعة وطهر بئر على وعمقها فى النهاية.
بعدما انتهى سيد أحمد أفندى من هذه الأعمال، بنى سبيلا أمام مسجد قباء وميضأة ثم اشترى بستانا أوقفه للحمام، ثم بنى بيتا فى منصة بئر خاتمى ثم أمر بحفر حوض بالقرب من هذا البيت، ثم اشترى البيت المتصل بهذا البيت ووضع فى طرف من أطرافه محرابا فجعله على شكل المسجد، ووقف المنزل الذى يمتلكه لإقامة الفقراء والغرباء واشترط ذلك، وكل ذلك رعاية للصاحب القديم لذلك البيت وذلك فى سنة (992 هـ) لأن ذلك المنزل كان المنزل السعيد الذى كان يسكن فيه الصديق الأكبر.
ولكن لشدة الأسف أن مدير الحرم الشريف جدد مسجد أحمد أفندى باسم محمد باشا والنزل الذى بنى باسم سيد أحمد أفندى ثم وقف، جددهما وجعلهما مسكنا لأهله وترك الفقراء المجاورين فى العراء وأظهر دناءته إذ بنى على الساحة التى تنسب للصديق الأكبر حماما وميضأة وذلك فى سنة (1254 هـ).
وكان السيد أحمد أفندى قد اشترى البستان الذى أمام حمام محمد باشا وبنى أمامه حوضا يملأ بمياه عين الزرقاء وحصر المياه الزائدة لهذا الحوض لرى البستان المذكور ثم وقف سواء أكان البستان أو الحوض لحمام محمد باشا.
إن الحوض الذى حفر مقابل بستان حمام محمد باشا كان غاية فى الكبر وبما
أنه فى طرف الساحة الواسعة التى ينصب عليها قوافل محامل مصر والشام خيامها كان أهالى القافلة يستخدمون هذا الماء وما زالوا يرتوون منه.
ولا يعرف الآن ما حدث لحمام محمد باشا إلا أنه يوجد فى زماننا فى المدينة المنورة حمامان يستخدم أحدهما فى دائرة الترجمة للحرم النبوى وهو حمام أحمد نظيف أفندى فى المناخة والنزل الذى اتخذ مستشفى للعساكر النظامية السلطانية مقابل هذا الحمام، وأحد الحمامين المذكورين فى حى حارة الزوران التى تلاصق السور الداخلى لمسجد السعادة من الجهة القبلية، وهو الحمام الذى ينسب إلى الشهيد نور الدين. انتهى.
لقد أقام السيد أحمد أفندى أيضا مستشفى على اسم محمد باشا خاصة لعلاج غرباء دار السكينة، ولقد كفل لها الأطباء والخدم اللازمين وأوقف لها مقدارا كافيا من العقارات والأملاك، ومع مرور الأيام انهارت أكثر أماكن هذه المستشفى وخربت؛ وإن لم ترمم أبنيتها لقد خصص فى سنة 1255 هـ جراية خبز لمرضاها، ومن هنا كان المرضى الذين ملوا من حياتهم لشدة حاجتهم وامتداد عللهم يدخلون فى هذه المستشفى حتى يسلموا أرواحهم فيها.
وقد عمر والد السلطان كثير المحامد الأماكن الخربة من هذه المستشفى وألحق بها صيدلية ومخزن أدوية وخصص لها الأدوية الطبية واللوازم الجراحية كما هيأ لها ما يلزمها من أطباء وجراحين وصيادلة والخدم، وكانت هذه المعدات كافية لعموم أهالى المدينة والحجاج، وبهذا أحيا أهالى المدينة من هذه الجهة أيضا.
وقد أدخل السلطان مراد خان الثالث بن السلطان سليم خان الثانى شونة مخزن ينبع البحر داخل السور حفظا لها من هجمات العربان وأسس مخزنا آخر لوضع ما خرب من الجدار القبلى ومحرابه وأصلح جدرانه الأخرى وشيدها فى غاية من المتانة والإحكام وأعاده إلى حالته الأولى، كما عمر وأحكم المرفأ الذى على شاطئ البحر والذى يبلغ عرضه 53 ذراعا وطوله 24 ذراعا والذى كان
أشرف على الانهيار، وخصص بعد ختام هذه الأعمال صرة سلطانية تحتوى على أربع وأربعين قطعة ذهبية على أن يكون أحد عشر ألف دينار منها لأهل مكة وباقيها لسكان دار السكينة المدينة المنورة، وذلك كل سنة، كما عين بعد ذلك لجيران رسول الله أربعة آلاف إردب قمحا وللحجاج الذين انقطع بهم الطريق خمسمائة إردب قمحا وذلك فى سنة (986 هـ) وكانت هذه الذخيرة ترسل من مصر إلى ينبع ومن هناك إلى المدينة المنورة وتوزع على الأهالى المحتاجين وتقسم عليهم.
