الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* [راجع ترجمة: محمد بن عبد الله بن الحسن]
4627 - أبو الزِّنْبَاع:
صدقة بنُ صالح، ترجمه ابن أبي حاتم (2/ 1/ 428)، ونقل عن ابن معين أنه قال:"ثقة". الصمت / 247 ح 504
4628 - أبو الشِّمَال: [
ابن ضِبَاب. عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه؛ وعنه مكحول الشامي] مجهول كما قال الحافظ. وقال أبو زرعة: أبو الشمال لا يعرف إلا بهذا الحديث. وقال الثوري في "المجموع"(1/ 274):. . مجهول. . بذل الإحسان 1/ 101
4629 - أبو الشيخ الأصبهاني: [
عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان. حافظ أصبهان. سمع من أبي بكر البزار]. مسند سعد / 13 - 15
4630 - أبو الصلت الهروي:
هو عبد السلام بنُ صالح، راوي حديث "أنا مدينه العلم وعلىٌّ بابُها". قال النسائي:"ليس بثقه". وقال أبو حاتم: "لم يكن عندي بصدوق". وخطَّ أبو زرعة الرازي على حديثه. ومع هذا فقال ابنُ محزر: سألتُ ابنَ معين عن أبي الصلت، فقال:"ليس ممن يكذب". وقال عباس: سمعتُ ابنَ معين يُوَثِّقُ أبا الصلت. فذُكر له حديث: "أنا مدينة العلم"، فقال:"قد حدَّثَ به محمد بن جعفر الفيدي عن أبي معاوية". فعلّق الحافظ الذهبي على هذا بقوله في "سير أعلام النبلاء"(11/ 447): "قلتُ: جُبِلَت القلوب على حب مَنْ أحسن إليها، وكان هذا بارًا بيحيى و. . ونحن نسمع من يحيى دائمًا ونحتج بقوله في الرجال، ما لم يتبرهن لنا وهن رجل انفرد بتقويته أو قوة من وهاه" اهـ. ويرى الشيخ المعلمي أنَّ أبا الصلت كان رجلًا داهية، وأنه تجمل لابن معين حتى أحسن الظن به. وما ذلك ببعيد. جُنَّةُ المُرتَاب / 67 - 68
* وهذا سندٌ ضعيفٌ جدًّا؛ وأبو الصَّلت هو: عبد السَّلام بن صالحٍ الهَرَوِيُّ: تالفٌ. لكنَّهُ لم يتفرَّد به. . الفتاوى الحديثية / ج 1/ رقم 44/ ربيع آخر / 1417
* نعم، فقد تناولوا أبا الصلت شديدًا، ومنهم من كذبه، وتوثيق ابن معين له لا ينفعه.
* قال الشيخ العلامة ذهبي العصر المعلمي اليماني في تعليقه على "الفوائد المجموعة"(293) للشوكاني: "وأبو الصلت فيما يظهر لي كان داهية، من جهة خدم عليّ الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب وتظاهر بالتشيع، ورواية الأخبار التي تدخل التشيع، ومن جهة كان وجيهًا عند بني العباس، ومن جهة تقرب إلى أهل السنة بردة على الجهمية، واستطاع أن يتجمل لابن معين حتى وثقه، وأحسن الظن به، وأحسبه كان مخلصًا لبني العباس، وتظاهر بالتشيع لأهل البيت مكرًا منه لكي يصدق فيما يرويه عنهم، فروى عن عليّ بن موسى عن آبائه الموضوعات الفاحشة، كما ترى بعضها في ترجمه عليّ بن موسى من "التهذيب"، وغرضه من ذلك حط درجة عليّ بن موسى وأهل بيته عند الناس، وأتعجب من الحافظ ابن حجر: يذكر في ترجمة عليّ بن موسى من "التهذيب" تلك البلايا وأنه تفرد بها عنه أبو الصلت، ثم يقول في ترجمة عليّ من "التقريب": "صدوق والخلل ممن روى عنه" والذي روى عنه هو أبو الصلت. ومع ذلك يقول في ترجمة أبي الصلت من "التقريب": "صدوق له مناكير وكان يتشيع. وأفرط العقيلي فقال: كذاب". ولم ينفرد العقيلي فقد قال أبو حاتم: "لم يكن بصدوق". وقال ابن عدي: "له أحاديث مناكير في فضل أهل البيت، وهو متهم فيها". وقال الدارقطني:"روى حديث: الإيمان إقرار القلب. وهو متهم بوضعه". وقال محمد بن طاهر: "كذّاب". جُنَّة المُرتَاب / 25 - 26؛ الفتاوى الحديثية / ج 1/ رقم 59/ رجب / 1417
* قلتُ: هذا كلام الشيخ العلامة ذهبي العصر، يرحمه الله، وبه أقول وتوثيق ابن معين لأبي الصلت يدفعه أكثر من وجه وانظر لذلك: "فصل الخطاب
بنقد المغني عن الحفظ والكتاب"، وهو مختصر من الكتاب. ولكن أبا الصلت لم يتفرد به. جُنَّةُ المُرتَاب / 25 - 26
* أبو الصلت الهروي: تالفٌ. تنبيه 2/ رقم 568؛ التسلية / رقم 71
* وهذا سندٌ ضعيفٌ جدًا، وعبد السلام بنُ صالح هو أبو الصلت الهروي، تالف البتة. وتوثيق ابن معين له مردود في مقابل الجرح المفسر الصادر من سائر الأئمة، فقد كذبه بعضهم، وتركه آخرون، حتى قال الجوزجاني:"هو أكذب من روث حمار الدجال"، وكذبه العقيليُّ، وقال أبو حاتم الرازي:"لم يكن عندي بصدوق"، وهكذا يلتقي مع حكم العقيلي، والكلام فيه طويل الذيل. .
