الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للتكرار، وهو لايقول به؛ لأن النهي يجب أن يكون للتكرار، ومتى دام إجتناب الضد وجب دوام فعل الضد الآخر.
جوابه: أن النهي ليس للتكرار - كما سيأتي اختياره فيه إن شاء الله تعالى.
سلمنا أنه للتكرار، لكن القاعدة أن أحكام الحقائق التي ثبتت لها حالة الإستدلال لا يلزم أن يثبت لها حالة التبعية - كما تقدم في هذه المسألة، فلا نعيده.
(سؤال)
قال النقشواني: يلزمه أن الامر للفور، وهو لا يقول به
؛ لأن الإنتهاء عن المنهي عنه على الفور، فإذا وجب ترك الضد في الحال وجب فعل الضد الآخر في الحال، فيكون الأمر للفور لا للفور، وهو جمع بين النقيضين.
جوابه: ماتقدم في السؤال الذي قبله.
(تنبيه)
زاد سراج الدين وغيره فقال: الأمر بالشيء نهي عن ضده، ولم يذكر النقيض
، وقال: لقائل أن يقول: لا نزاع في أن الدال على إيجاب الفعل دل على المنع من الترك تضمنا، بل النزاع في الدلالة على المنع من أضداده الوجودية.
فالدليل المذكور نصب لا في محل النزاع مع إمكان نصبه فيه، ووافقه (المنتخب) و (التنقيح) في التصريح بالضد دون النقيض الذي صرح به في (المحصول)
وقال تاج الدين: الأمر بأحد النقيضين نهى عن الآخر.
وزاد التبريزي فقال: لا يتحقق هذا الخلاف في كلام الله تعالى فإن جمهور مثبتي كلام النفس مطبقون على أن كلام الله تعالى واحد، وهو أمر، ونهي، وخبر، وإستخبار، ووعد ووعيد، وإستفهام إلى جميع الأقسام الواقعة في الكلام، فهو تعالى آمر بعين ماهو ناه به، ولا في أن قول القائل (تحرك) هو عين قوله:(لا تسكن)، وإنما النظر في أن قوله:(افعل) وما يتضمنه على خلاف فيه طلب الفعل، فهل هو أيضاً طلب لضده أم لا؟
قال القاضي: هو بعينه طلب ترك الضد، فهو طلب واحد بالإضافة إلى جانب الفعل (أمر) وبالإضافة إلى جانب الضد (نهى).
وقال بعضهم: ليس هو عينه، ولكنه متضمنه، وهو إختيار صاحب الكتاب، والذي عليه جمهور المحققين من أصحابنا.
ومن المعتزلة: أنه لا يتضمنه، ولا يستلزمه.
والدليل عليه أمران:
أحدهما: أن النهي طلب، كما أن الأمر طلب، وتعلق الطلب بغير المعلوم محال، فقد يغفل الآمر بالشيء حالة الأمر به عن أضداده، بل الإحاطة بجميع أضداده تخالف العادة، ثم على تقدير حصول الضد، فتركه في المعقولية متميز عن فعل المأمور به، فمتعلق الأمر هو وجه المأمور به، لا وجه ترك ضده، وتلازمهما في الوجود من أحد الطرفين لا يوجب تعلق ذلك الطلب به، كما في العلم، ولا تعلق طلب آخر به، ولا كراهة لعدمه
الذي هو فعل الضد؛ اذ لو كان كذلك لكان تارك المأمور بضد من أضداده ممتثلا بوجوه، على عدد تلك الأضداد وهو محال، فإن أخذ في متعلق الطلب كونه تاركا للضد بفعل المأمور به؛ لئلا يكون ممتثلا بمجرد ترك كل ضد، فنقول وجه المأمور به مستقل يتعلق الطلب به قولا وقصدا، فما وراءه من ترك الضد لو كان متعلقا لكان مستقلا، ولزم الإشكال، ثم لا مستند لتوهم شمول التعلق له إلا الملازمة في الوجود من أحد الطرفين، وهو منقوض بجميع لوازم الوجود وتوابعه.
قال: وقوله: "الطلب الجازم من ضرورية المنع من الإخلال"
كيف يستقيم من تسليمه جواز الأمر بالنقيضين، فإنه يؤدي إلى اجتماع الطلب والمنع في كل نقيض، وهو جمع بين الضدين، قال: وقوله: "المنع من الإخلال جزء ماهية الإيجاب".
