الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشطر الثاني من هذا القسم
فيما ألحق بالعموم، وليس منه
قال الرازي: المسألة الأولى: الواحد المعرف بلام الجنس لا يفيد العموم؛ خلافا للجبائي، والفقهاء، والمبرد.
لنا وجوه:
الأول: أن الرجل، إذا قال:" لبست الثوب، وشربت الماء " لا يتبادر إلى الفهم الاستغراق.
الثاني: لا يجوز تأكيده بما يؤكد به الجمع؛ فلا يقال: " جاءني الرجل كلهم أجمعون ".
الثالث: لا ينعت بنعوت الجمع؛ فلا يقال: " جاءني الرجال القصار، وتكلم الفقيه الفضلاء ".
فأما ما يروى من قوله: " أهلك الناس الدرهم البيض، والدينار الصفر " فمجاز؛ بدليل أنه لا يطرد، وأيضا: فالدينار الصفر، إن كان حقيقة، فالدينار الأصفر مجاز، كما أن الدنانير الصفر، لما كانت حقيقة، كان الدينار الأصفر، إما خطأ، أو مجازا.
الرابع: البيع جزء من مفهوم هذا ابيع، وإحلال هذا البيع يتضمن إحلال البيع، فلو كان لفظ البيع مقتضيا للعموم، لزم من إحلال هذا البيع إحلال كل البيع ومعلوم أن ذلك باطل.
فإن قلت: لم لا يجوز أن يقال: اللفظ المطلق، إنما يفيد العموم، بشرط العراء عن لفظ التعيين، أو يقال: اللفظ المطلق، وإن اقتضى العموم، إلا أن لفظ التعيين يقتضي خصوصه.
قلت: أما الأول: فباطل؛ لأن العدم لا مدخل له في التأثير، وأما الثاني: فلأنه يقتضي التعارض؛ وهو خلاف الأصل.
الخامس: هو أنا قد بينا: أن الماهية غير، ووحدتها غير، وكثرتها غير، والاسم المعرف لا يفيد إلا الماهية، وتلك الماهية تتحقق عند وجود فرد من أفرادها؛ لأن هذا الإنسان مشتمل على الإنسان مع قيد كونه هذا؛ فالآتي بهذا الإنسان آت بالإنسان.
فالإتيان بالفرد الواحد من تلك الماهية يكفي في العمل بذلك النص.
فظهر أن هذا اللفظ لا دلالة له على العموم ألبتة:
احتجوا بوجوه:
أحدها: أنه يجوز أن يستثنى منه الآحاد، التي تصلح أن تدخل تحته؛ لقوله تعالى:{إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا} [العصر: 2] والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله فيه؛ وذلك يدل على كون هذا اللفظ عاما.
وثانيها: أن الألف واللام للتعريف، وليس ذلك لتعريف الماهية؛ فإن ذلك قد حصل بأصل الاسم ولا لتعريف واحد بعينه؛ فإنه ليس في اللفظ دلالة عليه، اللهم إلا عند المعهود السابق، وكلامنا فيما إذا لم يوجد ذلك ولا لتعريف
بعض مراتب الخصوص؛ فإنه ليس بعض تلك المراتب أولى من بعض؛ فلابد من الصرف إلى الكل.
وثالثها: أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية؛ فقوله تعالى: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275] مشعر بأنه إنما صار حلالا؛ لكونه بيعا؛ وذلك يقتضي أن يعم الحكم؛ لعموم العلة.
ورابعها: أنه يؤكد بما يؤكد به العموم؛ كقوله: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل} [آل عمران: 93] وذلك يدل على أنه للعموم.
وخامسها: أنه ينعت بما ينعت به العموم؛ كقوله تعالى: {والنخل باسقات} [سورة ق: 10] وكقوله: {أو الطفل الذين} [النور: 31] وكل ذلك يدل على أنه للعموم.
والجواب عن الأول: أن ذلك الاستثناء مجاز؛ بدليل أنه يقبح أن يقال: " رأيت الإنسان إلا المؤمنين " ولو كان حقيقة، لاطرد، ويمكن أن يقال: إن الخسران، لما لزم كل الناس، إلا المؤمنين، جاز هذا الاستثناء.