* نقل المناوي في "فيض القدير"(5/ 356)، عن العلائي، قال:"حديثٌ منكر تفرد به عبد السلام بن صالح العابد، قال النسائي: متروكٌ. وقال ابنُ عدي: "مجمعٌ على ضعفه. . " اهـ. مجلة التوحيد / رجب / سنة 1417
[أبو الصلت الهروي عند أبي الفيض الغماري]
* وبَعدَ كتابة ما تقدَّم بأربعةَ عشَرَ عامًا، وقفتُ على كتاب "المُداوِي لعِلَل الجَامِع الصَّغير وشَرحَي المُناوِي" لأبي الفَيضِ الغُمَارِيِّ -وهو ممَّا طُبع حديثًا- فوجدتُهُ يرُدُّ على المُناوِيِّ إعلالَهُ الحديثَ بعبد السلام بنِ صالحٍ العابِدِ، فقال (5/ 331):"ثمَّ إنَّ عبد السَّلام بنَ صالحٍ ليس هو علَّةُ الحديث، ولا هُو مُجمَعٌ على ضَعفِه، بل وَثَّقَهُ إمامُ أهل الفَنِّ وغيرُهُ، ومَن تَكلَّم فيه إِنَّما تكلَّمَ لأَجلِ التَّشَيُّعِ، على عادَتِهم مع شِيعَة أهلِ البَيتِ" انتهَي.
* وقال في موضعٍ آخَرَ من" المُداوِي"(1/ 207) بعد أن ذَكَر قولَ ابنِ حِبَّان فيه: "يَروِي في فَضَائِلِ عليِّ العَجَائِبَ. لا يُحتَجُّ به إذا انفرد"، فقال الغُمارِيُّ:"وهذا الرَّجُلُ ممَّن ظَلَمَهُ أهلُ الجَرح والتَّعديل، لأجل تَشَيُّعِهِ لأهل البَيت، وقد وثَّقهُ أهلُ التحقيق منهم كما بيَّنتُهُ في فتح المَلِك العَليِّ" انتهي.
* قلتُ: فرَجَعتُ إلى" فتح المَلِك العَلِيِّ "فوجَدتُهُ يقُولُ بعد كلامٍ (ص 9 - وما بعدَهَا): "فلم يَبقَ محلا للنَّظَر إلا أبو الصَّلت وعليه يدُورُ مِحوَرُ الكلام على هذا الحديث وهو عدلٌ ثقةٌ صدوقٌ مرضِيٌّ معروفٌ بطَلَب الحديثِ والاعتناء به رَحَل في طَلَبِه إلى البَصرَة والكُوفَة والحِجازِ واليَمَنِ والعِراقِ، ودَخَل بغدادَ فحدَّثَ بها. رَوَى عنهُ أحمدُ بنُ منصُورٍ الرَّمَادِيُّ الحافظُ صاحبُ المُسنَد"، وذَكَرَ آخَرين، ثُمَّ نَقَل توثيقَ ابنِ مَعِينٍ وأبي سعيدٍ الهَرَوِيِّ وأبي داوُد، واستدلَّ بأنَّه ثقةٌ عند عبد الله بنِ أحمدَ بن حَنبلٍ وأَبيهِ بأنَّ أحمدَ ما كانَ يأذَنُ لابنِهِ أن يَروِيَ عن أحدٍ إلا إذا كان ثِقَةً عِندَهُ، ثُمَّ قال: "إِنَّهم صَحَّحُوا لرِجَالٍ تُكُلِّم فيهم بأشَدَّ ممَّا تُكُلِّم به في عبد السَّلام بنِ صالحٍ، ورُمُوْا بأَسوَأَ ممَّا رُمِي به من الكَذِب وسُوءِ العَقِيدَةِ، ممَّا يَجِبُ معه أن يكُونَ حديثُهُ أصحَّ من حديثِهِم، فقَد صَحَّحُوا لرِجَالٍ كذَّابِينَ مُتَّهَمِين بالوضع، وفيهم مَن أقرَّ على نفسة بذلك. .
* فصحَّحَ البُخارِيُّ ومُسلِمٌ لإسماعيلَ بنِ أبي أوَيسٍ. .
