الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
وقال ابن حجر في "الدرر الكامنة": إنه صنف كتبًا كثيرة جدًا سائرة مشهورة نافعة.
* وقال ابنُ رافع في "معجمه": "قرأت بخط شيخنا العراقي: توفي حافظ المشرق والمغرب صلاح الدين في ثالث المحرم سنة إحدى وستين".
* وتوفي الحافظ العلائي ليلة الاثنين الثالث من شهر المحرم سنة إحدى وستين وسبعمائة بعد حياة حافلة رحمه الله، وتجاوز عنه. حديث القلتين/ 5 - 9
. . . . غُنْدَر = مُحَمَّد بن جعفر الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري
5123 - الفخر الرازي: [
فخر الدين مُحَمَّد بن عُمر بن الحُسين، القرشيُّ البكريُّ، الطّبرَستانيُّ، الأصوليُّ]
* سأل سائلٌ، قال: قرأت في تفسير مفاتيح الغيب للفخر الرازي في أثناء تفسيره لسورة يوسف قوله: "واعلم أن بعض الحشوية (1) روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما كذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات".
فقلتُ: الأولى أن لا نقبل مثل هذه الأخبار.
فقال على طريق الاستنكار: فإن لم تقبلهُ لزمنا تكذيبُ الرواة؟
فقلت له: يا مسكين! إن قبلناه لزمنا (2) الحكمُ بتكذيب إبراهيم عليه السلام، وإن رددناه لزمنا (3) الحكمُ بتكذيب الرواة، ولا شك أن صون إبراهيم عليه السلام عن الكذب أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب". انتهى كلام الفخر الرازي.
(1)(في الأصل الحشرية!).
(2)
(في الأصل: لزمن!).
(3)
(في الأصل: لزمن!).
وسؤالي: هل ما قاله الفخر صحيح مع أنني أعلمُ أن الحديث صحيح وهو في البخاري على ما أذكر؟
* والجواب بحول الملك الوهاب: فاعلم أيها السائل (1) -أيدك الله- أن الجواب من وجوه:
* الوجه الأول: أنه من المتفق عليه عند سائر العقلاء أنه يُرجع في كلام كل علم إلى أهله، ويُقضَى لهم على غيرهم، فيُقضى للمحدثين في الكلام على الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا، ويُقضى للفقهاء في الفقه، وللنحاة في النحو هكذا فإذا علمنا ذلك، فينبغي أن لا يقبل كلام الفخر الرازي في الحكم على الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا، لأنه مزجى البضاعة في الحديث، تام الفقر في هذا الباب، وقد قضى الرجل حياته في محاربة السُّنَّة (2)، ووضع الأصول الفاسدة لردها، وقد اعترف في آخر حياته بندمه على عمره الذي أنفقه في هذا الخطل. قال الذهبيُّ في "سير النبلاء" (21/ 501): وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم، وسحر وانحرافات عن السُّنة، والله يعفو عنه، فإنه توفي على طريقة حميدة والله يتولى السرائر.
* الوجه الثاني: أن الحديث صحيح لا ريب فيه وقد ورد عن أبي هريرة وأنس ابن مالك وأبي سعيد الخدري وغيرهم. . .
* الوجه الثالث: أن العلماء الذين مرَّ عليهم هذا الحديث قبل أن يخلق الفخر الرازي فسروه تفسيرًا مستقيمًا، ولم ينصبوا التعارض فيه بين صدق إبراهيم عليه السلام وصدق الرواة.
فقال الحافظُ في الفتح (6/ 392): "قال ابنُ عقيل: دلالة العقل تصرف ظاهر
(1)(في الأصل: السائلك!).
(2)
(في الأصل: السحت!).
إطلاق الكذب على إبراهيم، وذلك أن العقل قطع بأن الرسول ينبغي أن يكون موثوقًا به، ليعلم صدق ما جاء به عن الله عز وجل، ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه، فكيف مع وجود الكذب منه، وإنما أطلق ذلك عليه لكونه بصورة الكذب عند السامع، وعلى تقديره فلم يصدر من إبراهيم عليه السلام إلا في حال شدة الخوف لعلوِّ مقامه، وإلا فالكذب المحضُ في مثل تلك المقامات يجوز، وقد يجب لتحمل أخف الضررين دفعًا لأعظمهما، وإما تسميته إياها كذبات فلا يريد أنها تذمُّ، فإن الكذب وإن كان قبيحًا مخلا لكنه قد يحسن في مواضع، وهذا منها". انتهى. وهذا ما يسمى عند العلماء بالمعاريض وهي مباحة.
