الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
الكلام في الجمع المنكر يتفرع على الكلام في أقل الجمع
قال الرازي: وقد اختلفوا فيه؛ فذهب القاضي، والاستاذ أبو إسحاق، وجمع من الصحابة والتابعين إلى أن أقل الجمع اثنان، وقال أبو حنيفة، والشافعي رحمهما الله: ثلاثة، وهو المختار.
لنا وجوه:
الأول: أن أهل اللغة فصلوا بين التثنية والجمع؛ كما فصلوا بين الواحد والجمع؛ فكما فرقنا بين الواحد والجمع، وجب أن نفرق بين التثنية والجمع.
الثاني: أن صيغة الجمع تنعت بالثلاثة فما فوقها، وبالعكس يقال:" جاءني رجال ثلاثة، وثلاثة رجال " ولا تنعت بالاثنين، فلا يقال:" رجال اثنان، ولا اثنان رجال ".
الثالث: أن أهل اللغة فصلوا بين ضمير التثنية، وضميرالجمع؛ فقالوا في الاثنين: فعلا، وفي الثالثة: فعلوا، وفي أمر الاثنين: افعلا، وفي الجمع: افعلوا.
احتجوا بالقرآن، والخبر، والمعقول:
أما القرآن: فبقوله تعالى: {وكنا لحكمهم شاهدين} [الأنبياء: 78]
والمراد: داود وسليمان، وبقوله تعالى:{إذ تسوروا المحراب} وكانا اثنين؛ لقوله تعالى: {خصمان} وبقوله: {إذ دخلوا}
على داود، ففزع منهم، قالوا: لا تخف، خصمان} وبقوله عز وجل في قصة موسى وهارون:{إنا معكم مستمعون} [الشعراء: 15] وبقوله تعالى؛ حكاية عن يعقوب: {عسى الله أن يأتيني بهم جميعا} [يوسف: 83] والمراد: يوسف وأخوه، وبقوله تعالى:{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9] وبقوله تعالى: {إن تتوبا إلى الله، فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4].
وأما الخبر: فقوله صلى الله عليه وسلم: " الاثنان فما فوقهما جماعة ".
وأما المعقول: فهو: أن معنى الاجتماع حاصل في الاثنين.
والجواب عن الأول: أنه تعالى كنى عن المتحاكمين؛ مضافا إلى كنايته عن الحاكم عليهما؛ فإن المصدر قد يضاف إلى المفعول، وإذا اعتبرنا المتحاكمين مع الحاكم، كانوا ثلاثة.
وأما قوله تعالى: {إذ تسوروا المحراب} مع قوله: {خصمان} فجوابه: أن الخصم في اللغة للواحد والجمع؛ كالضيف؛ يقال: " هذا خصمي، وهؤلاء خصمي " و " هذا ضيفي، وهؤلاء ضيفي " قال الله تعالى: {إن هؤلاء ضيفي} [الحجر: 98]
وهو الجواب عن التمسك بقوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا}
وقوله: {ففزع منهم} .
وأما قوله تعالى: {إنا معكم مستمعون} فالمراد: موسى وهارون، وفرعون.
وأما قوله تعالى: {عسى الله أن يأتيني بهم جميعا} فالمراد به: يوسف، وأخوه، والأخ الثالث الذي قال:{فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي} [يوسف: 80] وقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} فكل طائفة جمع.
وأما قوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} فجوابه: أنه قد يطلق اسم القلب على الميل الموجود في القلب؛ فيقال للمنافق: إنه ذو لسانين، وذو وجهين، وذو قلبين، ويقال للذي لا يميل إلا إلى الشيء الواحد: له قلب واحد، ولسان واحد.
ولما خالفتا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ونمتا بأمر مارية، وقع في قلبيهما دواع مختلفة، وأفكار متباينة؛ فصح أن يكون المراد من القلوب هذه الدواعي، وإذا صح ذلك، وجب حمل اللفظ عليها؛ لأن القلب لايوصف بالصغو؛ إنما يوصف الميل به.