قال أحمدُ بن أبي يحيىَ عن ابنِ مَعينِ: "يَسرِقُ الحديثَ". وقال إِبراهيمُ بن الجُنَيدِ عن ابنِ مَعِينٍ: "يَخلِطُ ويَكذِبُ. ليس بشَيءٍ". وقال النَّسائِيُّ: "ضعيفٌ" وقال فيه موضعٍ آخرَ: "غيرُ ثقةٍ"، ولم يُخرِّج له. وقال ابن مَعِينٍ:"رَوَى عن خالِهِ -يعني مالكًا- أحاديثَ غَرائبَ لا يُتابِعُه عليها اْحدٌ". وقال النَّضرُ بنُ سَلَمةَ المَروَزِيُّ: "كَذَّابٌ، كان يُحَدِّثُ عن مالكٍ بمسائلَ ابنِ وهبٍ". وذَكَرَهُ العُقَيليُّ في "الضُّعَفاء"، ونقل عن ابنِ مَعِينٍ أنَّه قال:"لا يَسوِي فِلسَينِ". وقال الأَزدِيُّ: "حدَّثنا سَيفُ بنُ مُحمَّدٍ، أنَّ ابنَ أبي أُوَيسٍ كان يَضَعُ الحديث". وقال سَلَمَةُ بن شَبيبٍ: "سمعتُ إسماعيلَ بنَ أبي أُوَيسٍ يقول: رُبَّما كنتُ أَضَعُ الحديثَ لأهل المَدِينَةِ إذا اختَلَفُوا في شيءٍ فيما بَينَهُم".
* وصحَّحَ البُخارِيُّ لأُسَيد بن زيدِ الجَمَّالِ. .
قال ابنُ مَعِينٍ: "كذَّابٌ. أتَيتُه ببغدادَ فسمِعتُه يُحدِّثُ بأحاديثَ كَذِبٍ". وقال النَّسائِيُّ: "مترُوكٌ". وقال ابنُ حِبَّان: يَروِي عن الثِّقات المناكيرَ، ويَسرِقُ الحديثَ". وقال ابنُ عَدِيٍّ:"يتبيَّنُ على روايَتِه الضَّعفُ، وعامَّةُ ما يَروِيهِ لا يُتابَعُ عليه". وقال أبو حاتِمٍ:، يتكلَّمُون فيه". وقال الدَّارقُطنيُّ:"ضعيفُ الحديث". وقال ابن مَاكُولا: "ضَعَّفوه". وقال الخطيبُ: "كان غيرَ مَرضِيٍّ في الرِّواية". وقال البَزَّارُ: "حدَّث بأحاديثَ لم يُتابَع عليها، وقد احتُمِل حديثُهُ مع شيعَةٍ شديدةٍ فيه". وقال السَّاجِيُّ: "سمعتُ أحمدَ بن يحيىَ الصّوفِيَّ يُحدِّثُ عنه بمناكيرَ".
* وصحَّح البُخاريُّ للحَسَن بنِ مُدرِكٍ السُّدُوسِيِّ. .
قال فيه أبو داوُد: "كذَّابٌ، كان يأخُذُ أحاديثَ فهدِ بن عَوفٍ فيُلقِيها علي يَحيىَ بنِ حمَّادٍ".
* وصحَّحَ البُخارِيُّ ومُسلِمٌ لأحمدَ بنِ عيسى بن حسَّانَ المِصرِيِّ. .
قال أبو داوُد: "كان ابنُ مَعِينٍ يَحلِفُ أنَّه كذَابٌ". وقال أبو حاتِمٍ: "تكلَّم النَّاسُ فيه". وقال سعيدُ بن عمرو البَرذَعِيُّ: "أَنكَرَ أبو زُرعةَ على مُسلِمٍ روايتَهُ عنه في "الصحيح"، وقال: ما رأيتُ أهلَ مِصرَ يَشُكُّونَ في أنَّه- وأشار إلى لسانه، يعني أنَّه يَكذِبُ".
* وصحَّح البُخارِيُّ للحَسَنِ بنِ ذَكوانَ. .
قال ابنُ مَعينٍ: "صاحبُ الأَوَابِد. مُنكَرُ الحديث". وقال أحمدُ بنُ حنبلٍ: "أحاديثُهُ أباطيلُ". وضعَّفَهُ أبو حاتِمٍ والنَسائِيُّ وابنُ المَدِينيِّ والسَّاجِيُّ، وآخَرُون.
* وصحَّح أيضًا لنُعيمِ بنِ حمَّادٍ. .
قال الدُّولابِيُّ: "كان يَضَعُ الحديثَ". وقال الأَزدِيُّ: "قالوا كان يَضَعُ الحديثَ في تقوية السُّنَّة". وحَكَمَ ابنُ الجَوزِيِّ بوضَعِ أحاديثَ كثيرةٍ أعلَّهَا
بنُعيمٍ، ويكاد يَجزِمُ من يعتبر حديثه بذلك لكَثرَةِ ما فيه من المناكير. وقد قال الحاْفظُ السِّيوطِيُّ في "ذيل الموضُوعاتِ":"أَتعَبَنَا نُعَيمُ بنُ حمَّادٍ من كَثرَة ما يأتي بهذه الطَّامَّاتِ".
* وصحَّح أيضًا لعِكرِمَةَ مولى ابنِ عبَّاسٍ. .
وقد كذَبَهُ جماعة من الأئمَّةِ، وبيَّنوا أدِلَّةَ ذلك، بل نُقِل عنه الاعترافُ بالكذبِ في مسألةٍ أو مَسأَلَتَين، هذا مع البِدعَةِ الشَّدِيدَة التي كانت فيه.
* وصحَّحَ مُسلِمٌ لأفلحَ بنِ سعيدٍ. .
اتَّهَمَهُ ابنُ حِبَّان بالوَضعِ، بل بوَضِع الحديثِ الذي أخرَجَهُ مُسلِمٌ عنه.