وقد حاول الفخر الرازي عند تفسيره لقوله تعالى: (بل فعله كبيرهم هذا) أن يتخلص من دلالة الآية على معنى التعريض بوجوه ضعيفة، وقد قال (22/ 186) وهو يذكر هذه الكذبات: وإذا أمكن حمل الكلام على ظاهره من غير نسبة الكذب إلى الأنبياء عليهم السلام فحينئذ لا يحكم بنسبة الكذب إليهم إلا زنديق. انتهى.
ونحن نقول له: المسألة لفظية لا حكمية، ولا يوجد مسلم بحمد الله يجرؤ على تكذيب نبيٍّ، ولم يقل بهذا واحد قط فإذا كانت المسألة لفظية فما الذي حمل الفخر الرازي على ردِّ الحديث بمثل هذه الشقاشق؟.
* الوجه الرابع: ". . . أولى من صون طائفة من المجاهيل. .". والمجهول عند أهل الحديث، قسمان: أحدهما مجهول العين، وهو من لم يرو عنه إلا واحد.
والثاني: مجهول الحال وهو من لم يأت فيه توثيق معتبر، فإذا علمت ذلك، فقد روى هذا الحديث أبو هريرة ومحمد بن سيرين والأعرج وأبو الزناد وشعيب
ابن أبي حمزة ومحمد بن إسحاق وورقاء بن عُمر وأيوب السختياني وهشام ابن حسان وعبد الله بن عون وحماد بن زيد وجرير بن حازم وغيرهم ممن ذكرنا فمَنْ مِنْ هؤلاء يمكن إطلاق اسم الجهالة عليه وهم أئمة ثقات معروفون؟! فاللهم غفرًا.
* وللفخر الرازي مواضع في تفسيره أنكر فيها أحاديث صحيحة لعلنا نتعرض لبعضها إن شاء الله. والحمد لله رب العالمين. مجلة التوحيد/ المحرم/ 1425
* [وقام شيخُنا بالرَّدِّ على الفخر الرازي والجويني والزمخشري وأضرابهم، والذين يحاربون السنن، ويضعون الأصول الفاسدة لردِّها، ولا يُسلِّمُون لأمثال البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم؛ وأنه لا يزال في كل عصرٍ من يتبنّى مذهب الفخر الرازي الذي تاب منه وندم عليه في آخر حياته.]
* [وفي سبب نزول قوله تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] قام شيخُنا بتخريجه من طرق كثيرة جدًا ومن حديث عديّ بن حاتم وسهل بن سعد، وردَّ على الفخر الرازي الذي استبعد في "تفسيره" حكاية عديّ بن حاتم في الخيط الأبيض والخيط الأسود والحديث في الصحيحين!!.] تنبيه 2/ رقم 815
[حديث: ابن عبَّاسٍ، قال: لَمَّا أَغرَقَ اللهُ فِرعَونَ، {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90]، قال جبريلُ؛ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"يَا مُحَمَّدُ! لَو رَأَيتَنِي وَأنا أَدُسُّ في فِيهِ مِن حَالِ البَحرِ خَشيَةَ أَن تُدرِكَهُ الرَّحمَةُ". وهو حديثٌ صحيحٌ]
* وبعد كتابَةِ ما تقدَّمَ بزمانٍ وبينما أنا أقرأُ في كتابِ "خواطر دينيَّةٍ"(ص 28)، لأبي الفَضلِ الغُماريِّ، إذ وجدتُه يقولُ: "هذا حديثٌ مُنكَرٌ، وإن كان إسنادُهُ
صحيحًا؛ وجبرِيلُ لا يقُولُ هذا؛ لأنَّهُ نزلَ على أُمِّ مُوسى بقوله تعالى: {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ} [طه: 39]، وهو يعلَمُ أنَّ خَبَر الله لا يتخلَّفُ. ولو سُلِّمَ جَدَلا أنَّ الله أراد قَبُولَ إيمان فِرعَونَ، فلا يستطيعُ جِبريلُ أن يمنَعَهُ بدَسِّ الطِّينِ في فَمِهِ؛ وما كانت وظِيفَتُهُ قطُ مَنعُ قبُولِ الإيمانِ" انتهَى.