وعن الثاني: أن لام الجنس تفيد تعيين الماهية، لا تعيين الكلية، وقد عرفت أن نفس الماهية لا تقتضي الكلية.
وعن الثالث: أن ذلك اعتبار مغاير للتمسك بنفس اللفظ، ونحن لا ننكر ذلك، والله أعلم.
الشطر الثاني من هذا القسم: فيما ألحق بالعموم وليس منه
قال القرافي: المسألة الأولى: الواحد المعرف بلام الجنس لا يفيد العموم.
قال الغزالي في (المستصفى): المختار في هذه المسألة التفصيل: فما يتميز الواحد عن جنسه بتاء التأنيث؛ كتمرة وتمر، وبرة وبر، يعم؛ كقوله عليه السلام:" لا تبيعوا البر " وما لا يتميز بالتاء، إن كان يتمييز بالشخص، والوحدة؛ كالدينار والرجل، فهو ليس للعموم؛ فإنك تقول: دينار واحد، ورجل واحد، وما لا يوصف بالوحدة؛ كالذهب، فإنه يعم؛ فإنك لا تقول: ذهب واحد؛ فإن كونهم وضعوا الواحد المميز بالتاء يدل على أن ما لا ينافيه للعموم، وما لا يوصف بالوحدة دليل على أنه موضوع للعموم، وقولهم:" الدينار أفضل من الدرهم " على العموم فيه بقرينة التسعير، ولا " لا يقتل المسلم بالكافر، ولا الرجل بالمرأة " يفهم ذلك بالقرائن.
قوله: إذا قال الرجل: " لبست الثوب، وشربت الماء " لا يفهم بالقرائن منه العموم.
قلنا: النزاع في هذه المسألة، إنما هو عند التجرد عن القرائن؛ فلا ينبغي الاستدلال إلا بالصور التي لا قرائن فيها، وهاهنا القرينة موجودة، بل قطعية؛ لأن العادة قاضية بعدم لبس جميع ثياب العالم للرجل الواحد، وكذلك شرب جميع المياه.
قوله: " لا يؤكد بما يؤكد به؛ فلا يقال: جاءني الرجل كلهم ".
قلنا: لم تكتف العرب في التأكيد والنعت بالمساواة في المعنى، بل اشترطت مع ذلك المساواة في اللفظ؛ فلا ينعت، ولا يؤكد المفرد إلا باللفظ
المفرد، ولا المثنى إلا باللفظ المثنى، ولا الجمع إلا بالجمع، وكذلك التأكيد، فلا يلزم من استواء اللفظين في معنى العموم أن يؤكد أحدهما بما يؤكد به الآخر، بل لابد من المساواة في اللفظ.
قوله: " أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض مجاز لعدم الاطراد ".
قلنا: قد منعتم في باب المجاز والحقيقة لزوم الاطراد في الحقيقة؛ فيلزمكم ذلك هاهنا.
قوله: " إن كان الدينار الصفر حقيقة، فالدينار الأصفر مجاز ".
تقريره: الحقيقة، إذا كانت هي نعت المفرد بالجمع، يكون نعت المفرد بالمفرد مجازا؛ لأنه على خلاف الوضع الأول، ولأنه استعمال اللفظة في غير ما وضعت له؛ لأن الأصفر لم يوضع للنعت، وقد استعمل فيه، ويرد عليه سؤالان:
أحدهما: أن اللازم، على هذا التقدير، الترادف لا المجاز؛ لأن الجمع وضع للنعت، ووضع للمفرد أيضا معه، فأما المجاز، فلا.
وثانيهما: أن البحث في النعت مع المنعوت بحث في المركبات، لا في المفردات، وعند المصنف: العرب لم تضع المركبات، وأن المجاز المركب عقلي، فلا يدعيه هاهنا، وقد تقدم هذا السؤال مرارا، وتقدم الجواب عنه؛ أن المصنف لم يفرع على مذهبه قط في هذا الكتاب، بل على مذهب الجماعة؛ وهو أن العرب وضعت المركبات.
