الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
في الفرق بين المطلق والعام
اعلم ان كل شيء، فله حقيقة، وكل أمر يكون المفهوم منه مغايرا للمفهوم من تلك الحقيقة، كان، لا محالة، أمرا اخر سوى تلك الحقيقة، سواء كان ذلك المغاير لازما لتلك الحقيقة أو مفارقا، وسواء كان سلبا، أو ايجابا:
فالانسان من حيث أنه إنسان، ليس إلا أنه إنسان: فإما أنه واحد، أو لا واحد، أو كثير، أو لا كثير: فكل ذلك مفهومات منفصلة عن الانسان؛ من حيث إنه إنسان، وإن كنا نقطع بأن مفهوم الإنسان لا ينفك عن كونه واحدا، أو لا واحدا.
إذا عرفت ذلك، فنقول: اللفظ الدال على الحقيقة؛ من حيث إنها هي هي، من غير أن تكون فيها دلالة على شيء من قيود تلك القيقة سلبا كان ذلك القيد، أو إيجابا، فهو المطلق.
وأما اللفظ الدال على تلك القيقة، مع قيد الكثرة: فإن كانت الكثرة كثرة معينة؛ بحيث لا يتناول ما يزيد عليها - فهو اسم العدد، وغن لم تكن الكثرة كثرة معينة - فهو العام.
وبهذا التحقيق؛ ظهر خطا من قال: " المطلق هو الدال على واحد، لا بعينه " فإن كونه واحدا وغير معين، قيدان زائدان على الماهية، والله أعلم.
المسألة الثالثة
في الفرق بين المطلق والعام
قال القرافي: قوله: " المغاير قد يكون لازما، أو مفارقا، سلبا، او إيجابا ": مثال اللازم: الضحك بالقوة؛ بالنسبة إلى الإنسان.
مثال المفارق: الضحك بالفعل.
مثال السلب: كون الإنسان لا واحدا ولا كثيرا؛ فسلب الوحدة والكثرة غير مفهوم الإنسان.
مثال الإيجاب: الضحك بالفعل.
قوله: " اللفظ الدال على الحقيقة من حيث إنها هي هي؛ من غير أن يكون فيها دلالة على شيء من قيود تلك الحقيقة ".
قلنا: الحقيقة المفيدة قد يوضع لها لفظ مفرد يدل عليها مع قيدها، كالحيوان المقيد بالناطق؛ وضع له لفظ الإنسان، وكذلك كل نوع، فهو الجنس مقيدا بفصله، ومع ذلك فله لفظ واحد دال عليه وهو مطلق؛ فدلالة لفظ (الماهية) قد يدل على قيودها التي هي أجزاؤها ضمنا، ويصدق عليها أنها قيودها، ومع ذلك فهو مطلق، فاشتراط عدم الدلالة مطلقا على القيود، كيف كانت - لا يتجه؛ حتى يصرح بالقيود الخارجية.
قوله: " والدلالة على الحقيقة مع كثرة معينة، بحيث لا يتناول ما بعدها. فهو اسم العددد ".
قلنا: هذه العبارة تقتضي أن تكون أسماء الأعداد دالة على المعدودات مع العدد.
فإن قولكم: إن دل على الماهية مع الكثرة يقتضي أن الماهية داخلة في مدلول لفظ العدد تضمنا، وليس كذلك؛ فإن ألفاظ الأعداد وضعت لتلك
الرتبة المعينة من العدد مع قطع النظر عن المعدودات؛ فإن العشرة مثلا وضع لمجموع الخمستين كانت الخمستان، أي معدود كان، موجودات أو معدومات، جمادات أو حيوانات، ولم يقصد بلفظ العشرة غلا تلك المرتبة الخاصة، مع قطع النظر عن المعدود بها ما كان، أي شيء كان بالماهيات المعدودات، لم يدخل في مسميات ألفاظ العدد ألبتة؛ بل ينبغي أن يقال: إن وضع اللفظ للكثرة المحصورة، فهو اسم العدد، فلا يذكر الماهيات أصلا، بل مراتب العدد فقط، ثم إن جميع ما ذكره ينتقض بمجموع القله، وقد تقدم نظم المكسر منها، مع السلامة في بيت شعر، فإنها تدل على كثرة معينة، وهي الثلاثة أو الاثنان؛ على الخلاف في أقل الجمع، ولا يتناول ما بعدها، وكذلك جموع الكثرة، إذا قلنا: إن أقل مراتب مدلولها أحد عشر؛ على رأي الأدباء، أو الاثنان، والثلاثة؛ على رأي الأصوليين؛ فإن اللفظ دل على هذا العدد المعين، ولم يتناول ما بعده؛ لأن المعنى بالتناول الدلالة والإفادة والفهم عند السماع، وهو منفي في الزائد؛ إجماعا في الجموع النكرات، إلا ما شذ من قول بعضهم.
قوله: " وإن لم تكن الكثرة معينة، فهو العام ":
يريد بالتعيين المسكوت (عنه) هاهنا مرتبه معينة بكونها مسلوبة النهاية، وهذا نوع من التعيين، فإن ما لا يتناهى يمتاز، ويتعين بسلب النهاية عن المتناهى، ثم إن اللفظ الذي يتخيل وضعه للماهية يفيد كثرة غير متناهية تصدق بطريقين:
أحدهما: أن يكون موضوعا لمجموع هذا المفهوم، أي: الكل من حيث هو كل.
وثانيهما: أن يكون وضع له بمعنى الكلية، وهذا هو الذي ينطبق على معنى العموم، والأول مندرج في عبارته، وليس للعموم مرد عليه، ويرد عليه أيضا أن الواضع لو قال:" وضعت هذه الصيغة للماهية " يفيد كثرة لا