الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العموم، وورود النقض بالأفراد، كما تقدم في أدلتكم، وإذا دل الدليل على أنها للعموم، كان ذلك دليلا على أن الاستعمال الواقع هاهنا مجاز ضرورة.
قوله: " المعرف باللام لا يفيد إلا الماهية ".
قلنا: هذه مصادرة على مذهب الخصم بغير دليل، فإن الخصم يقول:" هي للعموم، الذي هو الماهية مع تتبعها بحكمها في جميع مواردها " وعلى هذا؛ لا يكون الآتي تفرد خارجا عن العهد ة.
قوله: " يصح أن يستثنى منه الآحاد ".
قلنا: الاستثناء أربعة أقسام تقدم بيانها؛ فلعل هذا من قبيل ما يجوز دخوله، ولا يجب.
قوله: " لا يصح أن يقال: رأيت الإنسان إلا المؤمنين ".
قلنا: لا نسلم؛ بل يصح ذلك عند القائلين بالعموم، وعند غيرهم القائلين بجواز الاستثناء من المطلقات والنكرات، وقد تقدم الخلاف فيه.
قوله: " ويمكن أن يقال: (الخسران) لما لزم الناس إلا المؤمنين، جاز هذا الاستثناء ".
تقريره: أن الخسران، لما عم غير المؤمنين، وكان ذلك معلوما، حسن الاستثناء مع المعنى المعلوم، لا من اللفظ المنطوق.
قوله: " اللام تفيد تعريف الماهية دون الكلية ".
قلنا: قد تقدم أن الماهية معلومة معرفة للنكرة التي هي اسم الجنس قبل دخول لام التعريف، فلو كانت اللام لتعريفها أيضا، لزم تعريف المعرف.
(تنبيه)
زاد التبريزي؛ فقال في الجواب عن قوله: " لا يؤكد بما يؤكد به العموم
".
" إن امتناع ذلك يجوز أن يكون؛ لاختصاص التأكيدات بمؤكدات مخصوصة؛ ولهذا يجوز أن تقول: " أكرم الرجل اي رجل كان " وهو تأكيد بالعام ".
قلت: يريد أن تأكيده بصيغ الاستغراق ليس ممتنعا؛ بدليل وقوعه فيما ذكره من المثال، وإنما بعض الأفعال قد يمتنع عليه، ويختص بغيره، وهو كما قال، وسبب الاختصاص ما تقدم من اشتراط العرب المناسبة في اللفظ والمعنى، ولا جرم فالمثال الذي ذكره التأكيد فيه بـ (أي) وهو لفظ مفرد؛ بخلاف التعيين، أجمعين وأبصعين، وأورد بعضالفضلاء عليه: أن ما ذكره ليس بتأكيد؛ فإنه يقال في المطلق مثله؛ فيقال: " أعتق رقبة أي رقبة كانت " فلو كانت تأكيدا بالعام، كما قال؛ لكان المطلق يؤكد بالعموم، وهو باطل اتفاقا؛ لأن من شرط التأكيد المساواة.
سلمنا أنه تأكيد؛ لكنا نمنع أنه عام، بل مفرد.
تقديره: أي مفرد شئت، فأعتق، ولم يلزمه العموم؛ فكأنه أعاد لفظ الإطلاق بعينه في الرجل، والنكرة في الرقبة.
وزاد سراج الدين؛ فقال في قوله: " العدم لا مدخل له في التأثير ".
لقائل أن يقول: " كيف جعلت العراء عن لفظ البعض في لفظ الكل شرطا في إفادته للعموم، مع هذا الجواب ".
وزاد (المنتخب): فقال: " يجوز أن يقال: " الرجل والرجلان والرجال " ولو كان للعموم، لامتنع ذلك ".
ولو قال: " أنت طالق الطلاق " لم يقع الطلاق الثالث، ويصح أن يقال: رأيت الرجل الواحد، والرجال الثالثة، ولا ينعكس، يريد: لا يجوزك أن يقال: رأيت الرجل الثلاثة، والرجال الواحد، ويصح أن يقال: الإله واحد.
ولو كان المعرف يفيد العموم، لامتنع ذلك؛ لأن العموم أفراده متناهية؛ لا تكون واحدا، ولأنه يصح أن قال: الحيوان جنس، وليس كل حيوان جنسا، وزاد في حجج الخصوم: أن يوصف بما يوصف به الجمع؛ كقوله تعالى: {والنخل باسقات لها طلع نضيد} [سورة ق: 10].
قلت: والجواب عن الأول: قد تقدم أن (لام) التعريف، إنما تدخل على الجمع والتثنية بعد الجمع والتثنية؛ لأن المعرف باللام يثنى ويجمع، فما دخلت اللام إلا على (رجال) و (رجلان) والسائل أورد؛ بناء على أنا اوردنا الجمع والتثنية على اللام، ولو كان للعموم، لم يبق بعده فرد، فيتعذر تثنيته فضلا عن جمعه، وهذا حق، غير أن البحث هاهنا، هل التثنية والجمع وردا على التعريف، أو التعريف ورد عليهما؟ وهذا هو الحق، ونحن من وراء المنع، حتى يبين المستدل، أيهما ورد على الآخر، وقد تقدم ذلك.
وعن الثاني: أنىقلت يوما للشيخ عز الدين رحمه الله: إن الفقهاء التزموا قاعدتين في الأصول، وخالفوهما في الفروع.