* وصحَّح أيضًا لقَطَنِ بنِ نُسَيرٍ. .
قال ابنُ عَدِيٍّ: "يَسرِقُ الأحاديثَ". واتَّهَمَه أبو زُرعَة والقَوَارِيرِيُّ وابنُ عَدِيٍّ بوضع حديثٍ.
* وصحَّحَ البُخارِيُّ لحَرِيزِ بنِ عُثمانَ. .
وقد وَصَلَ في البِدعَةِ إلى حَدٍّ مُفَسِّقٍ بالإجماعِ أو مُكَفِّرٍ على رأى البَعضِ.
* وكذلك صحَّح لعِمرَانَ بنِ حِطَّان، وهو مِثلُه.
* وصحَّحَ مالكٌ ومُسلِمٌ لعبدِ الكَريم بنِ أبي المُخارِقِ. .
وهو مُجمَعٌ علي ضَعفِه كما قال ابنُ عبدِ البَرِّ وغيرُه.
* وصحَّحَ الإمامُ الشَّافِعِي لإبراهيمَ بنِ أبي يحيَى. .
وقال غيرُهُ: "إنَّه كذَّابٌ". وقال أحمدُ: "تَرَكُوا حديثَهُ، قَدَرِيٌّ مُعتَزلِيّ، يَروِي أحاديثَ ليس لها أَصلٌ". وقال البُخارِيُّ: "ترَكَهُ ابنُ المُبارَك والنَّاسُ". وقال عبَّاسٌ عن ابنِ مَعِينٍ: "كذَّابٌ رَافِضِيٌّ". وقال ابنُ المَدِيني: "كذَّابٌ، وكان يقُولُ بالقَدَر". "وقال النَّسَائيُّ والدَّارَقُطنيُّ وجماعَة: "مترُوكٌ". وأطلق النسائيُّ أنَّهُ كان
يضَعُ الحديثَ. وقال إبراهيمُ بنُ سعدٍ: "كُنَّا نُسَمِّيه وهو يَطلُب الحديث: خُرافةً". وقال مُحمَّد بنُ سُحنُونَ: "لا أعلَمُ بين الأَئِمَة اختلافًا في إِبطال الحُجَّة به"، ومَعَ هذا كُلِّه قال الحافظُ في "التَّلخيص":"كم من أصلٍ أصَّلَه الشَّافعيُّ لا يُوجَدُ إلا من رواية إبراهيم" ا. هـ.
* فأين ما قيل في عبد السَّلام بنِ صالحٍ ممَّا قيل في هؤُلاء؟ فإنَّ جَرحَهُ لا يُذكَرُ بالنِّسبة لجَرحِهم، ومَعَ ذلك حَكَمُوا بصِحَّة أحادِيثِهم، وذلك يُوجِبُ أن يَكُونَ حديثُهُ أصحَّ وأرفَعَ بدرجاتٍ من أحاديثهم "انتهَى كلامُهُ.
* قلت: وهذا الكلامُ عليه مُؤاخَذاتٌ كثيرة، استوفَيتُ النَّظَر فيها في "الزَّنَدُ الوَارِي في الرَّد على الغُمارِي"، فأنا أَنقُل هنا خُلاصة الرَّدِّ عليه، لتعرِفَ ما ارتَكَبَهُ الغمارِيُّ من المُجازَفة وقِلَّةِ الإنصاف.
* أمَّا كلامُهُ في أبي الصَّلتِ وأنَّه ثقةٌ صدوقٌ عدلٌ رِضًى فهاك كلامُ العُلماء فيه. .
* قال يحىَ بنُ مَعِينٍ: "ثقةٌ صدُوقٌ، إلا أنَّه يتشيَّعُ"، وسُئل عن حديثِهِ الذي يرويه عن أبي مُعاوِيَة، عن الأَعمَش، عن مُجاهدٍ، عن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا:"أنا مَدِينَةُ العِلمِ وعليٌّ بابُها، فمَن أرادَ العِلمَ فلْيَأتِ بَابَهُ"، قال القاسمُ بنُ عبد الرَّحمن الأَنبَارِيُّ: سألتُ يحيَى بنَ مَعِينٍ عن هذا الحديثِ، فقال:"هو صحيحٌ". قال الخطيبُ في "تاريخ بغداد"(11/ 50): "أراد أنَّهُ صحيحٌ مِن حديث أبي مُعاوِيَة، وليس بباطلٍ، إذ قَد رواه غيرُ واحدٍ عنه".
* وقال إبراهيمُ بنُ عبد الله بنِ الجُنيْد: سألتُ يحيى بنَ مَعِينِ عن أبي الصَّلت الهَرَوِيِّ، فقال:"قد سمعَ، وما أعرِفُه بالكَذِب"، قلتُ:"فحديث الأعمش عن مُجاهِدٍ، عن ابن عبَّاسٍ؟ "، فقال:"ما سمعتُ به قطُّ، وما بلغني إلا عنه".
* وقال مرَّةً أخرَى: سمعتُ يحيَى وذَكَرَ أبا الصَّلتَ الهَروِيَّ، فقال: "لم يَكُن
أبو الصَّلت عندنا من أهل الكَذِب، وهذه الأحاديثُ التي يرويها ما نعرِفُها".
