الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
احتجوا: أن التكليف بالعبادة البدنية ابتلاء وامتحان، وهو مطلوب الشرع؛ لما فيه من كسر النفس الأمارة بالسوء وقهرها لكونها عدوة الله تعالى، وذلك يمنع النيابة، كما لا تدخل النيابة في عوارض النفوس من الإكرام واللذات.
والجواب: أن التكليف بأحد الأمرين امتحان أيضا.
(مسألة)
قال القاضي عبد الوهاب المالكي في كتاب (الملخص): يجوز تقديم الأمر على زمن المأمور
، والخلاف في أربعة أوجه:
الأول: وجوب تقديم الأمر على وقت المأمور.
والثاني: تقدمه لا يخرجه عن أن يكون أمرا، وإن كان إعلاما وإنذارا.
والثالث: وجوب تعلق الامر بالفعل حالة إيجاده.
والرابع: في مقدار ما يتقدم الأمر به على الفعل من الأوقات.
ولا خلاف بين الكل من أصحابنا في وجوب تعلق الأمر بالفعل حالة وقوعه ومقارنته.
وقال المعتزلة والقدرية: لا يتعلق الأمر قبل وقوعه.
وأما تقدم الأمر نفسه على وقت المأمور فقال كثير من شيوخنا: الأمر على الحقيقة الذي هو الإيجاب والإلزام لا يتقدم على وقت الفعل، فالتقدم إعلام وإنذار، والأمر حقيقة ما قارن الفعل.
واختلف المعتزلة في مقدار ما يتقدم بعد اتفاقهم معنا على وجوب تقدمه في وقت يحصل فيه للمأمور فهمه.
[ص 1656]
فمنهم من قال: لا يجوز تقدمه عليه بأوقات كثيرة، بل بوقت واحد، إلا لمصلحة.
ومنهم من شرط لتقدمه شروطا: من كون تقدمه صالحا للمكلف، أو لغيره، وكون المكلف في جميع تلك الأوقات حيا، سليما، قادرا، مستجمعا لجميع شرائط التكليف.
والذي اختاره القاضي أبو بكر: أنه يجب تقدمه على الفعل بوقتين: وقت لاستكمال سماعه، ووقت لحصول العلم بالمراد منه؛ لأن وقوع الفعل في حالة السماع محال؛ لأن الدليل يتقدم على المدلول.
ودليلنا على تسميته أمرا: إجماع الأمة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الأمة الآتية بعده بالعبادات وغيرها ولم يزل الناس يكتفون بالأوامر السابقة المتقدمة على زمان الفعل، ولا يحتاجون إلى تجديد أمر آخر - يؤكده.
ويأمر الإنسان بوصاياه بما يعمل بعد موته.
ولنا على جواز تقدمه على زمان الفعل بالأزمنة الكثيرة إجماع الأمة على الأمر بالموت على الإسلام، وتقدمت أوامره عليه السلام على أفعالنا.
احتجت المعتزلة: بأن تقدمه عري عن الفائدة، فيكون عبثا فلا يجوز.
قلت: هذه المسألة قد تقدم منها جزء فهرس عليه الإمام بقوله: " إنما يصير مأمورا حالة الملابسة، والتقدم قبل ذلك إنما هو إعلام لا أمر " وما زلت أنا ومن رأيته نستشكل كلامه في قوله: (إعلام) حتى رأيت هذا الفعل معزوا لغيره، وأنه قد تقدمه فيه سلف، فسهل الحال، وعلم أن كلامه من كلام من تقدمه من العلماء، ولعله من هذا الكتاب؛ فإنه قد نقل عنه تاج الدين الأرموي أنه كثير الملازمة له والمطالعة فيه، وأخبرني بذلك من نقله لي غير تاج الدين من المعدول الثقات أنه كان يعتني به ويطالعه؛ فإنه كتاب حسن.
[ص 1657]