الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واعلم أن هذا الشك قوي غير أن جوابه قاعدة، وهي أن المركبات قسمان:
منها ما يكون بين أجزائها عموم وخصوص، كالحيوان مع الناطق في الإنسان.
ومنها ما لا يكون بين أجزائها عموم وخصوص، كأفراد العشرة.
فالقسم الأول يتعين الجزء الخاص للانتفاء إذا دل الدليل على انتفاء الماهية؛ لأنها إن انتفت بجملة أجزائها، فيستحيل أن ينتفي بالجزء العام انتفاء الجزء الخاص، وإن انتفت بأحد أجزائها، فيستحيل أن ينتفي بالجزء العام الذي هو الحيوان - مثلا- مع بقاء الجزء الخاص الذي هو الناطق، بل يتعين أن يكون إنما انتفت بالجزء الخاص، ونفي الجزء العام بعده جائز، فعلمنا أن انتفاء الجزء الخاص لازم الانتفاء قطعاً انتفت بكل أجزائها أو بعضها، بخلاف الجزء العام، فكذلك تعين النفي، ولا يلزم القضاء بنفي الجزء الآخر؛ لأن الدليل ما دل إلا على نفي الماهية، ونفيها أعم من نفيها بكل أجزائها، أو بعض أجزائها، والدال على الأعم غير دال على الأخص، فلا يستفاد من ذلك الدليل نفيها بكل أجزائها؛ لأنه أخص من مطلق نفيها الذي لم يدل الدليل إلا عليه، أما إذا كانت أجزاء الماهية ليس بينها عموم ولا خصوص فلا يتعين لمطلق نفي الحقيقة جزء معين البتة، كذلك هاهنا الوجوب أخص من الجواز، فلا جرم تعين قيد الوجوب للنفي دون قيد الجواز، وإستثنينا الجواز؛ لأن مطلق النفي لا يستلزمه لما تقدم، وهذه قاعدة ينبغي أن يتفطن لها لئلا يرد السؤال مع الغفلة عنها، فليس له جواب غيرها.
(تنبيه)
زاد التبريزي فقال: لا نسلم أن حقيقة الجواز رفع الحرج، بل التخيير
ولهذا لا يطلق على أفعال البهائم والصبيان، ولو سلم فليس ذلك بلازم
حكم خطاب الإيجاب، بل حكمه الحمل، ورفع الحرج من حكم الأصل، ولو سلم فإنه يثبت ضمناً للحمل فيزول بزواله.
وقوله: "يتحقق رفع الوجوب بسقوط العقاب".
قال: قلت: الجواز جزء ماهية الوجوب، أو من ضروراته ،وإلا لبطل الاستدلال بالوجوب على ثبوته، وإن كان فلم قلتم:"إن طريق رفع الحرج رفع هذا الجزء دون دال على أن سياقه يقتضي بقاء الندب، وهو أوجه ولا قائل به؟ ".
قلت: في كلامه مواضع:
أحدهما: حكم الإيجاب، والحمل لفظ محتمل إن أراد به خطاب الشرع بجواز الإقدام فمسلم، ولفظه غير مفصح عنه، ولم يبق بعده إلا نفي الحرج.
وثانيها: قوله: "يزول الجواز بزوال الوجوب" قد علمت بطلانه بالقاعدة المتقدمة.
وثالثها: قوله: "لم قلت: إنه يلزم رفع هذا الجزء دون ذاك؟ ".
جوابه: من القاعدة.
ورابعها: قوله: "لم يقل أحد بالندب مع أنه أوجه " يريد بكونه أوجه أن دليل الوجوب كما اقتضى الجواز اقتضى رجحان الفعل أيضاً، والمنع من الترك، فيقتصر بالدليل النافي للوجوب والناسخ له على أقل ما يكون جمعاً بين الأدلة، فيبقى الندب بالضرورة.
وقوله: "لا قائل به " مع أن صاحب الكتاب قد صرح به بقوله: وذلك هو المندوب، والمباح في آخر المسألة، وقد علمت في أول (المحصول) أن تفسير المباح بمستوى الطرفين هو اصطلاح المتأخرين.
وتفسير المتقدمين: هو ما لا حرج في فعله كان مندوبا ً، أو مباحاً، أو مكروها، فكذلك هاهنا أمكن أن يكون مرادهم بالجواز المباح، والندب، ولا سبيل للكراهة لما تقدم.