قلنا: فيجب أن يتعلق بما يتعلق الإيجاب به الذي هو الطلب الجازم؛ فإن جزء ماهية المتعلق يجب أن يتعلق بمتعلق الماهية، ومتعلق الطلب الجازم هو الفعل، فيلزم أن يكون متعلق المنع أيضا هو الفعل، وهو محال، فلا معنى للمنع من الإخلال إلا غير ذلك للطلب؛ فإن المنع من الشيء بمعنى الضد قد يكون بمنع يقوم به، وقد يكون بلزوم يتعلق بضده أو نقضيه، ويسمى أيضا منعا.
قال: وقوله: "يجوز أن يكون الأمر بالشيء نهيا عن ضده بشرط عدم الغفلة".
قال: فإن قلنا: إذا شرطنا في ثبوته أمرا آخر ثبت أنه ليس عينه، ولايتضمنه، ولا يلازمه وهو المدعى، قال: فإن قلت: ناقضت قولك: "ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب"؛ لأن الواجب لايتم الا بترك ضده.
قال: قلنا: بل هي مزلة قدمزل فيها من بنى تلك المسألة على تلك.
ويندفع الإشكال بوجهين:
أحدهما: هو أنه ما لا يتم الواجب الا به وسيلة للواجب، لازم التقديم عليه، فيجب التوصل به الى الواجب لئلا يعتقد أن حالة عدم المقدمة هو خال عن التكليف؛ لزعمه بأن الأصل ممتنع الوقوع، وهو غير مكلف بالمقدمة.
قال: فقلنا: هذا غلط، بل أنت قادر عل تحصيل الأصل بتقديم هذه المقدمة فعليك فعلها، فكان إيجاب المقدمة تحقيقا لإيجاب الأصل مع تقدير عدم المقدمة وترك الضد، أم يتبع حصوله حصول المأمور به من غير قصد، ولا شعور من الفاعل، ولا تشوق من الأمر، فكيف يقاس عليه؟!
الثاني: هو أنالا نقول: إنه مأمور به، بل نقول: هو واجب، ولهذا لا يوجب إرتباط القصد به في العبادات، فلا يوجب على الصائم قصد إمساك جزء من الليل، ولا على غاسل الوجه نيه غسل جزء من الراس، ولا نقول أيضا بأنه وجب بإيجاب الأصل، بل بدليل آخر، إيجاب الأصل إحدى مقدمتيه على حسب وجوب العزم.
ونقول أيضا: ترك الضد واجب، وفعل الضد حرام، لكن لا من حيث هو فعل الضد، بل من حيث هو ترك المأمور به لئلا يلزمنا فضائح الكعبي.
الأمر الثاني: هو أن ارتكاب هذا المذهب يؤدي إلى محالات.
أحدها: أنه يستحيل لهما أمره بفعل على الفور على وجه لا يسقط بخروج أول زمان الإمكان أن يأمره قبل فعله بما لا يمكن الجمع بينهما؛ لأن الأمر بكل واحد منها نهي عن الآخر، فيكون آمرا بالشيء وضده، ناهيا عنهما في حال واحدة، حتى لو ترك صلاة واحدة سقطت عنه التكاليف بأسرها: لأنه بالأمر بالقضاء منهي عن سائر العبادات.
وثانيها: ان يتعذر الجمع بين اعتبار جهتي الفعل كالصلاة في الدار
المغصوبة؛ فإن التكليف بكل واحدة يتناول الأخرى ضرورة الملازمةفي الوجود، فإن اجتمعا تناقضا، وإن تساقطا - أو أحدهما - تعذر الجمع بين حكمهما.
ويستدل على صحة الثالث: أن يكون كل مباح حراما إذا ترك به واجبا، أو واجبا اذا ترك به حراما أبدا، كما صار إليه الكعبي.
قلت: كلام التبريزي فيه مواضع يحتاج للكلام عليها.
أحدها: قوله: إن كلام النفس يدخله الإستفهام، وجميع أنواع الإستفهام ليس كذلك، بل المتفقون على كلام النفس إتفقوا على إستحالة الإستفهام فيه في حق الله تعالى فإن الإستفهام طلب الفهم، وهو على الله تعالى محال، وإنما تدخل صورة الإستفهام في لفظ القرآن دون كلام النفس، فتناوله العلماء إلى النفي الصرف، أو الإثبات الصرف، أو التهديد إلى غيره مما هو مذكور في كتب التفاسير، وكذلك الترجي والتمني، ونحوهما من أنواع الكلام، وهي مستحيلة على الله تعالى، بل الذي في كلام النفس الطلب والتخيير، والخبر، فيشمل الطلب: الواجبات، والمندوبات، والمحرمات، والمكروهات والتخيير والإباحة.
