الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
احتمالها، بل وقوعها لازم لها، بل العبارة المتجهة أن يقولوا: لو كان لفظ الكلية مختصا بالبعض، لما كان يقابله؛ لأن البعض في السلب لا يقابل البعض في الثبوت؛ كما تقدم.
(سؤال)
قال سراج الدين: " يكفي في التناقض بينهما دلالتهما على شيء واحد
".
يريد أنه يكون مدلول " ما جاءني كل فقيه " سالبة جزئية، وم " جاءني كل فقيه " جزئية، وتكون تلك المحال المحكوم عليها بالسلب نفي المحكوم عليها بالثبوت؛ فيتناقض؛ كما إذا قلنا:" زيد قائم، زيد ليس بقائم " فإن أحدهما يستعمل لتكذيب الآخر في العرف؛ مع اتحاد المدلول في السلب والإيجاب؛ فهاهنا كذلك.
جوابه: أن المحل في زيد وشبهه يتعين بسبق التناقض لفهم السامع.
أما الثبوت في بعض غير معين، والسلب في بعض غير معين التعين للتنقاض، لا لغه، ولا عرفا، ولا عقلا.
فأما إذا قلنا: " بعض إخواتك في الدار، بعضهم ليس في الدار " لا يفهم أحد التناقض؛ فيبطل صحة الاستدلال لصحة التناقض على العموم.
***
الفصل الرابع
النكرة في سياق النفي تعم
قال القرافي: هذه الدعوى ما رأيت أحدا من الأصوليين، ولا من الأدباء يخصصها، مع انها مخصوصة بإجماعهم، ولم يقع تخصيصها بشيء قليل، بل بكثير من الصور.
بيان ذلك أن سيبويه وابن السيد البطليوسي وغيرهما نصوا على أن النكرة في سياق النفي مع (لا) إذا وقعت، لا تعم؛ كقولنا:" لا رجل في الدار " بالرفع، قالوا: بل لك أن تقول: " بل اثنان " فإنك غذا نفيت الرجل بوصف الوحدة، فلك إثباته بوصف الكثرة.
وقال: هي جواب لمن قال: هل رجل واحد في الدار؟ سلب له: " لا رجل في الدار " أي: ليس فيها رجل واحد، بل كثير.
وإذا قلت: " لا رجل في الدار " بلفظ البناء على الفتح، فهي تعم؛ لأنها جواب لمن قال: هل من رجل في الدار؟ فسأل عن مطلق الرجل، فقلت:" لا رجل في الدار " أي: " ليس من [له] هذا المفهوم في الدار "، فلا يكون فيها رجل، وإلا لما صدق نفي المطلق من الدار.
قالوا: ولذلك بقيت هذه دون تلك؛ لأن الأصل أن تقول: لا من رجل في الدار، فتدخل (لا) في كلامك على (من) التي في كلامه؛ لأنك تقصد نفيه على وجهه، فلما حذفت (من) بخلاف (لا رجل) بالرفع ليس فيها (من) فلم يتضمن المنفي، فلم تبن، فهذه صورة تحت تخصيص الدعوى.
(الصورة الثانية)
سلب الحكم عن العمومات
فإذا قلنا: " ليس كل عدد زوجا " و " ليس كل حيوان إنسانا " ليس مقصودنا القضاء بسلب الزوجية عن كل فرد من أفراد العدد؛ فإن ذلك كذب قطعا، فإن كثيرا من العدد زوج، وكثير من الحيوان إنسان، بل نحن ننكر ذلك على القائل:" كل عدد زوج، وكل حيوان إنسان " فلما رأينا كلامه كلية كاذبة، سلبنا الحكم عن الكلية؛ فقلنا: ليست الكلية كذلك، بل بعضها ليس كذلك؛ ففي التحقيق: كلامنا سالبة جزئية، لا سالبة كلية، مع أنه نكرة في سياق النفي، لأن كلا نكرة، وقد أضيف إلى نكرة، والمضاف إلى النكرة نكرة، فهي نكرة في سياق النفي، ولم تعم؛ لأنه سلب للحكم عن المعمومات، لا حكم بالسلب على العمومات، وبينهما فرق عظيم، وإنما يحصل العموم في الثاني، دون الأول، إذا حكمت بالسلب على كل فرد؛ فيحكم بالسلب على الكلية، فيحصل العموم؛ بخلاف الأول؛ لا طرد الحكم في الكلية؛ فيكفي في ذلك صدق السلب في فرد واحد.
(والصورة الثانية)
النكرات الخاصة؛ فإن النكرات بعضها أخص من بعض؛ فإن اسم كل [نكرة نوع]، وهو أخص من اسم جنسه، والآخر نكرة؛ كلفظ إنسان مع لفظ حيوان.
قال الزمخشري في " الكشاف " في قوله تعالى: {ما لكم من
إله غيره} [الأعراف: 59]: إن العموم إنما استفيد من لفظ: (من) ولو قال: " مالكم إله غيره " لم يعمم، مع أن لفظ (إله) نكرة، وقد حكم بأنه لا يعمم، وكذلك قوله تعالى:{وما تأتيهم من آية من آيات ربهم} [الأنعام: 4] قال: العموم إنما استفيد من لفظ (من) لا من لفظ آيات في سياق النفي.