فقال: ما هما؟
قلت له: المعرف باللام للعموم عندهم، ولو قال القائل:" الطلاق يلزمني " بغير نية: لم يلزمه إلا طلقة واحدة، وهو خلاف القاعدة.
والثانية: الاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي، ولو قال:" والله، لا لبست ثوبا إلا الكتان " وقعد عريانا، لم يلزمه شيء، ومقتضى قاعدة الاستثناء أنه حلف على نفي ما عدا الكتان، وعلى لبس الكتان، وما لبس الكتان؛ فيحنث.
فقال رحمه الله: سبب المخالفة: أن الأيمان تتبع المنقولات العرفية، دون الأوضاع اللغوية، إذا تعارضا، وقد انتقل الكلام في الحلف باطلاق بحقيقة الحس، دون استغراقه؛ فلذلك كان الحالف لا يلزمه إلا الماهية المشتركة؛ فلا يزيد اللازم له على الواحدة، وتنقل (إلا) في الاستثناء في الحلف بمعنى الصفة؛ مثل (سوى) و (غير) فيصير معنى حلفه: والله، لا لبست ثوبا سوى الكتان، او غير الكتان " فالمحلوف عليه هو المغاير للكتان، فالكتان ليس محلوفا عليه؛ فلا يضره لبسه ولا تركه، ثم توفى رحمه الله واتفق البحث مع قاضي القضاة تاج الدين، فالتزم أن مذهب الشافعي: أنه يحنث، إذا قعد عريانا، وأن (إلا) على بابها، الاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات، وراى ما نقلاه في ذلك، وينبغي أن يعلم أن هاهنا أمرين:
احدهما: ان النقل، قد وقع إلى بعض الموارد اللغوية، إا في الأجنبي مطلقا؛ فإن استعمال (إلا) بمعنى (غير) عربي كثير، وكذلك اللام بمعنى حقيقة الجنس.
وثانيهما: أن النقل لم يقع في المفردات، وإنما وقع في المركبات؛ بل ولا في المركبات، بل في مركب خاص، وهو التركيب في الحلف خاصة.
بل لو قلنا: " الطلاق مكروه " ما فهمنا منه إلا العموم، وكذلك " الطلاق يرفع النكاح " ولا مانع هاهنا من حمله على الجنس، وكذلك لو قلنا:" قام القوم إلا زيدا، وما قام القوم إلا زيد " لم يفهم منه إلا الاصطلاح اللغوي؛ ولم يقع النقل إلا في التركيب الخاص، وأهل العرف، كما ينسب إليهم النقل والحقائق العرفية في المفردات؛ كالدابة والغائط، فكذلك ينسب إليهم النقل والحقائق العرفة في المركبات، وقد تعم المركبات، وقد تخصها، وهذا النوع من النقل خفي دقيق لا يكاد يعلمه أكثر الفقهاء في العصر، بل إنما يفهمون النقل في المفردات فقط، وقد تقدم منه أبحاث ومسائل في الحقيقة العرفية في كتاب (اللغات) فظهر جواب سؤال (المنتخب) بسبب النقل.
وعن الثالث: ما تقدم أن العرب تشترط المناسبة في النعوت بين المعنى، والتركيب؛ فلذلك اختص الرجل بنعت الواحد، والرجال بنعت الثلاثة.
وعن الرابع: أن قرينة الوحدة صرفت لفظ الإله لحقيقة الجنس؛ لأن معنى الكلام: المعبود باستحقاق واحد، والكلام في المعرف، إذا لم يكن معه قرينة، ثم إن مرادنا بالإله ليس المعبود كيف كان، الذي هو المسمى اللغوي، بل المعبود باستحقاق، وهو لم يوجد في الخارج، ولا يمكن أن يوجد إلا واحد، والعموم هو يتبع العام بحكمه في أفراده، فإنه إذا لم يوجد إلا فرد معين وحده، فكأنا قلنا:" كل فرد يتوهم من هذه المادة، ولم يوجد منه إلا واحد، ولا يمكن أن يوجد إلا واحد " فالعموم باق، وانحصار الكل في فرد من أفراده، أوجب صحة هذا الخبر.
وكذلك قوله: " الحيوان جنس " قرينة الجنسية منعت من حمله على العموم؛ لأن مفهوم الجنس هو الذي يصدق على كل فرد من أفراد أنواعه، فلو جعلناه عاما كلية، لكان معنى اللفظ: أن كل فرد من أفراده صادق على كل فرد من أفراده، وهو باطل؛ لأن " زيدا " لا يصدق على كل فرد من أفراد الحيوان؛ فيتعين صرفه للحقيقة الكلية المشتركة بين جميع الأنواع، فهذه قرينة صارفة، والنزع في المعرف، إذا تجرد عن القرينة.
وعن قوله: {والنخل باسقات} [سورة ق: 10] أنه ليس وصفا عند النحاة؛ لأن " النخل " معرفة و " باسقات " نكرة، والمعرفة لا توصف بالنكرة.
سلمنا أنه وصف؛ لكنا نمنع أن النخل مفرد؛ فلم لا يقال: هو جمع نخلة؟ وقد قال أبو علي في " تكملة الإيضاح ": " النخل جمع نخلة، والشجر جمع شجرة " ولم يحك خلافا، وكذلك قاله في قمح، وشعير، وجراد، ونظائره كثيرة.