* وقال عبد الخالق بنُ منصُورٍ: سألتُ يحيَى بنَ مَعِينٍ عن أبي الصَّلتِ، فقال:"ما أعرفُهُ"، فقلتُ:"إنَّه يَروِي حديثَ الأعمشِ، عن مُجاهِدٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ: أنا مَدِينةُ العِلمِ وعليٌّ بابُها"، فقال:"ما هذا الحديثُ بشيءٍ".
* قال الخطيبُ: "أحسِبُ عبد الخَالِق سألَ يحيى عن حالِ أبي الصَّلتِ قدِيمًا، ولم يَكُن يحيى إذ ذاك يَعرِفُه ثُمَّ عَرَفه بعدُ، فأجاب إبراهيمَ بنَ الجُنَيد عن حالِهِ. وأمَّا حديثُ الأعمش فإنَّ أبا الصَّلتِ كان يروِيهِ عنه، فأنكَرَهُ أحمدُ بن حنبَلٍ ويحيى بنُ مَعِينٍ من حديثِ أبي مُعاوِية، ثمَّ بَحَثَ يحيَى عنه فوجد غيرَ أبي الصَّلتِ قد رواه عن أبي مُعاوية".
* قلتُ: فهذا توثيقُ ابنِ معينٍ، ومع توثيقِهِ فقد رَدَّ الحديثَ ووهَّاه.
* أمَّا توثيقُهُ. .
* فقد ردَّهُ الذَّهبيُّ في "السِّيَر"(11/ 447) بقوله: "جُبِلَت القُلوبُ على حُبِّ من أحسَن إليها، وكان هذا بارًّا بيحيى، ونحن نَسمَعُ مِن يحيى دائمًا ونحتجُّ بقوله في الرِّجال ما لم يتبرهَن لنا وَهَنُ رجلٍ انفَرَد بتقوِيَتِهِ، أو قُوَّةُ من وهَّاهُ" انتهَى.
* فبيَّن لنا الذَّهبيُّ العلَّةَ في توثيق ابن مَعِينٍ -مع تشدُّدِه- لأبي الصَّلتِ، وهي إحسانهُ إلى يحيى، وحُسنُ ظَنِّ يحيى فيه، لا سيَّما وكان أبو الصَّلتِ موصُوفًا بالزُّهد والعِبادة، وابنُ مَعِينٍ في نهاية الأمرِ بَشَرٌ ولا ندَّعِي أنَّه حابَى أبا الصَّلتِ، ولكنَّه أحسَنَ الظَّنَ به. وكأنَ الذَّهبيَّ أراد أن يَدفَع دعوَى المُحابَاةِ بآخِر كلامِهِ، فيقُولُ:"نحنُ نَسمَعُ من يحيى، ونتَّبعُ كلامَه في الرُّواة، إلا أن يَظهَرَ لنا أنَّ يحيى خُدِع فيه"، وهذا حقٌّ، فقد يَخفَى أمرُ الرَّاوي السَّاقِطِ على النَّاقدِ الفَطِنِ من
أمثال ابنِ مَعِينٍ، كما حدَثَ له مع مُحمَّدِ بنِ القَاسِم الأَسَدِيِّ، فقد سُئل عنه ابنُ مَعِينٍ، فقال:"ثقهٌ، وقد كَتبتُ عنه"، مع أنَّ سائرَ العُلماء ما بَينَ مُكذِّبٍ له، وتاركٍ. وكذلك مُحمَّدُ بنُ حُمَيدٍ الرَّازِيُّ، وثَّقَه أحمدُ وابن مَعِينٍ، وأسقَطَهُ سائرُ عُلماءِ الرَّيِّ، وهُم من أهل بلده، وهم أَعلَمُ به، وقد قال أبو عليٍّ النَّيسابورِيُّ لابن خُزَيمَة:"لو حدَّث الأستاذُ عن مُحمَّدِ بنِ حُميدٍ فإنَّ أحمدَ وابنَ مَعينٍ أحسنا الثَّناء عليه؟ "، فقال ابنُ خُزَيمَة:"إنَّهما لم يعرفاه كما عَرَفناه، ولو عرَفا ما عرَفناه لم يُحدِّثا عنه"، وقد ثبت رُجُوعُ أحمدَ ويحيى عن هذا التَّوثيق بعدُ.
* فليس بغريبٍ أن يَخفَى أمرُ بعض الرُّواة المجرُوحين على بعض النُّقَّاد، حتَّى ولو كان في منزلة ابنِ مَعِينٍ.
* أمَّا زعمُ الغُماريِّ أنَّ أحمدَ وابنَه عبد الله وثَّقَاهُ، فإنَّه بَنَى هذا على نُصوصٍ وَرَدت أنَّ عبد الله بنَ أحمدَ لم يَكُن يكتُبُ عن رجُلٍ إلا إذا رَضيَهُ أبوه، ولن يَرضَى أحمدُ بداهةً إلا عن رجُلٍ ثقةٍ.
فالجوابُ من وَجهَين. .