وقال: إن لفظ (من) يكون لإفادة العموم؛ نحو ما تقدم.
وتارة يفيد العموم كقولك: ما جاءني من أحد.
قال الجرجاني في أول " شرح الإيضاح ": إن الحرف قد يكون زائدا من جهة العمل، لا من جهة المعنى؛ كقولك:" ما جاءني من رجل " فإنك لو قلت: " ما جاءني رجل " لم تعم، فأفادتنا لفظة (من) العموم، فهي غير زائدة في المعنى، وفي التعبد به لا يحتاج لها.
فلو قلت: " جاءني رجل " صح؛ لأن الرجل فاعل بـ (جاء) وهو يتعدى إليه بنفسه، فهي زائدة من وجه دون وجه، وجماعة من النحاة رأيت ذلك لهم مسطورا: أن هذه النكرات الخاصة لا تفيد العموم، وإنما يحصل العموم فيها بـ (من) إذا دخلت عليها، بخلاف النكرات العامة؛ نحو:" ما جاءني من أحد، وما عندي من شيء " فلو حذفت (من) في هذا المثل، لكانت الصيغة للعموم.
وقد نقل ابن السكيت في (إصلاح المنطق)، والكلام في (المنتخب).
في اللغة، هذه الصيغ العامة التي تقتضي العموم في النفي؛ نحو نيف وعشرين صيغة، وهي: ما بها أحد ولا وابر، ولا صافر، ولا غريب، ولا كتيع، ولا دبي من دبيب ولا ذبيح، ولا نافخ ضرمة، ولا ديار، ولا طوري، ولا دوري، ولا تؤمري، ولا لاعي قرو، ولا ارم، ولا داع، ولا مجيب، ولا معرب، ولا أنيس ولا ناهق، ولا ناخر، ولا نابح، ولا ثاغ، ولا راغ، ولا دعوى [ولا شفر، ولا صوت].
وينبغي أن يلحق بهذه شيء، وموجود، ومعلوم، وما هو في هذا العموم من المعاني؛ غير أنه لم يذكره.
وزاد ابن الكراع على ابن السكيت " ما بها طورى " أي: ما بها أحد يطوي ولا بها وطوثي وما بها زابن ولا أريم، ولا تأمور، أي دماه، ولا عاين، ولا عائن، ومالي منه بد.
قلت: " أحد " ليس هو واحد العدد، بل هذا للجنس، وذاك ينبني منه مراتب الأعداد، وهو بالواو، فإن نطق بالألف فهي بدل عن الواو.
وقوله تعالى: {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] ليس هو الذي من العدد، والوابر مثل لابن وابر، أي: صاحب وبر، وصافر: اسم فاعل من الصفير، وعريب: فعيل بمعنى فاعل، أي: معرب عما في نفسه، وكتيع: من التكتع الذي هو الاجتماع، ومنه تكتع الجلد، غذا ألقيته في النار، ومنه في أسماء التأكيد، الثغور، فهو فعيل بمعنى فاعل، والذبيح: المتلون، والضرمة: النار توقد، وديار: منسوب إلى الدار؛ كخطاب وملامح، وكل ذي حرفة ينسب بهذه الصيغة.
والطورى: منسوب إلى الطور الذي هو الجبل، والتومري: منسوب إلى التامور، وهو دم القلب، ولاعي قرو.
قال الجوهري في (الصحاح): معناه: لا حس عسا من قدح، والقرو والعس: القدح، والأرم: الساكن أو الهالك، واللاعي: البعير، والدعوى من الدعوة للطعام، والأريم مثل الأرم، وعاين: صاحب عين، واليد: الانفكاك، فهذه هي الصيغ التي وجدتها، منقولة تستعمل في النفي العام، وينبغي أن يلحق بها ما في معناها من شيء، أو مخلوق، أو معلوم، أو موجود، ونحو ذلك، ولك في هذه الألفاظ المنقولة طريقان:
أحدهما: أن تقول: الموصوف محذوف الجميع، تقديره: ما بها أحد وابر ولا صافر إلى آخرها؛ فيكون العموم جاء من الموصوف المحذوف العام؛ لا من الصفة الخاصة؛ فإن الخاص لا يعم.
وثانيهما: أنه لا يلزم الحذف، بل المجاز، ونقول: عين في الجميع لفظ الخاص عن العام مجازا، واللفظ خاص، والمراد به أحد ونحوه. فهذا تلخيص هذه الألفاظ التي تقتضي العموم، وما عدا هذه بمقتضى هذه النقول لا تكون للعموم، وهو كثير جدا أكثر من أن يحصى، فكيف الحيلة في ضبط هذه الدعوى مع هذه التخصيصات التي دخلتها، وكلها نكرات في سياق النفي، بل ينبغي أن نقول هاهنا كما قال النحاة في النسب والتصغير: هو على قسمين؛ مقيس، ومسموع؛ هاهنا أيضا النكرة في سياق النفي قسمان:
مقيس، ومسموع:
فالمقيس المطرد: النكرة في النفي مع (لا) التي لنفي الجنس مبنية؛ نحو: " لا رجل في الدار " ومعربة منصوبة؛ نحو: " لا سائق إبل لك، ولا ثالم