الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن يحيى المعلميّ اليمانيّ رضي الله عنه في كتابه الفذ "التنكيل بما في تأنيب الكوثريّ من الأباطيل" ردًا قويًا فلخصته هنا لطرافته، وقد زدت عليه شيئًا يسيرً1:. . وأما قصة الأخرس، فالجواب عنها من وجهين: الأول: أن القصة تفرد بها سليمان بن داود الشاذكوني، وكان غير ثقة كما قال النسائيُّ. وتركه أبوحاتمٍ، بل كذَّبه صالح بن محمَّد. وقال البخاري فيه:"منكر الحديث". وقد نقل الذهبي في "الميزان"(1/ 6، 202)، عن البخاريِّ قوله:"كل من قلتُ فيه: "منكر الحديث" فلا تحلُّ الرواية عنه". فهذا عنده جرح شديد بلا ريب. وإذ الأمر كذلك، فالحملُ على الشاذكوني أولى، وأليق بالصنعة، من العمل على جرير [يعني: ابن عبد الحميد]. هذا إن كان لجرير فيه ذنب!! الثاني: أن القصة تفيد تدليسًا ولا تفيد اضطرابًا هذا إن صحَّتْ فكيف وقد تقدم ذكر العلة؟!. . . [وراجع "جرير بن عبد الحميد"] بذل "الإحسان 1/ 39 - 41
5108 - الشافعيّ: [
محمَّد بن إدريس بن العباس بن عثمان أبو عبد الله الشافعيّ] هو الشافعيُّ ثقةً وإتقانًا وصدقًا. غوث المكدود 3/ 118 ح 817
* طعن الكوثري في نسب الشافعي، ولم يكتف بذلك، بل طعن في لغة الشافعيّ وعرّض بفصاحته. . .
* [وراجع لزامًا الرد عليه في ترجمة: "البخاري" من هذا الباب]
* [رواية الشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى وتوثيقه له غيرُ معتمدٍ. يُراجع ترجمة "إبراهيم ابن محمَّد بن أبي يحيى"] الفتاوى الحديثية/ ج 3/ رقم 274/ رمضان / 1422
* [الشافعي يعتمدُ في كتبه على تفسير "ابن أبي نجيح". يُراجع ترجمة: "ابن أبي نجيح" من الأبناء]
[الشافعي والعمل بالحديث الضعيف أو المرسل!!]
*. . . وهذا التَّباعُدُ بين المُحَدِّثين والفُقهاء، والذي أشار إليه الخَطَّابِيُّ لا زال إلى السَّاعة قائمًا، وذلك بسبب تشابُك بعضِ القَوَاعد الأُصولِيَّة بينهم، مثلِ اشتراطِ ألا يكُونَ الحديثُ شاذًّا، ومثلِ زيادَةِ الثِّقَةِ، ونحوِ هذا. فالصَّحيحُ ألا يَنظُر الفقيهُ إلى الحديثِ بعَينِ الاعتِبَارِ، إلا إذا قَرَّر المُحَدِّثُون صِحَّتَه. والجَامِعُون بين هَذَين العِلمَين كان كثيرًا في الأزمان القَدِيمَةِ، ثُمَّ غَلَبَت "لَوثَةُ" المُختَصَرَات في المُتأخِّرين، حتَّى صارت بعضُهَا بسبب الإيجاز تَبلُغُ حدَّ الأَلغَاز، وشَرَعَ أهلُ العِلمٍ يشرَحُونَ هذه المُختَصَرات، واختَلَفت أراؤُهُم في قَصدِ المُختَصِر، وكَثُرَت الاعتراضاتُ على