الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعرف كيفية احتراق مسجد السعادة للمرة الأولى وكيف جدد
دخل أبو بكر بن أوحد
(1)
من فراشى المسجد النبوى فى ليلة يوم الجمعة الأولى سنة 654 الهجرية
(2)
إلى مخزن القناديل الكائن بالزاوية الشمالية لجدار المسجد الغربى ليخرج قناديل المآذن ووضع الشمعة التى فى يده فوق قفص أحد القناديل ونسى أنه ترك الشمعة فوق قفص القناديل ولما كان ذلك القفص قابلا للاحتراق فاحترق فجأة وانتقل الحريق إلى الأقفاص الأخرى للقناديل ومن هناك سرت النار إلى حصير المخزن ثم إلى سقف المسجد الشريف وتركت المسجد فى ظرف ساعة فى حالة أليمة من شدة الحريق واللهيب، وأخبرت الإدارة الحكومية قبل أن تسرى النار إلى الأطراف فجاء أهل المدينة مع السادات والموظفين وبذلوا الجهود لإطفاء الحريق ولكن محاولاتهم ذهبت سدى فاحترق الحرم الشريف تماما ولم يمكن إخراج شئ من داخله.
ولم يصب الحريق المسجد النبوى وحده، إذ كان فى ذلك التاريخ فوق صندوق قبر النبى صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة قطعة غطاء بعضها فوق بعض ومصاحف شريفة وكتب نفيسة وأشياء ذهبية ثمينة فاحترقت كلها فظهرت عظمة الأنوار الإلهية كالشعلة الملتهبة.
وقد وقع هذا الحريق بعد نار الحجاز المنذرة وكان هذا الحريق إشارة إلى ما ارتكبه الخوارج فى داخل مدينة الرسول وسوء عاقبة الذين يتصرفون خارج الآداب الشرعية هؤلاء الخوارج الذين فصلت أحوالهم وجرمهم وعرفت فى الصورة العاشرة من الوجهة الثالثة وفى الصورة العاشرة من الوجهة الأولى، إذ
(1)
اشتغل هذا الشخص قيما فترة ما.
(2)
ادعى بعض المؤرخين أن هذا الحريق وقع فى عام 655 ولكن الحقيقة أنه وقع فى عام 654.
ظهر بعض الزنادقة عقب نار الحجاز المنذرة، كما فصل فى الصور المذكورة، وأحدثوا بدعا كثيرة خارج الأدب المشروع للشريعة الإسلامية.
وقد رأى أهل المدينة هذين البيتين قد كتبا عل جدران مسجد السعادة فملأهم خوفا ورهبة وخشية.
لم يحترق حرم النبى لحادث
…
يخشى عليه وما به من عار
لكنما أيدى الروافض لا مست
…
تلك الرسوم فطهّرت بالنار
إن البيتين اللذين رؤيا بعد الحريق على جدران مسجد السعادة يدلان على أن الروافض كانوا سببا فى الحريق بسلوكهم المشين إلا أن الأبيات الآتية التى ذكرت بعد الحريق ب 650 سنة توضح أسباب الحريق فى صورة أكثر وضوحا.
وكان يقضى أن الروافض هم الذين يتحملون عذاب تلك النار، فأفهمهم بطريقة ظريفة حكمة احتراق مسجد السعادة وقائل الأبيات محمد أبو الهدى الجالس على صدر ديوان الأدب وزينة مجمع البلغاء.
تجاوز فى المقام حدود شرع
…
أناس غافلون عن الإشاره
أراد الحق إعظاما لحقه
…
عقابهم فأرسل عز ناره
فقال بغيرة رب اهد قومى
…
فرد النار عنهم للحجاره
ولم يبق فى الحريق المذكور غير القبة
(1)
التى أمر بصنعها الناصر لدين الله لحفظ لوازم مسجد السعادة، فالصناديق التى كانت موجودة فى المخازن الموجودة فى خارج مسجد السعادة، وفى الجهات الأخرى من مسجد السعادة احترقت كلها.
وكانت القبة التى بناها الناصر لدين الله فى وسط المسجد وكان فى داخل القبة المصحف الشريف العثمانى، وبعض الصناديق الكبيرة التى صنعت فى السنة الثلاثمائة من الهجرة فنجت النصاديق المذكورة من النار بحرمة المصحف الشريف الذى كتبه حضرة عثمان بيده، وبعد أن انطفأت النار تماما كانت الأعمدة التى ظلت فى الساحة تهتز كأنها أشجار النخيل وتتمايل على جهتين وقد ذاب الرصاص الذى فيها وأخذت تسقط على الأرض واحدة تلو الأخرى.