وقد جدد السلطان المشار إليه فى سنة 988 هـ مطبخ الدشيشة «وهى عبارة عن نوع من الحساء المصنوع من القمح المدشوش» وسر خدمته بإعطائهم قطعة ذهبية يوميا كما سر طباخيه بإعطائهم إردب قمح فوق القطع الذهبية؛ وذلك فى سنة 988 هـ.
وعانى فى هذه الفترة أهالى المدينة فى محلاتهم مضطربين من العطش، ولما أبلغ الكيفية إلى مسامع السلطان أسس فى القرب من باب المضر سبيلا وخصص لكل واحد من خدمه ونظاره مقدار ستين درهما من النقود وعين لهم سنويا خمسين اردبا قمحا لكل واحد منهم وأمر أن يملأ هذا السبيل يوميا بواسطة السقائين ليروى عطاشى المسلمين وذلك فى عام 990 هـ.
وبعده بعام خصص لأغوات الحرم الشريف (حب الجراية) يوميا كما خصص لعبيد عين الزرقاء (حب الجراية)
(1)
يوميا وعين لفقراء المجاورين والعلماء الصالحين ألف إردب حنطة سنويا وكان ذلك فى سنة 991 هـ عندما كان عدد أغوات الحرم الشريف سبعة وخمسين وعبيد عين الزرقاء سبعة عشر نفرا.
وكان المسجدان الشريفان اللذان لأبى بكر الصديق وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما-أشرفا على الخراب وحرم الزوار الكرام من شرف زيارتهما،
(1)
كان يطلق على الخبز المصنوع من الحبوب المرسلة من مصر حب الجراية.
ولما وصلت الكيفية إلى أسماع السلطان أمر بترميم وتعمير هذين المسجدين كذلك ما بجوارهما من الأربطة القديمة الخربة، وجامل خدمها بأن خصص لهم عامة رواتب كافية، وذلك فى سنة 994 هـ،وفى خلال تلك السنة كان الجدار الذى فى جهة باب النساء من حرم السعادة قد مال للسقوط وأصبح تعميره واجبا ورجى من السلطان صاحب القرار أن يأذن بإجراء ما يقتضى عمله، وبناء على الأمر السلطانى الصادر هيئ الموظفون والعمال والأدوات اللازمة للبناء وأرسلوا عن طريق مصر القاهرة، وعندما وصل أمين البناء إلى المدينة المنورة وتفقد المسجد الشريف بناءا على آراء السادات والأهالى، وقرر أن يهدم الجدار الشرقى للمسجد ابتداء من باب النساء إلى نهاية حرم السعادة، ولما استلم القرار من قبل العلماء هدم المكان المذكور من أساسه وأبلغ وجوب تجديده إلى عتبة الباب العالى السامى، ووافق هذا القرار رأى وأفكار السلطان، وبناء على ذلك أبلغ الأمر كتابيا إلى أمين البناء وطلب منه الإسراع فى تجديد المكان المذكور وفقا لإرادة الأهالى الكرام كما أرسل قطعة من التاريخ محكوكة على رخام، وبين فى الرسالة الكتابية أن وضع هذا التاريخ فى مكان مناسب وإلصاقه من بعض الأوامر السلطانية.
وشرع أمين البناء بناء على التعليمات السلطانية العالية فى أداء مهمته وفى ختام العمليات وضع حجر التاريخ فى ركن من أركان الجدار المجدد، وبين الأمر وأبلغه إلى مركز السلطنة ولأجل ذلك أرسل لأمانة البناء وسائر الموظفين وأعيان البلدة خلعا فاخرة وعطايا وفيرة وذلك فى سنة 995 هـ.
وكان طول الجدار الذى جدد 95 ذراعا وارتفاعه 17 ذراعا والتاريخ الذى أرسل من باب السعادة لإلصاقه على الجدار المذكور يتضمن الآتى: «اللهم خلد ملك من جدد هذا الجدار المحترم وهو مولانا السلطان الأعظم والخاقان الأكرم، سلطان القبلتين وخادم الحرمين الشريفين، السلطان مراد خان» .