التَّعرِيفَات مع تَطرِيق الاحتمالاتِ، وهكذا حتَّى فَقَدَت العُلُومُ رَوْنَقَهَا وقلَّ انتفاعُ الطَّلَبة بها. وكان بابُ الاحتجاجِ بالحديث الضَّعيف من هذا القَبِيلِ. وخُذ الحديثَ المُرسَلَ مثلًا، فالذي كان سائدًا في زمان التَّابِعِين ومَن بَعدَهُم بقليلٍ، أنَّ الحديثَ المُرسَلَ حُجَّةٌ في الدِّين، وكان ذلك لعُلُوِّ الأسانِيدِ وقِلَّةِ الأوهامِ، حتَّى ادَّعًى الطَّبَرِيُّ أنَّ التَّابِعينَ أَجمَعُوا على قَبُول المَراسِيل، وظَلَّ الأمرُ هكذا إلى رَأسِ المِئَتَينِ، وذَهَب إلى هذا القَولِ أبو حَنِيفَةَ، ومالكٌ، وهو روايةٌ عن أحمد. ولمَّا تكلَّمَ الشَّافعِيُّ في عدم حُجِّيَّة المُرسَل، تابَعَهُ النَّاسُ كما قال أبو داوُد، وصار القَولُ السَّائدُ عند جماهير المُحَدِّثِين وكثيرٍ من الفُقَهَاء والأُصُوليِّين أن المُرسَلَ ليس بحُجِّةٍ، ونَقَلَهُ مُسلمٌ في "مُقدِّمة صحِيحِه"، وكذلك قال الرَّازِيَّانِ أبو حاتِمٍ وأبو زُرعَةَ كما في مَطلَع "المَراسيل" (ص/ 7) لابن أبي حاتِمٍ: أنَّهُ لا يُحتَجُّ بالمَراسيل، ولا تَقُومُ الحُجَّة إلا بالأسانيد الصَّحِيحَةِ، ووَضَعَ الإمامُ الشَّافِعِيُّ ضوابطَ لقَبُول المُرسَل تَجِدُها في "الرِّسالة"(ص / 462 - 465).
* فهذا النَّوعُ من الأحاديثِ -أعني: المُرسَلَ- هو أَكثَرُ الأنواع وَقَعَ فيه
النِّزاعُ بين المُحَدِّثين والفُقَهاء. والصَّحيح أنَّهُ ليس بحُجَّةٍ على انفِرَادِه، إلا إذا انضاف إليه ما يُعَضِّدُهُ، كما هو مُقَرَّرٌ في مَوضِعِه.
* وتَوَسَّعَ المُتأَخِّرُون في قَبُول الضَّعيف، لاسيَّما في فَضَائِل الأَعمَالِ، وجَعَلُوا الحديثَ المُنكَرَ من جُملَة الضَّعيف، والحديثُ المُنكَرُ -لا سيَّما عند مُتَقَدِّمي العُلماء- هو والعَدَمُ سِيَّان، فيَأتِي المُتأخِّرُ فيَعمَلُ به على اعتبار أنَّهُ ضعيفٌ، وأنَّه يُعمَلُ بالضِّعيف في الفَضائِل، غيرَ مُعتَبِرٍ قدرَ الضَّعف فيه. فاتَّسَع الخَرْقُ على الرَّاقِعِ.
* والصَّوابُ من القَولِ في هذا، والذي أدينُ اللهَ تعالى به أنه: لا يَجُوزُ أن يُحتَجَّ في شيءٍ من الدِّين إلا بالحديثِ الصَّحيح أو الحَسَنُ، لا فَرقَ عندنا بين حُكمٍ شَرعِيِّ في الحَلال والحرام، وبين فَضِيلَةِ عَمَلِ، وهذا مَذهَبُ أكابرِ العُلمَاء مثلِ ابن مَعِينٍ، والبُخَارِيِّ، ومُسلِمٍ، وأبي حاتِمٍ، وأبي زُرعَةَ، وابن خُزَيمَةَ، وابن حبَّانَ، وأبي زَكَرِيَّا النَّيسابورِيِّ، في آخَرِين يطُولُ الأمرُ بذِكرِهِم.