* الأوَّل: أنَّ هذه النُّصوص التي أورَدَها الحافظ في "تعجيل المَنفَعة" من أنَّ عبد الله بنَ أحمد لم يَكُن يكتُبُ عن رجُلٍ إلا بإذن أبِيه ورضاهُ، فإنَّما ذلك بسبَبِ فِتنَةِ خَلقِ القُرآن، وأنَّ أحمدَ لم يكُن يُحدِّث عن رجلٍ تلبَّس بهذه الفِتنةِ وأجاب فيها، حتَّى ولو كان من أَجَلِّ الثِّقات، ومَوقِفُه من عليِّ بنِ المَديني وابنِ مَعِينٍ وغيرِهمَا معروفٌ. فالأمرُ لا يتعلقُ إذن بثقة الرَّاوي من عدمه، بل إنَّ الإمامَ أحمدَ رَوَى عن بعض المَترُوكِين مثلِ عامر بن صالح، ومُحمَّدِ بنِ القاسِمِ الأَسَدِيّ، وعُمَرَ بنِ هارُونَ البَلْخِيِّ، ورَوَى عن ضُعَفاءَ ومجاهِيلَ، فكيف يَسَعُهُ أن يَروِي عن هؤُلاء ولا يَسَعُ عبد الله بنَ أحمدَ أن يروِي عن نَظَائِرهم.
* الوجه الثَّاني:
* أنَّ أحمد ضَعَّف أبا الصَّلتِ الهَرَوِيَّ نَصًّا، ونصَّ على هذا الحديثِ خُصُوصًا وأنَّه مُنكَرٌ. .
* قال أبو بَكرٍ المَروَزِيُّ: سُئِل أبو عبد الله عن أبي الصَّلتِ، فقال:"رَوَى أحاديثَ مناكيرَ"، قيل له:"رَوَى حديثَ مُجاهِدٍ، عن علي: أنا مدينةُ العِلمِ، وعليٌّ بابُها"، قال:"ما سَمِعنا بهذا"، قِيل له:"هذا الذي يُنكَر عليه؟ "، قال:"غيرُ هذا، أمَّا هذا فما سمِعنا به، روَى عن عبد الرَّزَّاق واحدًا لا نعرِفُها ولم نسمَعها"، قيل لأبي عبد الله:"قد كان عند عبد الرَّزَّاق مِن هذه الأحاديثِ الرَّديئة؟ "، قال:"لم أسمع منها شيئًا". فهذا كلامُ أحمَدَ.
* أمَّا كلامُ عبد الله بنِ أحمد في أبي الصَّلتِ، فقد قال العُقَيليُّ في "الضُّعَفاء" (3/ 70 - 71):"حدَّثني عبد الله بنُ أحمدَ بنِ حنبلٍ، قال: حدَّثَنا عبد السلام بنُ صالحٍ أبو الصَّلتِ الهَرَوِيُّ، قال. حدَّثَنا شريكٌ، عن سِماكٍ، عن عِكرِمة، عن ابن عبِّاسٍ، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خَرَج العبدُ من دار الشِّرك قبلَ سَيِّدِه فهو حُرٌّ، وإن خَرَج بعد سَيّده رُدَّ إليه. وإذا خَرَجت المرأةُ قبل زَوجِها تزوَّجت مَن شاءت، وإن خَرَجت من بعدِهِ رُدَّت إليه".
* قال عبد الله بنُ أحمدَ: قال لنا عبد السَّلام بنُ صالحٍ: قال لي عليُّ بن حكيمٍ: أنا سمعتُهُ من شريكٍ هكذا.
* قال عبد الله بنُ أحمدَ: ولم نَرَ هذا عند عليِّ بنِ حكيمٍ، ولا عند غيرِهِ، ولا نحفَظُه من حديثِ شريكٍ. وأبو الصَّلتِ غيرُ مُستقيمِ الأَمرِ".
* أما توثيقُ أبي داوُد له، فقد نَقَل الحافظُ في "تهذيبه" (6/ 322) قال:"قال الآجُرِّيُّ، عن أبي داوُد: كان ضابطًا، ورأيتُ ابنَ مَعينٍ عنده"، فهذا النَّقلُ سَبقُ نَظَرٍ أو قَلَمٍ من الحافظ، إنَّما قال أبو داوُد هذا في عبد السَّلام بنِ مُطَهَّرٍ أبي ظَفَرٍ،
وهو موجُودٌ في "سُؤالات الآجُرِّيِّ لأبي داوُد"(رقم 1350)، وذَكَر فيه أيضًا (804) قال:"سمعتُ أبا داوُد يقول: رأيتُ يحيَى بن مَعِينٍ يكتبُ عند أبي ظَفَرٍ، يكتُبُ عنه عن رجُلٍ، عن أبي بكرٍ الهُذَليِّ".
* أمَّا قولُ أبي داوُد في أبي الصَّلتِ، فنقله مُغلُطَايُ في "إكمال تهذيب الكمال"(8/ 274) عن الآجُرِّيِّ، عن أبي داوُد، قال:"كان فيه نظرٌ".
* ولم أجد هذا القولَ في النُّسخَة المطبُوعَة من "سؤالات الآجُرِّيِّ". والله أعلم.
* وأمَّا توثيقُ أبي سعيدٍ الهَرَوِيِّ، فقد نَقَل الحافظ في "تهذيبه"(6/ 321) عن الدَّارقُطنيِّ، قال:"قال لي دَعلَجُ، أنَّه سمع أبا سَعيدٍ الهَرَوِيَّ وقيل له: ما تقول في أبي الصَّلت؟ قال: نعم! ابنُ الهَيصَم ثقةٌ. قال: إنَّما سألتُك عن عبد السَّلام؟ فقال: نعم ثقةٌ! ولم يَزِد على هذا".
