الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة
في أن المكره على الفعل، هل يجوز أن يؤمر به ويتركه
؟
المشهور: أن الإكراه إما أن ينتهي إلى حد الإلجاء، أو لا ينتهي إليه:
فإن انتهى إلى حد الإلجاء، امتنع التكليف؛ لأن المكره عليه يعتبر واجب الوقوع، وضده يصير ممتنع الوقوع، والتكليف بالواجب والممتنع غير جائز.
وإن لم ينته إلى حد الإلجاء، صح التكليف به.
ولقائل أن يقول: الإكراه لا ينافي التكليف؛ لأن الفعل: إما أن يتوقف على الداعي، أو لا يتوقف:
فإن توقف، فقد بينا فيما تقدم: أنه لابد من انتهاء الدواعي إلى داعية تحصل فيه من قبل غيره، وأن حصول الفعل عند حصول تلك الداعية واجب؛ فحينئذ يكون التكليف تكليفا بما وجب وقوعه، أو بما امتنع وقوعه، وإذا جاز ذلك؛ فلم لا يجوز مثله في الإكراه؟
وأما إن لم يتوقف على الداعي، كان رجحان الفعل على الترك أو بالعكس اتفاقيا، والإتفاقي لايكون باختيار المكلف، وإذا جاز التكليف هناك مع أنه ليس باختيار المكلف؛ فلم لا يجوز مثله في الإكراه؟
فإن قلت: ما الذي أردت بكون الفعل اتفاقيا؟
إن عنيت به: أنه حصل لا بقدرة القادر، فهو ممنوع؛ وذلك لأن المؤثر فيه
عندنا هو القادر، لكن القادر عندنا يمكنه أن يرجح أحد مقدوريه به على الآخر، من غير مرجح، وإن عنيت به أمرا آخر، فلابد من بيانه:
قلت: الرجل كان موصوفا بكونه قادرا على هذا الفعل، مع أن هذا الفعل ما كان موجودا، فلما وجد هذا الفعل: فإما أن يكون؛ لأنه حدث أمر آخر وراء كونه قادرا الذي كان حاصلا قبل ذلك، أو ليس كذلك:
فإن حدث، كان حدوث الفعل عن القادر متوقفا على أمر آخر، سوى كونه قادرا، وقد فرضناه ليس متوقفا عليه؛ هذا خلف.
وإن لم يحدث البتة أمر، كان حدوث هذا الفعل في بعض أزمنة كونه قادرا دون ما قبله وما بعده - ليس لأمر حصل في جانب القادر حتى يؤمر به، أو ينهى عنه، بل كان ذلك محض الاتفاق؛ فيكون في هذه الحالة تكليفا له بما ليس في وسعه؛ وإذا ثبت ذلك، بطل قولهم: المكره غير مكلف.
واعلم أن هذه القاعدة قد ذكرناها في هذا الكتاب مرارا، وسنذكرها بعد ذلك، وما ذاك إلا لأن أكثر القواعد مبني عليها، ولا جواب عنها إلا بتسليم أنه يفعل الله ما يشاء، ويحكم ما يريد.
المسألة الرابعة
المكره على الفعل
قال القرافي: قلت: جمهور الناس على أن الإكراه لا يبيح المحرمات من
.............................................................
الأفعال، بخلاف الأقوال، كالنطق بكلمة الكفر، ونحو ذلك من الطلاق، والعتاق، وأنواع العقود، فإنها يسقط اعتبارها بالإكراه المشروع سببا.
وأما الأفعال إن تعلق بها حق آدمي فلا خلاف عند المالكية، وما أدرى هل خالف فيه غيرهم أم لا؟
لأنه لا يباح بالإكراه، ويكون مكلفا بتحريم ذلك، وإن تمحض الحق فيه لله تعالى، كشرب الخمر ففيه خلاف، والمشهور المنع.
والفرق عند الجمهور بين الأفعال والأقوال: أن الأفعال تتضمن المفاسد، فلا تباح بالإكراه، والأقوال إذا ألغينا عنها مقتضياتها لا يبقى فيها مفسدة، فتباح بالإكراه، كالبيع مثلا، وأما الزنا وشرب الخمر، فإن النسب يختلط، والعقل يفسد ولا يمكن استدراك ذلك بخلاف الأقوال.
وقال الغزالي في (المستصفى): المكره يجوز أن يدخل تحت التكليف دون المجنون؛ لأن الخلل هناك في المكلف، لا في المكلف به.