* قلتُ: وقد تدبرتُ اعتراضَهُ، فهذا هُو مأخوذ من اعتراضٍ للفَخر الرَّازِيِّ، إذ أَورَدَ في " تفسيره"(17/ 163) سُؤالا، قال فيه:"هل يَصِحُّ أن جِبريلَ أَخَذَ يملأُ فَمَهُ -يعني: فرعونَ- بالطِّين لئلا يتُوبَ؛ غَضَبًا عليه؟ "، ثُمَّ أجاب قائلًا: "الأَقرَبُ أنَّهُ لا يَصِحُّ، لأنَّ في تلك الحالَةِ إمَّا أن يُقالَ: التَّكليفُ كان ثَابِتًا، أو ما كان ثَابِتًا. فإن كان ثابتًا لم يَجُزْ على جبريلَ؛ أن يَمنَعَهُ من التَّوبة، بل يجبُ عليه أن يُعِينَهُ على التَّوبة، وعلى كُلِّ طاعةٍ؛ لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].
* وأيضًا، فلو مَنَعَهُ بما ذَكَرُوهُ لكانت التَّوبَةُ مُمكِنَةً؛ لأنَّ الأخرسَ قد يتُوبُ، بأن يندَمَ بقلبِهِ وَيعزِمَ على تَركِ مُعاوَدَةِ القَبيحِ، وحينئذٍ لا يَبقَى لما فَعَلَهُ جِبريلُ فائدةٌ.
* وأيضًا، لو مَنَعَهُ من التَّوبة لكان قد رَضِي ببقائِهِ على الكُفرِ، والرِّضا بالكُفرِ كُفرٌ. وأيضًا، فكيف يليقُ بالله تعالى أن يقُولَ لمُوسَى وهارُونَ عليهما السلام:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]، ثُمَّ يأمرُ جبريلَ؛ بأن يمنَعَهُ من الإيمان.
* ولو قِيلَ: إنَّ جبريلَ إنَّمَا فَعلَ ذلك مِن عِندِ نَفسِهِ، لا بأمرِ الله تعالَى، فهذا يُبطلُهُ قولُ جِبريلَ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ
{ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]، وقولُه تعالى في صِفَتِهِم:{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28]، وقولُه:{لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27].
* وأمَّا إن قيل: إنَّ التَّكَليفَ كان زائلا عن فِرعَونَ في ذلك الوَقتِ، فحينئذٍ لا يَبقَى لهذا الفعلِ الذي نُسبِ جبريلُ إليه فائدة أصلًا" انتهَى.
* قلتُ: وهذه طريقةٌ للفَخرِ الرَّازِيِّ في الاعتراض على صَحِيحِ الأخبارِ، إذ يُورِدُ عليها مِثلَ هذه الشُّبُهاتِ، ولا يَجتَهِدُ في البَحث عن مخَارج مقبُولَةٍ.
* وقد أبنتُ عن طريقَتِه هذه في كتابي "قَوَادِمُ البَازِي المُنقَضِّ على تفسِيرِ الفَخرِ الرَّازِي". ومنه أنقُلُ هذا الرَّدَّ؛ لأنه لم يُطبَع بعدُ.
* فقد أجابَ العُلماءُ عن هذا الاعتراضِ، منهُمُ الخازِنُ في "تفسيره"، فقال مُجِيبًا -كما في "تحفَة الأَحوَذِي" (8/ 527 - 528) -:
* "إنَّ الحديثَ قد ثَبَتَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلا اعتراضَ عليه لأحدٍ.