* ونقل الغُمارِيُّ النَّصَّ من "تهذيب ابن حَجَرٍ"، وقد وقع فيه تحريفٌ أَفسَدَ المعنَى.
* وقد رَوَى الخطيبُ في "تاريخه"(11/ 51) هذا النَّصَّ عن أبي بَكرٍ البَرقَانيِّ، عن الدَّارقطنيِّ، أنَّه قال عن أبي الصَّلتِ:"كان رافضيًّا خبيثًا، قال لي دَعلَجُ: أنَّه سمع أبا سَعيدٍ الهَرَوِيَّ الزاهدَ، وقيل له: ما تقُولُ في عبد السَّلام بنِ صالحٍ؟ فقال: نُعيمُ بن الهَيصَمِ ثقةٌ. فقيل: إنَّما سألتُ عن عبد السَّلام؟ فقال: نُعيمٌ ثقةٌ. ولم يَزِد على هذا".
* قلت: فهذا هو النَّصُّ الصَّحيحُ، وهو قاضٍ بجَرح عبد السَّلام. سلَّمنا أنَّه وثَّقَهُ فأبو سعيدٍ ليس معرُوفًا في النُّقَّاد الذين يُعَوَّلُ على كلامِهم حتَّى يقابَل بكلام أساطين المُحَدِّثين المَشهُورِين بنَقد الرِّوايات والكَلامِ في الرُّواةِ.
* فلم يَسْلَم لَكَ توثيقٌ عمَّن ذكرتَ إلا ابنَ مَعينٍ وقد تقدَّم ذِكرُ الحامِل له على
ذلك في كلام الذَّهَبِيِّ. ولو سَلَّمنا ثقتَهُ، فقد أَنكَرَ ابنُ مَعينٍ الحديثَ الذي ألَّفتَ الجُزءَ لتقويته.
* فاسمَع كلامَ بقيَّة النُّقَّاد في عبد السَّلامِ بنِ صالحٍ أبي الصَّلتِ. .
* قال زكريَّابنُ يحيَ السَّاجِيُّ: "يُحدِّث بمناكيرَ. هو عندهم ضعيفٌ". .
* وقال النَّسائيُّ: "ليس بثقةٍ". .
* وقال عبد الرَّحمن بنُ أبي حاتمٍ: "سألتُ أبي عنه، فقال: لم يَكُن عِندِي بصدُوقٍ، وهو ضعيفٌ. ولم يُحَدِّثني عنه". .
* وأمَّا أبو زُرعَةَ فأَمَرَ أن يُضرَب على حديث أبي الصَّلتِ، وقال:"لا أُحَدِّثُ عنه ولا أَرضَاهُ". .
* وقال إبراهيمُ بنُ يعقُوبَ الجُوْزْجَانِيُّ: "كان أبو الصَّلتِ الهَرَوِيُّ زائغًا عن الحَقِّ، مائِلا عن القَصدِ، سمعتُ مَن حدَّثَني عن بعض الأئمَّةِ أنَّه قال فيه: هو أَكذَبُ من رَوْثِ حمار الدَّجَّال، وكان قديمًا مُتَلوِّثًا في الأقذار". .
* وقال أبو أحمدَ ابنُ عَدِيٍّ: "له أحاديثُ مَناكيرُ في فضل أهل البيت، وهو مُتَّهَمٌ فيها". .
* وقال الدَّارَقُطنِيُّ: "كان رافضيًّا خبيثًا"، وقال مَرَّةً:"ليس بالقوِيِّ"، وقال أيضًا:"ورَوَى عن جعفَرِ بنِ مُحمَّدٍ الحديثَ، عن أبائه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: "الإيمانُ إقرار بالقَول، وعَمَلٌ بالجوارح. . . الحديث"، وهو مُتَّهَمٌ بوضعه، لم يُحدِّث به إلا مَن سَرَقَهُ منه، فهو الابتداء في هذا الحديثِ". .
* قال أبو بَكرٍ البَرقَانيُّ: "وحَكى لنا أبو الحَسَن أنَّه سُمِع يقول: كَلْبٌ للعَلَوِيَّة خيرٌ من جميع بني أُميَّة، فقيل: فيهم عُثمانُ؟ فقال: فِيهُم عُثمانُ". .
* قال العُقيليُّ: "رافضيٌّ خبيثٌ"، وقال مَرَّةً:"كذَّابٌ". .
* وقال ابن حِبَّان: "يَروِي عن حمَّادِ بنِ زيدٍ وأهلِ العِراقِ العَجائِبَ في فَضلِ عليٍّ وأهل بَيتِه، لا يَجُوزُ الاحتجاجُ به إذا انفَرَدَ". .
* وقال الحاكمُ والنَّقَّاشُ وأبو نُعيمِ: "رَوَى مناكيرَ". .
* وقال مُحمَّدُ بنُ طاهرٍ: "كذابٌ". .
* وأخطَأَ مُغلُطَايُ عندما نقَلَ توثيقَ العِجليِّ له، والذي في "ثقات العِجليِّ"(1099)، قال:"عبد السَّلام بنُ صالحٍ، بصريٌّ ثقةٌ"، وهذا قطعًا ليس أبا الصَّلت الهَرَوِيَّ، إنَما هو آخَرُ أعلَى طبَقَةً من أبي الصَّلتِ، يَروِي عنه يزيدُ بنُ هارُون وغيرُه. والله أعلم.
