الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
تكليف الغافل غير جائز للنص والمعقول
قال الرازي: أما النص: فقوله عليه الصلاة والسلام: (رفع القلم عن ثلاث).
وأما المعقول: فهو: أن فعل الشيء مشروط بالعلم به، إذ لو لم يكن كذلك، لما أمكننا الاستدلال بالأحكام على كون الله تعالى عالما، وإذا ثبت هذا، فلو حصل الأمر بالفعل حال عدم العلم به، لكان ذلك تكليف ما لا يطاق.
واعلم أن الكلام في هذه المسألة يتفرع على نفي تكليف ما لا يطاق.
فإن قيل: لا نسلم أن فعل الشيء مشروط بالعلم به، فإن الجاهل قد يفعله على سبيل الاتفاق.
فإن قلت: " الاتفاقي لا يكون دائما، ولا أكثريا ".
قلت: لا نسلم؛ فإن حكم الشيء حكم مثله، فلما جاز وجود الفعل مع عدم العلم به مرة واحدة؛ جاز أيضا ثانية وثالثة، فيلزم إمكان ذلك في الأكثر، ودائما.
وإذا جاز ذلك، فلا استحالة في أن يعلم الله تعالى وقوع هذا الجائز في بعض الأشخاص.
وإذا علم الله تعالى ذلك منه، لم يكن تكليفه بالفعل حالما لا يكون المكلف عالما به - تكليف ما لا يطاق، سلمنا ذلك؛ لكنه معارض بأمور:
أحدها: أن الأمر بمعرفة الله تعالى وارد، فإما أن يكون ذلك الأمر واردا بعد حصول المعرفة؛ وذلك محال؛ لأنه يلزم الأمر: إما بتحصيل الحاصل، أو
بالجمع بين المثلين، وهو محال، أو قبل حصول المعرفة، لكن المأمور قبل أن يعرف الأمر، استحال منه أن يعرف الأمر، فإذن قد توجه التكليف عليه حالة ما لا يمكنه العلم بذلك، وهو المطلوب.
الثاني: أن العلم بوجوب تحصيل معرفة الله تعالى ليس علما ضروريا لازما لعقول العقلاء وطباعهم، بل ما لم يتأمل الإنسان ضربا من التأمل لا يحصل له العلم بالوجوب، فنقول:
علمه بوجوب الطلب: إما أن يحصل قبل إتيانه بالنظر، أو بعد إتيانه به:
فإن حصل قبل إتيانه بالنظر، وهو قبل إتيانه بالنظر لا يمكنه أن يعلم ذلك الوجوب؛ لأن العلم بالوجوب مشروط بالإتيان بذلك النظر، وقبل الإتيان بذلك النظر، لو وجب عليه ذلك، لوجب عليه في وقت لا يمكنه أن يعلم كونه واجبا عليه، وذلك هو تكليف الغافل.
وإن حصل بعد إتيانه بالنظر، فبعد الإتيان بالنظر، حصل العلم بالوجوب؛ فلو وجب عليه في هذا الوقت تحصيل العلم بالوجوب، لزم: إما تحصيل الحاصل، أو الجمع بين المثلين.
الثالث: أن الصبي، والمجنون، والنائم غافلون عن الفعل، ثم إن أفعالهم توجب الغرامات والأروش.
الرابع: قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} [النساء: 43] خاطب السكران، والسكران غافل، فثبت أنه يجوز خطاب الغافل.
والجواب: نحن لا ندعي أن وقوع الفعل من العبد مشروط بعلمه به، بل ندعي أن اختيار المكلف فعلا معينا لغرض الخروج عن عهدة التكليف مشروط بالعلم به؛ وهذا معلوم بالضرورة، ولا يقدح فيه ما ذكرتموه.
وأما المعارضة الأولى: فقد تقدم ذكرها في مسألة تكليف ما لا يطاق.
وأما الثانية: فمن الناس من زعم أن العلم بوجوب النظر ضروري، وهذا ضعيف؛ لأن العلم بكون النظر في الإلهيات مفيدا للعلم، وبكونه معينا في ذلك من أغمض المسائل وأدقها؛ لأن جمهور العقلاء، وإن ساعدوا على كون النظر مفيد للعلم في الجملة، كما في الحسابيات، والهندسيات، لكنهم نازعوا في كون النظر مفيدا للعلم في الإلهيات، وزعموا أن النظر فيها لايفيد إلا الظن.
ومن سلم ذلك، فقد قالوا: كما أن النظر يفيد العلم، فغيره أيضا قد يفيده؛ وهو تصفية الباطن.
وإذا كان العلم بوجوب النظر موقوفا على هذين المقامين النظريين، والموقوف على النظري أولى أن يكون نظريا؛ فثبت أنه لايمكن ادعاء الضرورة في ذلك.
واعلم أن هذه الحجة تؤيد القول بتكليف ما لا يطاق.
وأما وجوب الغرامات: فمعناه: إما خطاب الولي بأدائها في الحال، أو خطاب الصبي بعد صيرورته بالغا بأدائها.
وأما الآية: فلها تأويلان:
أحدهما: أنها خطاب مع من ظهرت منه مبادئ النشاط والطرب، وما زال