* ومن الغرائب أنَّ أحد تَلامِذَةِ هؤُلاء الغُمارِيِّين من أهل عَصرِنا، وممَّن ابتُلِيَت مِصرُ بأنَّهُ صار مُفييًا لها، ادَّعَى أنَّ الذي زَعَم أنَّ الضَّعيفَ لا يُعمَلُ به مُطلقًا هو الشَّيخُ الألباني، وزَعَمَ -وهو شافعيُّ المَذهَب- أنَّ الإمامَ الشَّافعيَّ كان يَحتَجُّ بالحديثِ الضَّعيف في الحَلال والحَرام، وكذلك سائرُ الأئِمَّةِ المُحَدِّثين كأبي داوُدَ، والنَّسائِيِّ، والتّرمِذِيِّ، وغَيرِهِم بغَيرِ نَكيرٍ من أحدٍ عَلَيهِم، وهو كاذبٌ في كُلِّ هذا، كما بيَّنتُه في "قَطعِ الأَبهَر من المُفتِي وشَيخِ الأزهَر" -وأعني بشيخ الأَزهَرِ الدُّكتورَ مُحمَّد سَيِّد طنطاوي- وكتبتُ منه مُجَلَّدَةً. لكنَّنِي في هذه العُجَالَةِ سَأَذكُرُ كلامًا للإمام الشَّافعِيِّ خاصَّةً، تَوَقَّفَ عن العَمَل بالحديثِ لأنَّهُ لم تَثبُت صِحَّتُه، فلوكان يحتَجُّ بالضَّعيف كما يَزعُم هذا الكاذبُ، فما الذي جَعَلَهُ يتوقَّفُ عن الأَخذِ بالحديثِ؟! وكنتُ قرأتُ قديمًا في "فَتح الباري" أنَّ
الحافظَ ابنَ حَجَرٍ جَمَعَ هذه الأحاديثَ في كتابٍ سمَّاه -على ما أَذكُر- "المِنحَة فيما علَّقَ الشَّافِعِيُّ فيه الحُكمَ على الصِّحَّة"، ولم أَرَهُ ولا أظُنُّهُ طُبعَ، وحَفَّزَنِي هذا إلى النَّظَر في كتاب "الأُمِّ" للشَّافِعِيِّ، واستَخرَجتُ منه عِدَّة مواضعَ ممَّا علَّق الشَّافِعِيُّ القولَ به على ثُبُوت الحديثِ، وسأَذكُرُه آنفًا إن شاء اللهُ تعالى. . . .
* أمَّا المواضِعُ التي صرَّحَ الشَّافعِيُّ فيها بتعليق القَولِ بالحديث إلا أن يَثبُتَ، فإني لم أتحَرَّ جميعَ المواضع من كُتُبِه، بل ذكرتُ ما وقفتُ عليه أثناءَ نَظَرِي في كتابه. فمن ذلك:
1 -
قَال الشَّافِعيُّ في "الأُمِّ" في "كتاب الطَّهَارة"(2/ 92 - 93 - طبع دار الوفاء): "ولا يَعدُو بالجَبَائِر مَوضِعَ الكَسرِ إذا كان لا يُزيِلُها. وقد رُوِي حديثٌ عن عليٌّ أنَّهُ أنكَسَر إحدى زِندَيْ يَدَيهِ، فَأَمَرَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يَمسَح بالماء على الجَبَائِر. ولو عَرَفتُ إسنادُهُ بالصِّحَّة قُلتُ به".
2 -
وقال في "كتاب الصِّيام"(3/ 240 - 242): "وقد رُوِي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: "أَفطَرَ الحَاجِمُ والمَحجُومُ"، ررُويَ عنهُ: أنَّهُ احتَجَمَ صائمًا. ولا أعلَمُ واحدًا منهما ثابتًا. ولو ثَبتَ واحدٌ منهُما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قُلتُ به؛ فكانت الحُجَّةُ في قَولِهِ".