وكان بين هذه الأعمدة أعمدة لم يذب رصاصها ولم تقع إلا أنها تأثرت من صدمة وقوع الأعمدة الأخرى وأخذت تسقط واحدا تلو الآخر ولم يبق عمود يمسك سقف المسجد الشريف فوقع سقف المسجد الشريف فوق الحجرة المعطرة كما أن سقف الحجرة المعطرة وقع على مرقد النبى الجليل، وفى اليوم الثانى نظف من ساحة المسجد الشريف المحترق ما يستوعب عدد مصلى صلاة الجمعة وأبلغ الأمر إلى المستعصم بالله بن المنتصر بالله البغدادى وبعثوا المحضر العمومى الذى كتبه الأهالى راجين من الخليفة سرعة تعمير المسجد.
وبعثت الأشياء اللازمة من قبل المستعصم من بغداد مع قافلة حجاج بغداد مع الأمر بسرعة الشروع فى تجديد البناء فبدئ فى إجراء عمليات البناء وفكروا فى تجديد حجرة السعادة أولا ورفع الردم الذى وقع فوق القبور الشريفة وتطهير
(1)
وقد عمرت هذه القبة سنة 576 وأطلق عليها اسم قبة الشمع، فهدمها السلطان عبد المجيد وأضاف ساحتها لساحة حرم السعادة الرملية فى سنة 1277 هـ.
داخل الحجرة المعطرة قدر الإمكان وفعلا فهذا ما كان يجب عمله، ولأن سقف الحجرة المعطرة كان قد احترق ووقعت الحجارة والتراب وما يشبههما فوق القبور الشريفة، ولكن مهابة القبور الشريفة والرهبة منها حالت دون ذلك، فلم يتجرءوا عل تنفيذ ذلك؛ ومن هنا اجتمع مجلس شورى برئاسة والى المدينة منيف بن شيخة بن هاشم بن قاسم بن مهنى الحسينى وقرر فى هذا المجلس بموافقة أكابر المدينة كتابة عريضة وإرسالها إلى بغداد لتبليغ الأمر إلى الخليفة ولما كان ذلك فى أثناء استيلاء التتار على بغداد لم يأخذوا أى رد فتركوا مسجد السعادة على حالته تلك.
لما كان الضمير لن يقبل ترك مسجد السعادة فى حالة خراب كما أن ورود الإذن بخصوص تعمير المسجد قد تأخر كثيرا فعمر ورمم سادات المدينة وعلماؤها وأعيانها جهات الحجرة المعطرة الثلاث تاركين الجهة الشامية، وفهموا أن الحكومة البغدادية وموظفيها لن يستطيعوا تعمير مسجد السعادة لما ابتلوا بهجوم التتار فى المحرم الحرام من سنة 656 هـ،فراجعوا ملوك المسلمين الآخرين فى الأطراف، وكانت تعميرات الأهالى لحجرة السعادة مقتصرة على تغطيتها فقط،وقد بدئ فى هذا التعمير سنة 655 هـ فصنعوا غطاء من قماش يسمى محايس يمنية وغطوا فوقها، وكانت بطانة هذا الغطاء من قماش أزرق وكانت الستارة أربع قطع وكانت كل قطعة على شكل باب فضموا بعضها ببعض وألصقوها بلوحة خشبية مصنوعة من خشب يسمى الساج الهندى ولم تكن فى هذه اللوحة زينات ونقوش وكان اسم عاملها محكوكا عليها.
إن أول من استجاب لطلبات الأهالى لتجديد المسجد الشريف صاحب مصر المنصور نور الدين على بن الملك المعز عز الدين أيبك الصالحى وأرسل الأشياء اللازمة للبناء، ثم وصلت اللوازم التى أرسلها صاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف بن المنصور بن عمر بن رسول فقرر بناء مسجد السعادة من جديد وشرع فى العمل بناء على أمر صاحب مصر وإشعاره وبعد أن بنيت الجهة القبلية
إلى باب السلام تولى ملك مصر المظفر سيف الدين محمود بن ممدود خوارزم شاه، بدلا من منصور نور الدين على مظفر بن الملك عز الدين أيبك الصالحى للتعطيل، وبذل سيف الذين المعزى أيضا لإعمار مسجد السعادة جهده، فبنى الجهة الشرقية من باب السلام إلى باب الرحمة والجهة الغربية من باب جبريل إلى باب النساء فى صورة متينة، إلا أنه مات فى نهاية السنة المذكورة مقتولا فتعرضت مبانى الحرم الشريف للتعطيل ثانية.