وأما الحديث: فهو محمول على إدراك فضيلة الجماعة.
وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم: " نهى عن السفر إلا في جماعة "، ثم بين أن الاثنين فما فوقهما جماعة؛ في جواز السفر.
وأما المعقول: فجوابه: أن البحث ما وقع عما تفيده لفظة الجمع، بل عما يتناوله لفظ الرجال والمسلمين؛ فأين أحدهما من الآخر؟ والله أعلم.
المسألة الثانية
قال القرافي: أقل الجمع اثنان.
قال سيف الدين: ليس محل النزاع لفظ الجمع، والمفهوم منه،
الذي هو ضم الشيء إلى الشيء، بل ذلك متفق عليه في الاثنين والثلاثة وغيرهما، إنما الخلاف في اللفظ المسمى بالجمع في اللغة؛ نحو: رجال ومسلمون، وكذلك قاله إمام الحرمين في (البرهان) ومثل بهذين المثالين.
قوله: " أهل اللغة فصلوا بين التثنية والجمع؛ كما فصلوا بين الواحد والجمع ".
قلنا: إن ادعيتم تفريق أهل اللغة في الألفاظ؛ فقالوا: رجلان؛ للتثنية، ورجال؛ للجمع، ورجل؛ للواحد، فهذا متفق عليه؛ أن الألفاظ مختلفة، وإن عنيتم أن التفرقة وقعت في المعاني، وأن مسمى الجمع لا يصدق على مسمى الاثنين أصلا فهذا محل النزاع، وما ذكرتموه لا يفيد مطلوبكم؛ لأن مطلق التفريق عائد للفظ.
قوله: " صيغة الجمع تنعت بالثلاثة دون الاثنين ".
قلنا: قد تقدم أن العرب تشترط في التصريف المناسبة اللفظية والمعنوية معا؛ فلا ينعت لفظ التثنية إلا بلفظ التثنية، ولا الجمع إلا بالجمع، ولا الواحد إلا بالواحد؛ ليحصل التناسب.
قوله: " فصلوا بين ضمير الاثنين والجمع ".
قلنا: الفرق، إن ادعيتموه في اللفظ، فمسلم، وإن ادعيتم أن العرب، متى أطلقت ضمير الجمع، لا تريد به الاثنين، فهذا محل النزاع، وما ذكرتموه لا يفيد، بل هو مصادرة، فعند الخصم: الفرق وقع في اللفظ، وأقل مسمى ضمير الجمع، ولفظ الجمع اثنان.
قوله: " ولقوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4].
قلنا: ليس هذا من هذا الباب، بل القاعدة العربية: أن كل شيء أضيف إلى شيء هو بعضه، ليس في الجسد منه إلا واحد، فيه ثلاث لغات: الإفراد؛ كقولهم: كأنه وجه بركنين.
والتثنية والجمع؛ كقول الشاعر (السريع):
ومهمهين قذفين مرتين
…
ظهراهما مثل ظهور الترسين
يصف مهمهين واسعتين؛ لأن المهمه هو الواسع، يقذفان من فيثهما بحديهما وعظمهما، وهو الحال على من يكون فيهما، وظهورهما لا ثابت فيها؛ كظهور الترسين، الذي هو الدرقة، فثنى في الأول، وجمع ف الثاني، والأفصح في هذه اللغات الجمع؛ لأن الانتقال من التثنية التي هي الأصل إلى الجمع أولى من الانتقال إلى الواحد لما بين التثنية والجمع من المناسبة في أصل ضم الشيء إلى مثله، والواحد لا ضم فيه.
وقولنا: ليس في الجسد منه إلا واحد؛ لأنه موضع لا لبس فيه؛ بخلاف مافي الجسد منه أكثر من واحد؛ فلا تقول: " رأيت أعين الزيدين " وأنت تريد عينيهما؛ لأنه يوهم أنك رأيت جميع أعينهم؛ بخلاف ظهورهما ورؤيتهما؛ لأنه من المعلوم أن ما لهما إلا رأس واحد لكل واحد.
