الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* ثم هب أن أبا حنيفة كان ثقة في الحديث، فإيراد العقيلي له في "الضعفاء" يتفق مع ما اشترطوه من أنهم قد يذكرون الرجل لأدنى جرحٍ فيه وإن لم يضرُّه، فكيف إذا كان الجرح يضرُّهُ؟! ثم زاد الكوثريُّ في الطنبور نغمات، إذ زعم أن العقيلي كان كثيرًا ما يتصحف عليه الاسم فيجهله، فيرد عليه، ونحن بدورنا نتحدى من يثبت هذه الكثرة التي ادعاها الكوثري، ولئن كان الكوثري أفضى إلى ما قدم، فإنا بدورنا ننقل هذا التحدي إلى أتباعه، العاكفين على مذهبه في التعصب.
* ونحن لا ننكر أن يقع للعقيلي تصحيف في اسم، بل وفي عشرة وهذا قليل في جنب صوابه، ولكن ننكر أنه "كثيرًا ما يتصحفُ عليه الإِسم. . " فإنه محضُ تخرصٍ وافتراءٍ.
* وأمام ذنب العقيلي هذا، فإن الكوثري وصفه بـ"المتعصب الخاسر"! والعقيليُّ بعيد عن الخسران بحمد الله -كما قال الشيخُ العلامةُ ذهبيُّ العصر المعلميِ اليمانيِ في "التنكيل"(1/ 465) - ثم ذنبٌ آخرٌ للعقيلي زاد من حنق الكوثري عليه؛ وهو أنه كان سلفيَّ العقيدة، والكوثريُّ جهميٌّ هالكٌ، فهو يصفُ كل من كان على مذهب الصحابة والتابعين بأنهم حشوية أغبياء، واعتقادهم أسوأ من اعتقاد النصاري!! ولذا فإنه لن يضن على العقيلي بفيوضاته!! فقال:"حشويُّ مُجارفٌ". فالله حسيبُهُ.
* هذا ولما كان العقيليُّ لا يعرفه إلا المتخصصون، وشاتمُهُ من مأمن من سخط الناس، فإن عرضه مباحٌ لأمثال هذا المخذول. جُنَّةُ المُرتَاب / 14 - 19
* [وراجع لزامًا الرد على الكوثري في ترجمة: "البخاري" فيما تقدم من هذا الباب]
5122 - العلائي:
الشيخ الإمام، العلامة، المحقق الكبير، حجة الحفاظ،
وعمدة العلماء، محدث الفقهاء، وفقيه المحدثين، أحد صدور العلم الأفاضل، المحدث الفقيه، الأصولي، الفرضي، الحافظ صلاح الدين أبو سعيد، خليل ابن الأمير سيف الدين كيكلدي بن عبد الله العلائي الدمشقي الشافعي مذهبًا، الأشعريُّ عقيدة (سامحه الله).
* ولد في ربيع الأول سنة أربع وتسعين وستمائة للهجرة في مدينة دمشق.
* وكان أبوه يعمل في الجيش التركي ولذا كانت نشاة العلائي نشأة عسكرية دينية.
* وذكر الشوكاني في "البدر الطالع"(1/ 245) أنَّهُ كان بزيّ الجند، ثم لبس زيَّ الفقهاء.
* بدأ طلب العلم بدمشق كان أول سماعه للحميث في سنة ثلاث وسبعمائة للهجرة، سمع فيها "صحيح مسلم" على شرف الدين الفزاريّ خطيب دمشق، وفيها كمل عليه ختم القرآن، ثم سمع "صحيح البخاريّ" على "محمد بن أبي العز ابن مشرف الأنصاريّ" سنة أربع وسبعمائة، وفيها ابتدأ بقراءة العربية وغيرها من العلوم.
* وفي سنة إحدى عشرة وسبعمائة (711) رحل إلى بيت المقدس بصحبة شيخه كمال الدين الزملكاني الذي لازمه في حضره وسفره، وسمع بالقدس من زينب بنت أحمد بن شكر المقدسي وغيرها. وفي سنة عشرين وسبعمائة رحل إلى مكة، وحجَّ مع شيخه كمال الدين المذكور، وسمع في مكة من الشيخ رضي الدين إبراهيم بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن أبي بكر الطبري إمام المقام الشافعيّ. ثمَّ عاد إلى القدس. وبعد مدة سافر إلى مصر، وحجَّ مرارًا وجاور، ثم رجع إلى بيت المقدس، وظل بها حتى مات. رحمه الله.
* وكان إمامًا حافظًا محدثًا، ثبتًا ثقةً، عارفًا بمذهبه، وبأسماء الرجال
والعلل والمتون، فقهيًا أصوليًا، متكلمًا أدبيًا شاعرًا، لم يخلف بعده في الحديث مثله.
* وكان متقنًا في كل باب؛ يحفظ تراجم أهل العصر ومن قبلهم، وكان له ذوق في الأدب، وحسن النظم، مع الكرم وطلاقة الوجه.
* وقد آتاه الله تعالى الذكاء النادر، والعقل الراجح، والفهم الدقيق، والصبر على التنقيح، مع البيان السهل القريب، فأمكنه الغوص في جملة من العلوم، وضرب منها بأوفر سهم، وألف التآليف الكثيرة الفريدة.
