الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقله، وقوله:{حتى تعلموا ما تقولون} [النساء: 43] معناه: حتى يتكامل فيكم الفهم، كما يقال للغضبان: اصبر حتى تعلم ما تقول، أي: حتى يسكن غضبك، وهذا؛ لأنه لا يشتغل بالصلاة إلا مثل هذا السكران، وقد يعسر عليه إتمام الخشوع.
الثاني: أنه ورد الخطاب به في ابتداء الإسلام قبل تحريم الخمر، وليس المراد المنع من الصلاة، بل المنع من إفراط الشرب وقت الصلاة، كما يقال: لا تقرب التهجد، وأنت شبعان، أي: لا تشبع، فيثقل عليك التهجد، والله أعلم.
المسألة الثانية
تكليف الغافل غير جائز
لقوله عليه السلام: (رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى ينتبه، والمجنون حتى يفيق، والصبي حتى يحتلم).
تقريره: أن التكليف يعبر عنه بالكتابة من مجاز السببية؛ لأن المكتوب ثابت كما يتقرر الواجب، ومنه قوله تعالى:{كتب عليكم القصاص} [البقرة: 178]، لم يعبر عن الكتابة بالقلم من مجاز المجاز، والعلاقة في الأول المشابهة فيكون مستعارا، وفي الثاني التعبير بالسبب عن المسبب؛ لأن القلم سبب الكتابة، فلا استعارة، بل من المجاز الذي ليس بمستعار، " فرفع القلم " رفع التكليف.
(سؤال)
الذي في الحديث: الجنون، والنوم، وهما نوعان عظيمان في الغفلة بالنسبة إلى مطلق الغفلة التي تحصل للمستيقظ العاقل، ولا يلزم من سقوط التكليف العذر القوي سقوطه لما هو أضعف منه، فلا يتناول الحديث مطلق الغافل الذي هو المدعي.
قوله: " فعل الشيء مشروط بالعلم به ".
قلنا: ذلك هو الأمر الحقيقي الذي هو نقل الممكن من حيز العدم إلى حيز الوجود، وأما الفعل بالأسباب العادية والمضاف إلى المحال التي أجرى الله
تعالى العادة أن يخلق الفعل فيها، فلا يشترط فيها العلم؛ لأن الفاعل من يقال له في اللغة:(فاعل)، وإن كان غير ناطق، ولا من ذوي الفكرة، كما يفعل النحل الأبيات المسدسة في الصنعة الغريبة في الهندسة مع أنها لاتوصف بالعلم فضلا عن العلم بهذه الهندسة الدقيقة، وكذلك عجائب تظهر من الحيوانات، والعبد المأمور لا يطلب منه اختيار الوجود، بل الكسب العادي، نعم ينبغي أن يقال: إن العبادات المفتقرة للنيات تتوقف على العلم؛ لأن ما لا شعور به يستحيل قصده، وأما ما لا تكون النية شرطا فيه كرد الغصوب، والودائع، ودفع الديون والنفقات فلا.
قوله: " حكم الشيء حكم مثله، فإذا وقع الفعل من الفاعل مرة وقع مرارا؛ لأن كل مرة مساوية لتلك المرة الواحدة التي وقعت ".
قلنا: حكم الشيء حكم مثله في العقليات، أما في العاديات فقد تقضي العادة بأن الشيء لا يقع إلا نادرا كالغيم الرطب في الشتاء في البلاد الشمالية عدم إمطاره نادرا، فلو صح ما قلتموه لم تمطر أبدا، ولم ير الماء أبدا؛ لأنه قد لا يروى على الندرة، ولا تحرق النار أبدا، فقد عدم إحراقها في حق الخليل عليه السلام ونظائره كثيرة.
فعلمنا حينئذ أن ذلك إنما هو في العقليات، أما في العاديات فلا.
سلمنا وقوع الإتفاقي من الإنسان دائما، لكن لا نسلم أن التكليف بذلك الواقع منه تكليف بما لا يطاق.
بيانه: وذلك أنه لا يلزم من كون الشيء واقعا أن يكون مكتسبا مقدورا؛ فإن النازل وقد رمي من شاهق، النزول واقع منه، وليس مكتسبا، بل لو كلف بالنزول كان غير مكتسب؛ لأن من شرط المكتسب أن يكون للفاعل فيه اختيار في جلبه ودفعه، والنازل لا يقدر على دفع النزول عنه، كذلك الفعل الاتفاقي لا إرادة فيه، فهو غير مكتسب، فالتكليف به تكليف بما لا يطاق؛
لأن معناه: ليكن لك صنع واختيار فيما ليس لك فيه صنع واختيار، وهو جمع بين النقيضين.
قوله: " الأمر بمعرفة الله تعالى وارد ".
قلنا: قد تقدم الجواب عنه في تكليف ما لا يطاق.
قوله: " العلم بوجوب تحصيل معرفة الله تعالى لا يحصل إلا بالنظر، وقبل النظر لا يكون عالما بذلك، فيلزم تكليف الغافل ".
قلنا: مذهب أهل الحق أن وجوب النظر لا يتوقف إلا على الممكن، فإذا تمكن فهو تجوز أن له ربًّا يوجب عليه تحصيل معرفته، وإن تركها استحق العقاب، وإن فعلها استحق الثواب، ويجوز ألا يكون كذلك، ومقتضى النظر الأول هو في الفطرة الأولى أن الأحوط في هذا الأمر العظيم الفحص والنظر في حقيقته، فينظر قبول البحث إلى أنه واجب بنظر لا يعرى عنه طبع مستقيم بما هو تكليف العاقل، بل عالم بمواقع النظر والفكر في ذلك.
قوله: " وإن حصل بعد إتيانه النظر حصل العلم بالوجوب ".
تقريره: أن أهل الرياضيات قالوا: إن إصلاح الأغذية، وتعديل الأمزجة، والانقطاع عن الخلق في الخلوة، واجتناب الفكر، وموارد الغير بخلو النفس إن كان لها استعداد لذلك، فيصير كالمرآة الثقيلة يظهر فيها صور المعلومات، فتحصل العلوم بغير نظر، ومن ذلك المكاشفات، وإذا ثبت أن العلم طريق آخر، والقاعدة أن المطلب متى كان له وسيلتان فأكثر لا يجب سلوك إحديهما، كما أن الجامع لو كان له طريقان مستويان لا يجب سلوك أحدهما يوم الجمعة عينا.
قوله: " الجواب عن الآية ".