وقولنا: " هو بعض ": احتراز من قولك " رأيت غلامي الزيدين " فلا يجوز الجمع؛ لأنها تثنية أجنبية مضافة، وإنما استقلت العرب اجتماع اسمين في الشيء الواحد، وليس أحدهما أجنبيا؛ حتى كأن الواحد ثنى مرتين، أما في الأجنبي، فهما شيئان في شيئين، فلم تستثقلهما العرب، فهذه قاعدة هذا
الباب، وهو متفق عليه بين الفريقين، وعلى هذه القاعدة؛ يستدل به على صورة النزاع، فليس منها.
قوله: " ولقوله عليه السلام: " الاثنان فما فوقهما جماعة " ".
قلنا: قال ابن حزم في كتاب " الإحكام في أصول الفقة ": " إن هذا الحديث ليس بصحيح " وهو من أعيان الحفاظ المحدثين.
سلمنا صحته؛ لكن هذا يدل على جواز إطلاق لفظ (الجماعة) على الاثنين، وهذا غير محل النزاع؛ فإن لفظ (جماعة) اسم مفرد، وإنما النزاع في صيغ الجموع؛ كالرجال، والدراهم، ونحوهما، ولا خلاف أن لفظ (جماعة) ليس جمعا، لأنه ليس له واحد من لفظه؛ كرجال، فلا يتم الاستدلال به.
قوله: " المصدر يضاف للفاعل والمفعول ".
تقريره: أن النحاة قالوا: الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة؛ تقول لأحد حاملي الخشبة: " شل طرفك "؛ فتجعل طرف الخشبة طرفه؛ لما بينهما من الملابسة.
حكاه صاحب (المفصل) وحكى (الطويل):
إا كوكب الخرقاء لاح بسحره ......................
أضاف الكواكب إليها؛ لأناه كانت تقوم عند طلوعه، ونحو ذلك، وإذا كانت الإضافة في لسان العرب، يكفي فيها أدنى ملابسة، ويكون ذلك حقيقة، جاز إضافة الحكم في الآية إلى الحاكمين، والمحكوم له وعليه، واستقام إطلاق ضمير الجمع.
قوله: " في قوله تعالى: {إنا معكم مستمعون} [الشعراء: 15] المراد موسى وهارون وفرعون ".
قلنا: هذا غير متجه؛ لأن معية الله تعالى ثلاثة أقسام:
واجبة، ومستحيلة، وممكنة.
أما الواجبة: فمعيته تعالى بالعلم، ومنه قوله تعالى:{وهو معكم أينما كنتم} [الحديد: 4].
والمستحيلة: المعية بالذات؛ لأنه تعالى ليس كمثله شيء.
والمعية الجائزة الممكنة: معيته تعالى باللطف والمعونة والنصر، ونحو ذلك؛ فيجوز أن يفعلها تعالى لمن يشاء من عباده، وله ألا يفعلها:{لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [الأنبياء: 23] كقوله تعالى: {إنني معكما أسمع وأرى} [طه: 46] أي: بالنصر والمعونة؛ ولذلك حصل لهما قوة الجنان، وأقدما على مقابلة فرعون، وسكن روعهما الذي شكواه في قوله تعالى عنهما:{إنا نخاف أن يفركط علينا أو أن يطغى} [طه: 45]
فقوله تعالى: {إنا معكم مستمعون} [الشعراء: 15] يتعين حمله على النصرة والمعونة؛ حتى يكون ذلك سببا لنهوضها في تبليغ رسالات ربهما، ويكون المراد بالاستماع هاهنا المجازة على صنعهما.
تقول العرب: عرفت لك صنيعك، إذا كافأه عليه.
ومنه قوله تعالى: {قد يعلم الله المعوقين منكم} [الأحزاب: 18].
{قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا} [النورة: 63] أي: قد يجازي؛ وإلا فعلم الله تعالى واجب التعلق لا يحسن معه (قد) وهذه التقارير تمنع أن يكون المراد معية العلم المطلق؛ فإنها لا تفيد تقوية قلب، وأمنا من العدو؛ فإنه تعالى يعلمه ويسمعه مع من يهلكه، ويسلطه عليه، كما هو مع من ينجيه ويعصمه؛ فلا يحصل المقصود إلا على ما ذكرناه، وقد صرح به تعالى في الآية الأخرى، في قوله تعالى:{إنني معكما أسمع وأرى} [طه: 46] وإذا كان المراد معيه النصر والمعونة، تعذر أن يراد فرعون؛ لأنه يراد بالخذلان والهلاك.
قوله: " يطلق القلب على الميل ".
قلنا: مشكل، من حيث مجاز الأصل وعدمه، ولا يلزم من سماع المجاز في غيره من الصور أن يلزم في صورة النزاع.
قوله: " القلب لا يوصف بالصغو ".
قلنا: لا نسلم؛ بل الإنسان بجملته يوصف بالميل؛ فكيف بالقلب؟
تقول العرب: " زيد مائل في كلامه على عمرو " وكذلك يوصف بالشك، والغضب، والرحمة، وغير ذلك، وإذا كانت العرب تصف زيدا بجملة ذلك، فأولى قلبه الذي هو المحل الحقيقي لجميع هذه الأعراض؛ الميل وغيره.
وقد تقدم مرارا: أن وصف الشيء بالشيء قد يكون؛ لأنه قام بجملته؛
نحو أسود، أو ببعضه؛ كوصفك الإنسان بأنه ناطق، والناطق جزؤه؛ لأنه فصله، والفصل جزء، وبأمر خارج عنه؛ كقولنا: ضاحك، أو بسببه وإضافة، نحو متقدم ومتأخر، وانا قول العرب: أعرج ،اشهل وأعور وأعمى وغير ذلك، إنما هي صفات باعتبار ما قام ببعض الموصوف، وهي حقائق، وأن الفرق بينهما يشترط فيه القيام بالكل، والقيام بالبعض عسر جدا، وقد بسطته قبل هذا، فلا عسر أن يوصف القلب بالصفو والميل ونحوه.
قوله: " الحديث محمول على إدراك فضيلة الجماعة ".
قلنا: هذا مجاز؛ وإنما الحكم في ظاهر اللفظ على أن الاثنين جماعة، فمن أدعى المجاز، كان عليه الدليل، ولكم أن تقولوا: كلام الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دار بين أن يكون مقيدا بحكم شرعي، أو عقلي، كان حمله على الشرعي أولى؛ لأنه عليه السلام إنما بعث بلسان الشرعيات، وكون الاثنين جماعة، وفيها معنى الإجماع أمر معلوم بالضرورة معقول، وحمله على أنها في نظر الشرع تثبت لها الأحكام الشرعية؛ لجواز السفر من غير كراهة؛ ليحصل لهما فضيلة الصلاة في جماعة حكم شرعي؛ فيتعين الحمل عليه، وإن كان مجازا.
ولهذه القاعدة إشكال كبير في هذه المسألة من نحو عشر سنين، أورده على الفضلاء، وما حصل لي ولا لهم جواب عنه، وهو أن الخلاف في هذه المسألة غير منضبط، ولا متصور؛ بسبب أنه، إن فرض قولهم: أقل الجمع اثنان في صيغة الجمع التي هي (جيم)(ميم)(عين) امتنع إتيانه في غيرها من الصيغ؛ لأنه لا يلزم من ثبوت الحكم لصيغة ثبوته لغيرها في الأوضاع اللغوية، وإن كان الخلاف في مدلول هذه الصيغة، فإن مدلولها كل ما يسمى جمعا؛ رجال، ودراهم، أو غير ذلك من صيغ الجموع.