* وأمَا قولُ الإمامِ: "إنَّ التَّكَليفَ هل كانَ ثابتًا في تلك الحالةِ أم لا؟ فإنْ كانَ ثابتًا لم يَجُزْ لجبريلَ أن يَمنَعَهُ من التَّوبةِ"، فإنَّ هذا القولَ لا يَستقِيمُ على أَصلِ المُثبِتينَ للقَدَرِ، القَائِلينَ بخَلقِ الأَفعالِ لله، وأنَّ الله يُضِلُّ مَن يشاءُ، ويَهدِي من يَشاءُ. وهذا قَولُ أهلِ السُّنَةِ المُثبِيينَ للقَدَرِ، فإنَّهُم يقولُون إنَّ الله يَحُولُ بين الكافر والإيمانِ، ويدُلُّ على ذلك قولُه تعالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24]، وقولُهُ تعالى:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 155]، وقال تعالى:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110]، فأخبَرَ اللهُ تعالى أنَّهُ قلَّبَ
أفئِدَتَهُم مِثلَ تَركِهِم الإيمان أوَّلَ مرَّةٍ. وهكذا فَعَل بفرعونَ، مَنعَهُ من الإيمانِ جزاءً على تَركِهِ الإيمانِ أوَّلا.
* فدَسُّ الطِّينِ في فِيّ فرعونَ من جِنسِ الطَّبعِ والخَتْمِ على القَلبِ، ومَنعِ الإيمانِ، وصَونِ الكَافِرِ عنه، وذلك جزاءً على كُفرِهِ السَّابِقِ. وهذا قولُ طائفةٍ من المُثبِتِينَ للقَدَرِ، القَائِلِينَ بخَلقِ الأفعالِ لله.
* ومن المُنكِرِينَ لخَلقِ الأَفعَالِ مَن اعتَرَف أيضًا أنَّ اللهَ يَفعَلُ هذا عُقوبَةً للعبد على كُفرِهِ السَّابِقِ، فيَحسُنُ مِنهُ أن يُضِلَّهُ، ويَطبَعَ على قَلبِهِ، وَيمنَعَهُ من الإيمانِ.
* فأمَّا قِصَّةُ جِبريلَ فإنَّها من هذا البابِ، فإنَّ غايَةَ ما يُقالُ فيه إنَّ اللهَ مَنَع فرعونَ من الإيمانِ، وحالَ بَينَهُ وبَينَهُ؛ عُقُوبةً له على كُفرِهِ السَّابقِ وردِّهِ للإيمانِ لمَّا جاءَ.
* وأمَّا فِعلُ جبريلَ مِن دَسِّ الطِّين فإنَّما فَعَل ذلك بأمر الله، لا مِن تِلقاءِ نَفسِهِ.
* فأمَّا قولُ الإمامِ: "لم يَجُزْ لجبرِيلَ أن يَمنَعَهُ من التَّوبة، بل يَجِبُ عليه أن يُعِينَهُ عليه، وعلى كُلِّ طاعةٍ"، هذا إذا كان تَكلِيفُ جِبريلَ كتَكلِيفِنَا، يجبُ عليه ما يَجِبُ علينا، وأمَّا إذا كان جبريلُ إنما يَفعَلُ ما أَمَرَهُ اللهُ به، واللهُ هو الذي مَنَع فرعونَ من الإيمانِ، وجبريلُ مُنَفِّذٌ لأمر الله، فكيفَ لا يجُوزُ له مَنعُ مَن مَنَعَهُ اللهُ من التَّوبة؟ وكيف يَجِبُ عليه إعانةُ مَن لم يُعِنهُ الله؟ بل قَد حَكَم عليهِ وأخَبَر عَنهُ أنَّهُ لا يُؤمِنُ حتَّى يَرَى العذابَ الأليمَ حِينَ لا يَنفَعُهُ الإيمانُ؟
* وقد يُقالُ: إنَّ جبريلَ إمَّا أن يتصرَّفَ بأمرِ الله فلا يَفعَلُ إلا ما أمَرَ اللهُ بِهِ، وإمَّا يَفعَلُ ما يشاءُ مِن تِلقاءِ نَفسِهِ، لا بأمرِ الله، وعلى هَذَين التَّقدِيرَينِ فلا يَجِبُ عليه إعانةُ فِرعونَ على التَّوبةِ، ولا يَحرُمُ عليه مَنعُهُ مِنهَا؛ لأنَّه إنَّما يَجِبُ عليه