3 -
وقَالَ الشَّافعيُّ مُوضِّحًا هذا الكلامَ في "كتاب اختلاف الحديث"(ص 190 - 192): "أخبَرَنا عبد الوَهَّاب بنُ عبد المَجِيد، عن خالدٍ الحَذَّاءِ، عن أبي قِلابَةَ، عن أبي الأَشعَثِ الصَّنعَانِيِّ، عن شدَّادِ بن أوسٍ،- قال: كنتُ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم زمانَ الفَتحِ، فرأَى رجُلا يحتَجِمُ لثمانِ عشرَةَ خَلَت من رمضانَ، فقال -وهو آخذٌ بيدي-: "أَفطَر الحَاجِمُ والمحجُومُ".-وقال أيضًا:- أخبَرَنا سُفيانُ، عن يزيدَ بنِ أبى زِيادٍ، عن مِقسَمٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم احتَجَمَ مُحرِمًا صائمًا.-قال الشَّافعيُّ:- وسَمَاعُ ابنِ أَوسٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم-
عامَ الفَتحِ، ولم يَكُن يومئذٍ مُحرِمًا، ولَم يَصحَبهُ مُحرِمًا قبل حجَّة الإِسلامِ. فذَكَرَ ابنُ عبَّاسٍ حِجامَةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عام حَجَّة الإِسلامِ سنةَ عَشرٍ. وحديثُ:"أَفطَرَ الحاجِمُ والمَحجُومُ" في الفَتحِ سنةَ ثمانٍ، قبلَ حَجَّة الإِسلامِ بسَنَتَين. فإن كانا ثابتين، فحديثُ ابنِ عبَّاسٍ ناسخٌ، وحديثُ إفطارِ الحاجِمِ والمَحجُومِ منسُوخٌ، وإسنادُ الحَدِيثَينِ معًا مُشتَبِهٌ. وحديثُ ابنِ عبِّاسٍ أَمثَلُهُما إسنادًا".
4 -
وقال الشَّافعيُّ في كتاب "صلاة العيدين"(2/ 482): "أخبَرَنا إبراهيمُ بنُ مُحمَّدٍ، عن إسحاقَ بنِ عبد الله، عن عُمَر بنِ عبد العزيز، أنَّهُ كان لا يُجِيزُ في الفِطرِ إلا شاهِدَين.-قال الشَّافعيُّ- رحمةُ اللهِ عليهِ.:- فإنِ شَهِدَ شاهدانِ في يومِ ثلاثينَ أنَّ الهلالَ كان بالأمسِ، أفطَرَ النَّاسُ أيَّ ساعةٍ عُدِّلَ الشَّاهدان، فإن عُدِّلا قبل الزَّوالِ صلَّى الإمامُ بالنَّاس صلاةَ العيدِ، وإن لم يُعدَّلا حتَّى تزُولَ الشَّمسُ لم يَكُن عليهم أن يُصلُّوا يَومَهم بعد الزَّوال ولا الغَدِ؛ لأنَّه عملٌ في وقتٍ، فإذا جاوَزَ ذلكَ الوقتَ، لم يُعمَل في غيره.
* فإن قال قائلٌ: ولِمَ لا يكُونُ النَّهارُ وقتًا له؟ قيلَ- إن شاء اللهُ تعالى.: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سَنَّ صلاةَ العِيدِ بعدَ طُلوعِ الشَّمسِ، وسَنَّ مواقيتَ الصَّلاة، وكان فيما سَنَّ دلالةً على أنَّهُ إذا جاء وقتُ صَلاةٍ، مَضَى وقتُ التي قَبلَهَا، فلم يَجُز أن يكُونَ آخرُ وَقتِها إلا إلى وقت الظُّهرِ؛ لأنَّها صلاةٌ تُجمَع فيها. ولو ثَبتَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ بالنَّاس من الغَدِ إلى عِيدِهِم، قلنا به. وقُلنا أيضًا: فإن لم يَخرُج بهم من الغَدِ خرَجَ بهم من بعد الغد، وقُلنَا: يُصلِّي في يَومِه بعد الزَّوال، إذا جَازَ أن يَزُولَ فيه، ثُمَّ يُصلِّي، جاز في هذه الأحوالِ كُلِّها. ولكنَّهُ لا يَثبُت عندنا. والله تعالى أعلَمُ".