فنقول: صيغ الجموع قسمان:
جمع قله، وجمع كثرة:
فجمع القلة قسمان: سلامة وتكسير:
فجمع السلامة: ما جمع بالواو والنون، أو الياء والنون، أو بالألف والتاء؛ نحو: مسلمين ومسلمات.
وجمع التكسير: أربعة أوزان يجمعها قول الشاعر (البسيط):
بأفعل وبأفعال وأفعلة
…
وفعله يعرف الأدنى من العدد
نحو أفلس وأحمال وأجربة وصبية، وما عدا هذه جمع كثرة.
واتفق النحاة على أن جمع القلة موضوع للعشرة فما دونها، إلى الاثنين أو الثلاثة على الخلاف، وجمع الكثرة موضوع لما فوق العشرة.
قال صاحب (المفصل) وغيره: وقد يستعار (مسمى) كل واحد لكل منهما.
وإنما يستعمل في مسمى الآخر مجازا، وأن جمع الكثرة، إذا استعمل فيما دون العشرة، كان مجازا؛ ولذلك استشكل العلماء قوله تعالى:{يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: 228] فقالوا: هذا جمع كثرة، وقد استعمل في الثلاثة، وأجابوا بأنه مستعار له، كما اشتركا فيه في مطلق الجمع، فإن كان موطن الخلاف في جموع الكثرة، فلا يستقيم؛ لأن أقل مطلق الجمع مسماها على هذا التقدير أحد عشر، والاثنان والثلاثة إنما يكون اللفظ فيها مجازا، والبحث في هذه المسألة ليس في المجاز؛ فإن إطلاق الجمع على الاثنين لا خلاف فيه، إنما الخلاف في كونه حقيقة، بل لاخلاف أن لفظ الجمع يجوز إطلاقه، وإرادة الواحد، فكيف بالاثنين؛ فقد
جاء في قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس، إن الناس قد جمعوا لكم} [آل عمران: 173] أن القائل واحد.
وفي قوله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} [النساء: 54] أن الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان الخلاف في جمع القلة، فهو متجه؛ لأنه مجموع للعشرة فما دونها فيمكن أن يقال أقله اثنان، فهذا، وإن تصورناه من حيث الوضع اللغوي، لا يستقيم أن يكون المراد بخصوصه للعلماء؛ لأنهم يقولون: فرقت العرب بين التثنية والجمع؛ فقالوا: رجلان، ورجال، فمثلوا برجال ونحوه، وهو جمع كثرة، وكذلك في الفتاوى؛ فلم يفرقوا بين الأقارير والوصايا، والنذور والأيمان، والاستدلالات على الأحكام في مقام المناظرة، والاجتهاد بين جمع القلة وجمع الكثرة، بل يقولون فيمن قال له:" على دنانير ": يلزمه ثلاثة، كما لو قال (أفلس) لا يفرقون بين الصيغتين؛ فدل ذلك على أن مرادهم ما هو أعم من جمع القلة؛ وحينئذ يكون مرادهم غير معقول، فإن أقل الجمع الذي للكثرة أحد عشر؛ كما تقدم، فهذا وجه الإشكال.
وأكثر من يتعرض للجواب عنه يقول: بحث العلماء في هذه المسألة ليس بحسب الحقيقة اللغوية، بل بحسب الحقيقة العرفية، وأهل العرف لا يعتبرون الفرق بين جمع القلة أو الكثرة، وهذا الجواب باطل لوجوه:
الأول: أن البحث في مسائل أصول الفقه، إنما يقع عن تحقيق اللغة؛ ليحل عليها الكتاب والسنة، والبحث عن العرف إنما يقع تبعا، وحمل كلام العلماء على الغالب، هو المتجه.
وثانيها: أنهم إذا استدلوا، لا يقولون:" قال أهل العرف " ولا " فرق أهل العرف " بل يقولون. " فرقت العرب بين التثنية والجمع " وجميع