والخبر يشتمل: الوعد والوعيد، والبشارات، والنذارة، وإسنادات الأحكام إلى المحكوم عليها، كيف كانت واجبة، أو ممكنة، أو مستحيلة.
وثانيها: قوله: الله تعالى أمر بعين ما هو ناه عنه قد تقدم أنه غيره باعتبار المتعلق، وعينه باعتبار المتعلق فأمكن المنع على أحد الوجهين.
وثالثها: قوله: "إن الآمر قد يغفل"قد تقدم الكلام عليه في كلام المصنف، وان الغفلة لا تقدح في الطلب على سبيل الإجمال.
ورابعها: قوله: "تلازمهما في الوجود لا يوجب تعلق ذلك الطلب به كما في العلم".
يعني: أن العلم قد يتعلق بشيء، وله لازم في الوجود، ولا يتعلق به العلم، كما يتعلق بوجود كثير من الحقائق في الوجود لازمها في الوجود أحكام وخواص وآثار، ونحن لا نعلمها.
ويرد عليه: أن العلم بالملزوم لا يوجب العلم باللازم الخارجي؛ لأنه لايوجب لتلازم العلمين، أما إذا حصل الشعور بالمطلوب، وما يتوقف عليه، وما هو ضده، فالتلازم بين الطلبين يحصل لأجل أمر ثالث وهو الشعور بالأمرين، بخلاف العلمين لا موجب لتلازمهما، وكذلك يتلازم الطلب وكراهة الضد عند الشعور بالضد لأجل الشعور.
وإستشهاده بالعلم غير متجه لعدم الموجب فيه.
قوله: "لو كان الأمر كذلك لكان تارك المأمور يعد ممتثلاً بوجوده على عدد تلك الأضداد، وهو محال".
قلنا: وما المانع في قول القائل: إجلس في البيت، فترك المأمور به، وجلس في السوق أن يكون عاصياً بترك المأمور به الذي هو الجلوس في البيت، ومطيعاً بترك الجلوس في الحمام وقارعة الطريق، ومعاطن الإبل، وجميع البقاع التي تضاد الجلوس في البيت الجلوس فيها، وقد نهاه عن الجلوس فيها، وقد اجتنب تلك المنهيات بجلوسه في السوق، ولا غرو أن يكون مطيعاً وعاصياً في هذه الحالة من وجهين.
سلمنا أنه لايكون مطيعاً بترك الأضداد، لكن قد ينهى عن الشيء، ولا يكون مطيعاً بتركه إذا لم تحصل تلك المصلحة التي لأجلها ورد النهي؛ فإنه في جلوسه في السوق لم تحصل مصلحة الجلوس في البيت، وهو مجاهد في المخالفة، عازم على ترك ما كلف به مقتحم للمعصية، فلذلك عصّيناه مطلقاً، بخلاف من مشى للجمعة ففاتته، أو الحج، فإنه سعى في الطاعة
ففاتت، وكانت مساعيه على وفق الأمر عادة فيثاب، وإن فاتت المصلحة؛ لأجل أنه ساعٍ في الطاعة عادة، بخلاف الجالس في السوق لا يعد في العادة إلا معرضاً.
وخامسها: قوله "وجه فعل المأمور به مستقل بتعلق الطلب قولاً وقصداً ":
قلنا: ذلك ممنوع، بل لا يتصور الطلب مع القصد للمأمور به، وهو مشعر بالضد ولا يقصد، فلا يستقل القصد، وكذلك لا يستقل اللفظ؛ لأن دلالة الالتزام على الضد ملازمة لدلالة اللفظ مطابقة على المأمور به، فلا يصادر على ذلك.
وسادسها: قوله: "كيف يستقيم قول المصنف: الطلب الجازم من ضروراته المنع مع تسليمه الأمر بالنقيضين".
قلنا: يستقيم لأن تجويزه ذلك إنما هو باعتبار الأحكام الربانية، لا باعتبار الأوضاع اللغوية، فهو يدعي أن اللفظ وضع لمعنى المنع جزؤه، ولا تناقض بين الوضعين، إذ الوضع اللغوي ليس واقعاً على كل ما هو جائز في الأحكام الإلهية، بل العرب إنما وضعت الألفاظ لما يمكن طلبه عادة.
سلمنا: إتحاد البابين، لكن التجويز لا يلزم منه الوقوع، فقد يجوز الشيء، ويكون الواقع خلافه كما يجوز في كل لفظة أن تكون موضوعة لغير مسماها ومع ذلك، فالواقع خلافه.