5 -
وقال في كتابِ "الحَجِّ"(3/ 397): "أخبَرَنا سُفيانُ، عن هشامِ بنِ عُروَة، عن أبيه، قال: قالت لي عائشَةُ: هل تَستَثنِي إذا حَجَجتَ؟ فقلتُ لها: ماذا
أقُولُ؟ فقالت: قُل: اللهُمَّ! الحَجَّ أردتُ، ولهُ عَمَدتُ، فإن يَسَّرتَ فهو الحَجُّ، وإن حَبَسَتَني بحابسٍ فهي عُمرَةٌ.-قال الشَّافعيُّ:- ولو ثبَتَ حديثُ عُروَة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الاستثناء لم أَعدُهُ إلى غيرِهِ؛ لأنَّهُ لا يَحِلُّ عندي خلافُ ما ثَبَتَ عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الحُجَّةُ فيه أن يَكُونَ المُستثَنِي مُخالِفًا غَيرَ المُستَثنِي من مُحصَرٍ بعدُوٍّ أو مَرَضٍ، أو ذَهاب مالٍ، أو خَطَإِ عددٍ، أو تَوَانٍ. وكان إذا اشترَطَ فحُبِسَ بعدوٍّ، أو مَرَضٍ، أو ذَهاب مالٍ، أو ضَعفٍ عن البُلوغ، حَلَّ في المَوضِع الذي حُبِسَ فيه بلا هَديٍ ولا كفَّارةٍ غيره، وانصَرَفَ إلى بلاده ولا قَضَاء عليه، إلا أن يكُونَ لم يحجَّ حَجَّة الإِسلام، فيَحُجَّها. وكانت الحُجَّةُ فيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَأمُر بشَرطٍ إلا أن يكُون على ما يَأمُر به. وكان حديثُ عُروَة عن عائشة يُوافِقُهُ في معنى: أنَّها أَمَرَت بالشَّرط. وكان وَجهُ أَمرِها بالشَّرط إن حُبِسَ عن الحَجِّ فهي عُمرَةٌ، أن يقُولَ: إن حَبَسَني حابسٌ عن الحَجِّ، ووجدتُ سبيلًا إلى الوُصُول إلى البَيت فهي عُمرَةٌ. وكان موجُودًا في قولها: أنَّه لا قضاءَ، ولا كفَّارةَ عليه. والله أعلم".
6 -
وقال في كتاب "الصَّيد والذَّبائِحِ"(3/ 594 - 595): "وقد سُئِلَ ابنُ عبَّاس، فقال له قائلٌ: إنِّي أرمي فأُصمِي وأُنمِي؟ فقال لهُ: كُلْ ما أَصمَيتَ، ودَع ما أَنمَيتَ.- قال الشافعيُ:- "ما أصميتَ": ما قَتَلَه الكَلبُ وأنتَ ترَاهُ، و"ما أنمَيتَ": ما غابَ عنكَ مَقتَلُهُ، فإنْ كان قد بَلَغَ وهُو يراه مثلَ ما وَصَفتُ من الذَّبح، ثُمَّ تردَّى فتوارى أَكَلَهُ، فأمَّا إنقاذُ المَقاتَلِ فقد يعيشُ بعد ما يَنفَذُ بعضُ المَقَاتِل، ولا يجُوزُ فيه عندي إلا هذا، إلا أن يكُونَ جاء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم شيءٌ فإني أتَوهَّمُهُ، فيَسقُطُ كلُّ شيءٍ خَالَف أمرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا يقُومُ معه رأيٌ ولا قياسٌ؛ فإنَّ الله قَطَعَ العُذَرَ بقولِهِ صلى الله عليه وسلم ".
7 -
وقال في كتاب "الأطعمة"(3/ 635 - 636): "أخبَرَنا مالكٌ، عن نافعٍ،
عن ابنِ عُمَرَ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَحلِبَنَّ أحدُكُم مَاشِيَةَ أخيه بغَيرِ إِذنِهِ، أَيُحِبُّ أحدُكُم أن تُؤتَي مَشرَبَتُهُ، فتُكسَرَ، فينتَقِلُ متاعُهُ؟ ". وقد رُوِي حديثٌ لا يَثبُتُ مثلُهُ: "إذا دَخَلَ أحدُكُم الحائطَ، فليَأكُل ولا يَتَّخِذْ خُبنَةً".-قال الشَّافعيُّ:- وما لا يَثبُتُ لا حُجَّةَ فيه. ولَبَنُ الماشية أولَى أن يكُونَ مُباحًا. فإن لم يَثبُت هكذا من ثَمَرِ الحائط، لأنَّ ذلك اللَّبنَ يُستخلَفُ في كلِّ يومٍ، والذي يَعرِفُ النَّاسُ أنَّهُم يبذُلُون منه ويُوجِبُون مِن بَذلِهِ ما لا يَبذُلُون من الثَّمَر، ولو ثَبتَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قلنَا به، ولم نُخالِفُه".
