الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة التاسعة
قال الرازي: قال الشافعي رضي الله عنه: ترك الاستفصال، في حكاية الحال
، مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.
مثاله: أن ابن غليان أسلم على عشر نسوة، فقال عليه الصلاة والسلام:" أمسك أربعا، وفارق سائرهن " ولم يسأله عن كيفيه ورود عقده عليهن في الجمع، أو الترتيب؛ فكان إطلاقه القول دالا على أنه لا فرق بين أن تتفق تلك العقود معا، أو على الترتيب.
وهذا فيه نظر؛ لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم عرف خصوص الحال، فجأب؛ بناء على معرفته، ولم يستفصل، والله أعلم.
المسألة التاسعة
قال القرافي: ترك الاستفصال في حكاية الحال، مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.
قلت: هذا النقل عن الشافعي يناقضه ما نقل عنه من أن حكاية الحال، إذا تطرق إليها الاحتمال، كساها ثوب الإجمال، وسقط بها الاستدلال.
وسألت بعض الشافعية عن ذلك، فقال: يحتمل أن يكون ذلك قولين للشافعي، والحق أنه لا تناقض فيه؛ والكلام حق بني على قاعدتين:
القاعدة الأولى: أن الاحتمال تارة يكون في دليل الحكم، وتارة في المحل المحكوم عليه، لا في دليله، ويكون الدليل في نفسه سالما عن ذلك.
وأما في الدليل: فقوله عليه السلام: " فيما سقت السماء العشر " يحتمل أن يريد وجوب الزكاة في كل شيء حتى الخضروات كما قاله أبو حنيفة، ويكون العموم مقصودا له عليه السلام لأنه تعلق بلفظه الدال عليه، وهو صيغة (ما) ويحتمل أنه لم يقصده؛ لأن القاعدة: أن اللفظ، إذا سيق لبيان معنى، لا يحتج به في غيره، فإن داعية المتكلم مصروفة لما توجه له دون الأمور التي تغايره، وهذا الكلام، إنما سيق؛ لبيان المقدار الواجب، دون بيان الواجب فيه، فلا يحتج به على العموم في الواجب فيه، وإذا تعارض الاحتمالان، سقط الاستدلال به على وجوب الزكاة في الخضروات، هذا في الأدلة العامة.
وأما في وقائع الأحوال: فكما جاء في الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي الذي جاء يضرب صدره، وينتف شعره:" أعتق رقبة " فيحتمل أن يكون أمره بذلك؛ لكونه أفسد صومه، ويحتمل أن يكون ذلك؛ لكونه أفسده بالجماع، أو لكونه أفسد مجموع الصومين، كل هذه احتمالات مستوية بالنسبة إلى ما دل اللفظ عليه، ولا يتعين أحدها من جهة اللفظ، بل من جهة مرجحات العلل، وقوانين القياس، فهذه احتمالات في نفس الدليل؛ فيسقط الاستدلال به؛ على ما الاحتمالات فيه متقابلة.
وأما في المحل المحكوم عليه: فقوله تعالى: {فتحرير رقبة} [المائدة: 89] هذا لفظ صريح في إيجاب إعتاق الرقبة؛ غير أن تلك الرقبة يحتمل أن تكون بيضاء أو سوداء، أو غير ذلك، والمعتق يحتمل أن يكون كهلا أو شيخا، أو غير ذلك؛ فيعم الحالات كلها، وكذلك " في أربعين شاة شاة " يعم أحوالا لشياه من البيضاء والسوداء، أو أي شاة أخرجها أجزأت، وكان الإجزاء عاما في جميع أحوال المحكوم عليه، فتأمل هذا الفرق.
فهذه المسألة حيث يكون لفظ الشارع ظاهرا أو نصا، والاحتمالات، إنما هي في محل الحكم، وذلك البعض حيث تتعارض الاحتمالات في نفس الدليل، ولا شك أن المجمل لا دلالة فيه، ولا يثبت به حكم، والنسوة هن المحل المخير فيه، ولفظ الحديث لا إجمال فيه، ويحتمل أن يكون عقودهن واحدة؛ كما قال أبو حنيفة، ويحتمل أن تكون عقودا واحدا بعد واحد؛ يفعم الحكم الجميع.
القاعدة الثانية: أن مراد العلماء من تطرق الاحتمال الاحتمال المساوي، أما المرجوح، فلا عبره به إجماعا؛ لأن الظواهر كلها فيها الاحتمال المرجوح، ولا يقدح في دلالتها.
***