وسابعها: قوله: "يلزم المصنف على أن المنع من الإحلال جزء ماهية الإيجاب أن يتعلق ذلك الجزء بما يتعلق الإيجاب؛ لأن جزء المتعلق متعلق بما تعلق المتعلق الذي هو مركب من ذلك الجزء وغيره، كما أن جزء الخبر عن قيام زيد خبر عن قيام زيد، فإن قيام زيد فيه مطلق الخبر، وخصوص هذا الخبر، فيلزم أن يكون المنع متعلقاً بالفعل، فيكون الفعل مطلوباً، محرما، وهو محال".
قلنا: لا نسلم أن جزء الطلب يلزم أن يكون مطلوبه ومتعلقه مطلوب الطلب الذي هو المركب منه ومن غيره؛ لأن أحكام المركبات لا يلزم أن تثبت لأجزائها كما أن العشرة زوج الخمسة، ليست زوجاً، وهو كثير، فلم قلتم: إن ذلك لازم في هذه الصورة، كما نقول: هل قام زيد إستفهام وطلب؟ وجزؤه الذي هو قام زيد لا طلب فيه، فكما تصورنا عروّ الخبر عن الطلب مع أن المركب طلب، فلنتصور أنه طلب لشيء آخر، وهو ترك الضد.
وثامنها: قوله: "أنا لا نقول: ما يتوقف عليه الواجب مأمور به، بل واجب".
قلنا: الواجب متعلق به الوجوب، ولا نفي بالوجوب إلا الأمر، ولا المأمور به إلا الواجب، فإن الوجوب إن جعل كلاماً نفسيا كان الأمر كذلك، وهو هو، أو لسانياً كان الأمر كذلك، وهو هو.
وأما استدلاله بعدم اشتراط النية فسيأتي في أن المأمور به يتوقف على القصد إليه الجواب عن ذلك إن شاء الله تعالى.
وتاسعها: قوله: "يلزمنا فضائح الكعبي"، يريد الأسئلة الواردة عليه في أن المباح واجب، وسيأتي إن شاء الله تعالى
وعاشرها: قوله: "يستحيل مهما أمره بفعل على الفور إلى آخره".
معناه: أن يقول له: اجلس في البيت على الفور، فأخر الجلوس في البيت زمانا يمكنه أن يجلس، فيستحيل أن يأمره في زمان عدم جلوسه في البيت الذي أخلاه من الجلوس في البيت بأن يجلس في السوق، فيكون الأمر بالبيت نهيا عن السوق، وبالسوق نهيا عن البيت؛ لأنهما ضدان، فيكون آمراً بهما، وناهياً عنهما، وهو محال.
وجوابه: أنه إنما يستحيل ذلك إذا اتحد الزمان، أما إذا أخر الجلوس في البيت انتقل الأمر به إلى زمان آخر، فإذا قال له: اجلس في السوق كان هذا أيضاً مخصصاً لما فهم من دلالة الالتزام، ويصير هذا الضد غير منهي عنه، بل يصير أمره بالجلوس فيهما، ولو قال ذلك ابتداء لم يسمع، فكذلك إذا أتى به بعد الآخر، فإذا صار التخصيص في دلالة المطابقة، فأولى أن يجوز في دلالة الالتزام، وبه يظهر الجواب عن قوله:"إذا ترك صلاة واحدة سقطت عنه التكاليف كلها"
بل نقول: تخصيص دلالة الإلتزام بها، ولا محال حينئذ، وبه يظهر الجواب عن قوله في:"الصلاة في الدار المغصوبة"؛ فإن وجوب الصلاة وإن اقتضى منع الخروج من الدار، وتحريم الكون في الدار، وإن اقتضى عدم الصلاة؛ لأنه ينافيه، لكن في كل واحد منهما وجهان، فالغصب حرام من جهة أنه استيفاء لمنافع الغير، ويقتضي منع الصلاة من هذا الوجه، وتكون الصلاة واجبة من وجه آخر، وهو وجه العبادة، والصلاة مأمور بها من جهة أنها عبادة، فتقتضي المنع من الخروج من الدار المغصوبة، فيكون الخروج عنها مأموراً به من هذا الوجه، ومنهيا عنه من جهة أنه استيفاء لمنافع الغير، ولا تناقض من اجتماع الضدين، بل النقيضين باعتبارين، هذا إن فرض الوقت مضيقاً في الصلاة، وإلا فلا نسلم أن الأمر بها يقتضي المنع من الخروج، بل الخروج واجب، ويصلى بعد