8 -
وفي كتاب "البُيُوع"(14/ 141 - 142): قال: نا الرَّبيعُ: قلتُ للشَّافعيِّ -رَحِمَةُ الله عليه-: إنَّ عليَّ بنَ مَعبَدٍ رَوَى لنا حديثًا عن أنسٍ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أجازَ بَيعَ القَمحِ في سُنبُلِه إذا ابيَضَّ. فقال الشَّافعيُّ:"إنْ ثَبَتَ الحديثُ قلنا به، فكان الخَاصُّ مُستخرَجًا من العَامِّ؛ لأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بَيع الغَرَرِ، وَييعُ القَمحِ في سُنبُلِه غَرَرٌ؛ لأنَّهُ لا يُرَى، وكذلك بَيعُ الدارِ والأساسُ لا يُرَى، وكذلك بَيعُ الصُّبرَةِ بعضُهَا فوق بعضٍ، أَجَزنَا ذلك كما أجازَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فكان هذا خاصًّا مُستَخرَجًا من عامٍّ، وكذلك نُجِيزُ بيعَ القَمحِ في سُنبُله إذا ابيضَّ، إن ثَبَتَ الحديثُ، كما أجَزنا بَيعَ الدَّار والصُّبرَةِ".
9 -
وفي كتاب " البُيُوع" أيضًا (4/ 169): قال الشَّافعيُّ: "ولا بأسَ بالسَّلَف في الحَيَوان كُلِّه: في الرَّقيق، والماشية، والطَّيرِ، إذا كان تُضبَطُ صفَتُهُ، ولا يَختَلِفُ في الحين الذي يَحِلُّ فيه، وسواءٌ كان ممَّا يُستَحيَا، أو ممَّا لا يُستَحيَا، فإذا حلَّ من هذا شيءٌ، وهو من أيّ شيءٍ ابتيع، لم يُجِز لصاحبِهِ أن يَبِيعَهُ قبل أن يَقبِضَهُ، ولا يَصرِفَهُ إلى غيره، ولكنَّه لا يجُوزُ له أن يُقِيلَ من أصل البَيعِ، ويأخذَ الثَّمَن. ولا يجُوزُ أن يبيع الرَّجلُ الشَّاة وَيَستَثنِي شيئًا منها، جلدًا ولا غيرَهُ، في
سَفَرٍ ولا حَضَرٍ، ولو كان الحديثُ ثَبتَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في السَّفَر أجَزناهُ في السَّفَر والحَضَر".
10 -
وقال في كتاب "الصَّداق"(6/ 174 - 176): "وقد رُويَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قضَى في بَرُوعَ بنتِ وَاشِقٍ، ونُكحت بغير مَهرٍ، فمات عنها زوجُهَا، فقضَى لها بمهرِ نِسائِهَا، وقضَى لها بالميرَاثِ. فإن كان ثَبَتَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فهو أَولَى الأمُور بنا، ولا حُجَّة في قول أَحَدٍ دون النبيّ صلى الله عليه وسلم وَإِن كَثُرُوا، ولا في قياسٍ، فلا شيءَ في قوله إلا طاعةُ الله بالتَّسليم له. وإن كان لا يَثبُت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يَكُن لأحدٍ أن يُثبِتَ عنه ما لا يَثبُث، ولم أحفظهُ بَعدُ من وجهٍ يَثبُتُ مِثلُهُ، وهو مرَّةً يُقال: عن مَعقِل بنِ يَسَارٍ، ومرَّةً: عن مَعقِلِ بنِ سِنانَ، ومرَّةً: عن بعضِ أَشجَعَ لا يُسمَّى. وإن لم يَثبُت، فإذا ماتَ أو مَاتَت فلا مَهرَ لها، وله منها الميراثُ إن مَاتَت، ولها منه الميراثُ إن مات، ولا مُتعَةَ لها في الموت؛ لأنَّها غيرُ مُطَلَّقَةٍ، وإنَّما جُعِلت المتعةُ للمُطَلَّقة".