* ولما كان العلائي بهذه المنزلة الفريدة في الفنون، كان جديرًا بأن يتصدر لإفادة الطلبة. فقد ولي تدريس الحديث بالناصرية سنة ثمان عشرة وسبعمائة، ثمَّ درس بالمدرسة الأسدية سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، ثمَّ درس في حلقة صاحب حمص، وهي دار الحديث الحمصية سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، نزل له عنها شيخه الحافظ أبو الحجاج المزيُّ.
* قال الذهبيُّ في "العبر": في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ومنها في المحرم درس العلائي بحلقة صاحب حمص بحضرة القضاة، فأورد درسًا باهرًا نحو ستمائة سطر.
* وقال ابن كثير في "تاريخه": في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وفي يوم الأربعاء ثاني المحرم درس بحلقة صاحب حمص الشيخ الحافظ صلاح الدين العلائي، نزل عنها شيخنا الحافظ المزي، وحضر عنده الفقهاء والقضاة والأعيان، وذكر درسًا حسنًا مفيدًا.
* ثم انتقل العلائي إلى القدس مقيمًا فيها يدرس، ويفتي، ويحدث، ويصنف، وولي التدريس في المدرسة الصلاحية بالقدس سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، ثم أضيف إليه درس الحديث بالتنكزية، وبقي مدرسًا فيها إلى أن
مات، كما تولي مشيخة دار الحديث السيفية بالقدس.
* وقد تتلمذ العلائيُّ لكثير من المشايخ المشهورين في ذلك الوقت، وعلى رأسهم الشيخ الإمام، شيخ الإسلام والمسلمين تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، والحافظ الناقد شمس الدين الذهبيّ، وسليمان بن حمزة بن أحمد المقدسي، وأحمد بن عبد الدائم أبو بكر مسند الوقت، وإسماعيل بن نصر الله ابن تاج الأمناء أحمد بن عساكر فخر الدين، وإبراهيم ابن عبد الرحمن بن ضياء الفزاري، وإبراهيم بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن أبي بكر مُحَمَّد الطبري، ومحمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مميل الشيرازي الدمشقي، ومحمد بن عليّ بن عبد الواحد كمال الدين المعروف بابن الزملكاني، والشيخ الإمام الحافظ الكبير أبو الحجاج المزي يوسف ابن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك الدمشقي. وغيرهم من المشايخ.
* ومن أشهر تلاميذه الحافظ ابن كثير، وعبد الوهاب تاج الدين ابن السبكي صاحب "طبقات الشافعية".
* وبدهيٌّ من مثل هذا الحافظ الفقيه أن يكون مكثرًا من التصنيف. وقد تدبرت مقدار ما طبع له من مصنفات فوجدتها بديعة المثال، في غاية التحرير، ولم يكن عنده جمود الفقهاء، ولا كودنة النقلة.
* فمن آثاره المطبوعة، التي اطلعتُ عليها:
1 -
نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد، وهو كتاب بديع للغاية فيه فوائد جسام.
2 -
تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد، وهو فريدٌ في بابه.
3 -
بغية الملتمس في أحاديث مالك بن أنس.
4 -
إجمال الإصابة في أقوال الصحابة، وهو كتاب بديع.
5 -
جامع التحصيل في أحكام المراسيل، وهو في غاية التحرير.
6 -
"النقض الصحيح" ونشر بعنوان: "النقد الصحيح" لما أعترض عليه من أحاديث المصابيح، ومن عجيب ما وقع لمحقق هذا الجزء أنه قال في (ص 16) تحت عنوان: نسبة الكتاب للمؤلف: قال: وقد سبق الزركشي إلى ذكر كتاب العلائي الإمامُ ابن القيم رحمه الله في الكلام على حديث "أقيلوا ذوي الهيآت"، فخلط المحقق بين شرح "عون المعبود" وبين شرح ابن القيم، والذي نقله المحقق ناسبًا إياه لابن القيم إنما هو لصاحب "عون المعبود" فالله المستعان.
* وله مصنفات أخرى كثيرة استوفاها محقق كتاب "نظم الفوائد" الأستاذ كامل شطيب الراوي، وكذا محقق كتاب "تحقيق المراد" الدكتور إبراهيم مُحَمَّد سلقيني.
* وقد كَثُرَ ثناءُ العلماء على العلائي، وتزكيتهم له:
1 -
قال الذهبيُّ في "المعجم المختص": "حافظ يستحضر الرجال والعلل، وتقدم في هذا الشأن مع صحة ذهن وسرعة فهم".
2 -
وقال الأسنوي: "كان حافظ زمانه، إمامًا في الفقه، ذكيًا نظارًا".
3 -
وقال تقي الدين السبكي: "ما أعلمُ أحدًا يصلح لمشيخة دار الحديث غير ولدي عبد الوهاب وشخصٌ آخر غائب عن دمشق". قال عبد الوهاب السبكي: وأكثر الناس لم يفهم القائل وأنا أعرف أنه الشيخ صلاح الدين العلائي.
4 -
وقال ابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة": كان إمامًا حافظًا رحالًا، عارفًا بمذهبه، سمع بالشام ومصر، والحجاز وغيرها.