وتولى حكم مصر والشام بعد سيف الدين الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحى البندقدارى، ولما كان يرجو أن يكمل بناء مسجد السعادة عيّن جمال الدين محسن الصالحى من رجالات مصر لأمانة البناء وأرسله إلى المدينة المنورة فى رفقة ثلاثمائة وخمسون نفر من العمال المهرة كما دبر له المال اللازم والأشياء الأخرى وأرسلها إلى جمال الدين محسن دون تأخير.
عندما وصل جمال الدين إلى دار الهجرة بنى المسجد الشريف للمرة الثانية من باب الرحمة إلى باب النساء وجعل للجهات الغربية والشرقية والقبلية سقفين لطيفين فأعاد أبنية المسجد لحالتها الأولى.
وظل مسجد السعادة تسعة وأربعين عاما إلى أوائل عصر الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحى على هيئة بناء الظاهر ركن الدين، وفى سنتى 705، 706 هـ هدم محمد بن قلاوون الصالحى السقوف التى على يمين جهة الساحة الرملية ويسارها وجددها بأن جعلها سقفا واحدا
(1)
مثل الجهة الشمالية وبعد 23 سنة أضاف عقدين إلى الجهة القبلية فوسع المسجد الشريف قليلا ورمم الجهات التى فى حاجة إلى التعمير وجعلها فى غاية المتانة وذلك فى سنة 729 هـ ولكن العقدين اللذين أقامهما محمد بن قلاوون لحق بهما البلى ولم يعودا صالحين وخيف من سقوطهما بغتة فيكون ذلك سببا فى هلاك الناس وهذا ما أزعج الناس وأقلقهم، ولما عرف الأمر الملك الأشرف برسباى بعث أمين البناء مقبل
(1)
كانت الجهة الشمالية لمسجد السعادة وجهاته الأخرى مبنية بسقفين.
القائد وأعطى له مقدارا من النقود التى حصل عليها من حوالى جزيرة قبرص فجدد العقدين المذكورين كما جدد الأماكن التى فى حاجة إلى التجديد فى السقف الشمالى، وذلك فى سنة 837 هـ.
ولما لزم تعمير بعض أماكن المسجد الشريف بعد 22 عاما بعث الظاهر جقمق المصرى فى سنة 853 هـ المهندس أمير برد لتجديد سقوف الروضة المطهرة وسقوف الأماكن الأخرى المباركة كما أن الأشرف قايتباى جدد فى سنة 879 بعلم شمس بن زمن بعض أماكن السقف الشرقى بعد هدمها إلى المئذنة الشرقية.
وجدد شمس بن زمن بعد سنتين سقف الجهة القبلية وبدل قبة الحجرة المعطرة
(1)
بقبة حجرية وهكذا رصن حجرة السعادة.
ولكن عندما ضاقت جهة مسجد السعادة الشرقية كثيرا أضاف إليها من الخارج ذراعين وربع ذراع فوسع حرم السعادة كما أن هذا الجدار قد سحب إلى الخارج عند التعمير الأخير أى فى عصر السلطان عبد المجيد قدر خمسة أذرع ولم يكن لذلك الوقت قبة فوق الحجرة المعطرة فكان بناء عمر بن عبد العزيز متصلا بسقف مسجد السعادة على شكل سقف مستو ولكى ينفصل عن سقف المسجد الحرام أقيمت حظيرة من الآجر بارتفاع ذراعين، وحوّل الملك المظفر هذه الحظيرة إلى قبلة مثمنة فى أعلاها ومربعة فى أسفلها، وغلفها من أعلاها بألواح خشبية وغلف الألواح الخشبية بألواح رصاصية ثم غطاها بستارة من المشمع.
وفى سنة 756 جدد تلك القبة المذكورة الملك الناصر حسن بن محمد قلاوون وجددها مرة أخرى بعد اثنتى عشرة سنة إلا أنها حولت فى سنة 886 هـ إلى قبة حجرية فى عهد الأشرف قايتباى المصرى.
(1)
وقد قدر الأهالى هذه القبة فى ذلك الوقت وسموها القبة الزرقاء.