11 -
وقال في كتاب "اختلاف عليٍّ وعبد الله بنِ مسعُودٍ"(8/ 449 - 450): "أخبَرَنا شُعبةُ (1)، عن سَلَمَة بن كُهَيلٍ، قال: سمعتُ الشَّعبِيَّ يحدِّثُ، عن أبي الخَلِيل -أو: ابن الخليل-، أنَّ ثلاثةَ نَفَرٍ اشتَرَكوا في طُهرٍ، فلم يُدرَ لمن الولَدُ، فاختَصَمُوا إلى عليٍّ؛، فأمَرَهُم أن يَقتَرِعُوا، وأمَر الذي أصابَتهُ القُرعَةُ أن يعطى للآخَرَين ثلثي الدِّيَّةِ. وليسُوا يقُولُون بهذا وهم يُثبتُون هذا عن عليٍّ؛، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ويُخالفونَه. والذي يقُولُون هم ما يَثبُت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلَيسَ لأحدٍ أن يُخالِفَهُ، ولو ثَبَتَ عندنا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قُلنا به، ونحنُ نقولُ: ندعُو القَافَةَ له، فإن
(1) قال شيخنا: كذا وقع في "الأمِّ"، وهو عندي خطأٌ؛ والشافعيُّ لم يلحق شعبةَ، فربَّما كانت العبارةُ:"أُخبرتُ عن شُعبة"، وتوَّهمتُ أن يكون صوابُهُ:"سُفيان" يعني: ابن عُيينة، لكنَّني لم أجد أحدًا نصَّ على أنَّه يَروِي عن سَلَمَةَ بنِ كُهَيلٍ، فالله أعلمُ.
ألحَقُوهُ بأحدِهِم فهو ابنُهُ، وإن ألحَقُوهُ بكُلِّهِم، أولم يُلحِقُوه بأحدِهِم، فلا يكُونُ له، وُيوقَف حتَّى يَبلُغَ، فيَنتَسِبُ إلى أيِّهم شاءَ، ولا يكُونُ له أبوانِ في الإِسلامِ، وهم يقُولُون: هو ابنُهُم، يَرِثُهُم وَيرِثُونَه، وهو للبَاقِي منهم".
12 -
وقال أيضًا في "اختلاف عليّ وابنِ مسعُودٍ"(8/ 412): "أخبَرَنا عبَّادُ، عن عاصمٍ الأحوَلِ، عن قَزَعَةَ، عن عليٍّ؛ أنَّه صلَّى في زَلزَلَةٍ لسِتَّ ركعاتٍ في أربع سَجدَاتٍ، خمسَ ركعاتٍ وسجدتين في ركعَة، وركعةً وسجدتين في ركعَةٍ. ولَسنا نقُولُ بهذا. نقُولُ: لا يُصلِّي بشيءٍ من الآيات إلا في كُسُوف الشَّمس والقَمَر، ولو ثَبَتَ في هذا الحديث عندنا عن عليٍّ؛ لقُلنا به، وهُم يُثبِتُونه ولا يأخذون به، ويقُولُون: يصلِّي ركعتين في الزَّلزَلة، في كلّ ركعَةٍ ركعَةً. وقال: أخبَرَنا هُشَيمٌ، عن يُونُسَ، عن الحسَن، أنَّ عليًّا؛ صلَّى في كُسُوف الشَّمس خمس ركعاتٍ وأربعَ سجداتٍ. ولَسنا ولا إيَّاهُم نقُولُ بهذا.
* وأمَّا نحنُ فنقولُ بالذي رُوّينا عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم: أربعَ ركعاتٍ وأربعَ سجداتٍ. أخبَرَنا بذلك مالكٌ، عن يحيَي، عن عَمرَة، عن عائشَةَ، أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صلَّى في كُسُوفِ الشَّمس ركعَتَين وسجدَتَين، في كلِّ ركعةٍ ركعَتَين.
* وقال: أخبَرَنا مالكٌ، عن هشامٍ، عن أبيه، عن عائشةَ بمِثلِة. وقال: أخبَرَنا مالكٌ، عن زَيد بن أسلَمَ، عن عطاء بن يَسارٍ، عن ابن عبَّاسٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بمِثلِه. وقالُوا هُم: يُصلِّي رَكعَتين كما يُصلِّي سائرَ الصَّلَوات، ولا يَركَعُ في كلِّ ركعةٍ ركعتين، فخالَفُوا سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخَالَفوا ما رَووه عن عليٍّ.