* قلتُ: وبعدَ هذا الذي ذكرتُهُ لك هل يُمكِنُ أن يُقال: أنَّ عُلماء الجَرح والتَّعديلِ ظَلمُوا هذا الرَجُل لمُجرَّد أنَّه يتشيَّعُ لأهل البَيتِ وقد وَثَّقَ العُلماءُ المئاتِ من الرُّواة الشِّيعة؟!
* إنَّ مَن يَعتقدُ هذا لَقليلُ الحظِّ من التَّوفيق. والله المُستَعان.
* ومن غَرَائب الغُمارِيِّ ومُغالَطَاتِه أنَّه يَزعُم أنَّ البُخارِيَّ ومُسلِمًا صحَّحا أحاديثَ لِرواةٍ تُكُلِّم فيهم بأشدَّ ممَّا تُكُلِّم في عبد السَّلام بنِ صالحٍ، وذَكَرَ جماعةً من هؤُلاء الرُّواة، وبعضَ أقوال أهل العِلمِ فيهم، وزَعَم أنَّهما صحَّحا لرُواةٍ كذَّابين مُتَّهَمِين بالوضع، فذَكَر منهم: إسماعيلَ بنَ أبي أُوَيسٍ، وأحمدَ بنَ عيسى بنِ حسَّان المِصرِيَّ -صَحَّحا له-، وأُسَيدَ بنَ زيدٍ الجَمَّالَ، والحَسَنَ بنَ مدركٍ السُّدُوسِيَّ، والحَسَنَ بنَ ذَكوانَ، ونُعيمَ ابنَ حمَّادٍ، وعِكرِمةَ مولى ابنِ عبَّاسٍ، وحَريزَ بنَ عُثمانَ، وعِمرانَ بن حِطَّان -هؤلاء صحَحَ لهم البُخاريَّ-، وأفلحَ بنَ سعيدٍ، وقَطَنَ بنَ نُسَيرٍ، وعبد الكريم بنَ أبي المُخارِقِ -وهؤلاء صحَّح لهم مُسلم-، وهؤلاء جميعًا عند الغُمارِيِّ أسوأُ حالا من عبد السَّلام بنِ صالحٍ، ومع
ذلك صحَّح لهم الشَّيخانِ كما مرَّ بك.
* وهذا القولُ لا يشكُّ عالمٌ بالحديث أنه مُجازَفةٌ، وأنَّه لم يُبْنَ على دراسةٍ علميَّةٍ صحيحةٍ، وأنا لا أستطيعُ أن أستَوفِيَ الرَّدَّ عليه في هذه العُجالة، بل محِلُّهُ "الزَّنَد الواري". لكن راجع كلامَ الحافظ في "مُقدِّمة الفتح" في الذَّبِّ عن رُواة البُخارِيِّ منهم.
* ولكن ليس في هؤلاء جميعًا من كان يَكذِبُ، بمعني: يَفتَعِلُ الحديثَ أو يَضعُهُ بحمد الله تعالى. والله المُستَعان.
* لكنَّني أُرِيدُ أن أُبَيِّن خطأ الغُمارِيِّ في دعواه أنَّ مُسلِمًا صحَّح لعبد الكَريم ابن أبي المُخارِقِ. .
* فإنَّ مُسلمًا لم يَروِ له شيئًا أصلًا، لكنَّ الغُمارِيَّ اغترَّ بما رآه في "تهذيب ابن حَجَرٍ" وأنَّه ذكر عَلامَة (م) التي تدلُّ على أنَّ مُسلِمًا أخرَجَ له. وليتَهُ قَرَأَ التّرجَمة كُلها، ولو فَعَل لم يَقَع في هذا الخَطَإِ، فقد قال الحافظُ في "تهذيبه" (6/ 378):"وأمَّا مُسلِم فقال المُؤلِّفُ -يعني: المِزِّيَّ-: رَوَى له في المُتابَعات، وهذا الإطلاق يَقتَضِي أنه رَوَى له عِدَّة أحاديثَ، وليس كذلك. ليس له في كتابه سِوَى موضِع واحدٍ. وقد قيل: إنَّه ليس هو أبا أميَّة، وإنَّما هو الجَزَرِيُّ، وقد قال الحافظ أبو مُحمَّدِ المُنذِرِيُّ: لم يُخرِّج له مُسلِمٌ شيئًا، أصلًا ولا مُتابَعَةً ولا غيرَها، وإنَّما أخرج لعبد الكَريم الجَزَرِيِّ" انتَهَى.
* قلتُ: أخرَجَ للجَزَرِيِّ أقلَّ من عَشَرَة أحاديثَ، أما الحديثُ الواحدُ الذي أشار إليه الحافظُ في "مُسلمٍ"، وقيل إنَّه لعبد الكَرِيم بن أبي المُخارِقِ، فقد أخرَجَهُ في "كتاب الحَجِّ"(1201/ 83)، قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ أبي عُمَر، حدَّثَنا سفيانُ، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، وأيُّوبَ، وحُميدٍ، وعبد الكَرِيم، عن مُجاهدِ، عن ابن أبي لَيلى، عن كعب بن عُجرَة، أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم مرَّ به وهو بالحُدَيبِيَةِ، قبل أن