13 -
وقال في كتاب "سِيَر الأَوزَاعِيّ"(9/ 196) يرُدُّ على أبي يُوسُف صاحبِ أبي حنيفة: "احتَجَّ أبو يُوسُف أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أبا عامِرٍ إلى أَوطَاسَ، فَغَنِمَ غَنائِمَ، فَلَم يُفَرِّق النبيّ صلى الله عليه وسلم بين مَن كَانَ مع أبي عامِرٍ، وبَينَ مَن كان مُتخلّفًا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم عن أبي عامِرٍ. وهذا كما قال، ولَيسَ ممَّا قال الأَوزَاعيُّ وخَالَفَه هو فيه
بسَبِيلٍ؛ أبو عامِرٍ كان في جيش النبيّ صلى الله عليه وسلم ومَعَهُ بحُنَينٍ، فبَعَثَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في اتِّباعِهم. وهذا جيشٌ واحدٌ كلُّ فرقَةٍ مِنهُم رِدءٌ للأُخرَى، وإذا كان الجيشُ هكذا، فلو أصاب الجَيشُ شيئًا دُون السَّرَّيةِ أو السريَّةُ شيئًا دون الجيشِ كانُوا فيه شُركاءَ؛ لأنَهم جيشٌ واحدٌ، وبعضُهُم رِدءٌ لبعضٍ. وإن تفَرَّقوا، فسارُوا أيضًا في بلاد العَدُوِّ، فكذلك شَرِكَت كلُّ واحدةٍ من الطَّائفتَين الأخرَى فيما أصابوا. فأمَّا جيشان مُفتَرِقَان، فلا يَرُدُّ واحد منهما على صاحبِهِ شيئًا، وليسا بجيشٍ واحدٍ، ولا أحدُهُما رِدءٌ لصاحبِهِ مُقيمٌ له عليه. ولو جاز أن يَشْرِكَ واحدٌ من هذين الجَيشَين الآخرَ كان أن يُشرِك أهلَ طَرَسُوسَ وعَيْنِ زَرْبَى مَن دَخَلَ بلادَ العدُوِّ؛ لأنَّهم قد يُعِينُونَهُم أو استُنفِرُوا إِلَيهِم حينَ ينالونَ نُصرَتَهُم في أدنى بلاد الرُّوم. وإنَّما يَشتَرِكُ الجيشُ الواحدُ الدَّاخلُ واحدًا وإن تفرَّقَ في ميعاد اجتماعٍ في موضعٍ.
* وأمَّا ما احتجَّ به من حديث مُجالِدٍ أنَّ عُمَرَ كتبَ: "فمن أتاك مِنهُم قبل تتفَقَّأ القتلَى فأشرِكهُم في الغَنيمَة"، فهذا غيرُ ثابتٍ عن عُمَر، ولو ثَبَتَ عنه كُنَّا أَسرَع إلى قَبولِه مِنهُ. وهو إن كان يُثبِتُهُ عنه فهو محجُوجٌ به، لأنَهُ يُخَالِفُه، وهو يَزعُم. . . الخ".
* وقال في كتاب "الرد على مُحمَّد بن الحَسَنُ"(9/ 140 - 141): "أخبَرَنا ابنُ عُيَينَة، عن صدَقَةَ بنِ يَسارٍ، قال: أَرسلنَا إلى سعيدِ بنِ المُسيب نسألُهُ عن دِيةِ المُعَاهَد. فقال: قضَى فيه عُثمانُ بن عفانَ بأربعةِ آلافٍ، قال: فقُلنا: فمَن قَتَلَه؟ قال: فحَصَبَنا. -قال الشَّافعيُّ:- هم الذين سألُوهُ آخِرًا (1)، قال: سعيدُ بنُ المُسيَّب، عن عُمَر: مُنقطعٌ. قلنا: إنَّهُ لَيَزعُمُ أنَّهُ قد حَفِظ عنه، ثُمَّ تزعمُونَهُ أنتم
(1) قال شيخنا: قال المحقِّقُ في حاشيته: "قال البيهقيُّ في "المعرفة" (6/ 233) تعليقًا على هذه العبارة: "إنَّما أراد -والله أعلم- أنَ ابنَ المُسيَّب كان يقُولُ بخلاف ذلك، ثُمَّ رجع إلى هذا".