قوله: " البيع جزء من مفهوم هذا البيع، فلو كان البيع للعموم، لزم من إحلال هذا البيع إحلال كل بيع ".
قلنا: هذه العبارة موهمة أن المراد: أن مطلق البيع جزء من البيع الخاص؛ قولهم: " من مفهوم هذا البيع "، والمفهومات إنما هي المعاني دون
الألفاظ، وعلى هذا التقدير؛ لا يلزم من إحلال هذا البيع إحلال كل بيع، بل مطلق البيع فقط، ومطلق البيع مجمع على حله، وهو أن بيعا بإحلال، فلا يفقد كلامكم شيئا، وإن كان مرادكم اللفظ دون المعنى، فينبغي أن تقولوا: لفظ البيع المدعي فيه العموم جزء من قولنا: هذا البيع، وهذا صحيح؛ لأن البيع المفرد المحلى باللام، جعل نعتا؛ كقولنا هذا، لكن قولكم بعد هذا:" فيلزم من إحلال هذا البيع إحلال كل بيع " غير لازم؛ لأن القضاء حينئذ بالحل، إنما هو على المجموع المركب من صيغة العموم.
وقولنا: هذا الذي هو المنعوت لايلزم من ثبوت حكم لمجموع أن يثبت لأجزائه، كما تقول: قولنا: " زيد قائم ": خبر، وكل واحد من أجزائه ليس خبرا، و (زيد): اسم، وكل واحد من أجزائه ليس اسما و (قام): فعل ماض، وكل واحد من أجزائه ليس كذلك، وهو كثير أظهر من أن يضبط بالمل، وقد يكون حكم المجموع تاما لمفرداته؛ كقولنا:" مجموع الروم جسم، وكل واحد منهم جسم، ومجموع الكلام ممكن، وكل واحد من أجزائه ممكن " وهو أيضا كثير جدا، وإذا كان الحال منقسما، لما ثبت حكم مجموعه لمفرداته، وإلى ما لا يثبت، فيكون هذا المستفاد من اللفظ لغة، إنما هو ثبوت الحكم للمجموع.
أما ثبوته للمفردات ولا ثبوته: إنما يعلم بدليل من خارج؛ وحينئذ تحقق المنع هاهنا، فيمنع ثبو الحل لمفهوم قولنا:" هذا البيع " لأنه جزء.
قوله: " اللفظ المطلق، إنما يفيد العموم بشرط العراء عن لفظ التعيين ".
قلنا: هذا خلاف الإجماع؛ لأن القائل قائلان: قائل بعدم العموم، فلا شرط، ولا مشروط.
وقائل يقول: هذه القرائن مانعة صارفة؛ كأن عدمها شرط، فلا يمكنك أن تقول: عدم المانع شرط؛ لأنا نقول: هذا كلام قد وهم فيه جمع كثير
من الفقهاء، فيجعلون عدم المانع شرطا؛ ويدل على بطلان ما توهموه: أن الشك في وجود المانع وعدمه يوجب أن يترتب الحكم على سببه؛ لأن الأصل عدم المانع، والشك في وجود الشرط وعدمه يلزم منه عدم ترتب الحكم على سببه؛ لأن الأصل عدم الشرط، فلةو كان عدم المانع شرطا، لزم من الشك في المانع الشك في الشرط، ويلزم أن يثبت الحكم، وألا يثبت؛ لأنه مهما شك في المانع الشك في الشرط، ويلزم أن يثبت الحكم، وألا يثبت؛ لأنه مهما شك في المانع، فقد شك في عدمه، وعدمه شرط؛ فالشرط مشكوك فيه، فتأمل ذلك ولا تجعلن عدم المانع شرطا أبدا إلا بدليل منفصل؛ وحينئذ إذا وقع الشك في ذلك " المانع الذي عدمه شرط " لا يترتب الحكم؛ لأن الأصل عدم الشرط، وإذا ظهر ذلك قلنا: إن العبارة الصحيحة هنا أن تقول: تفيد الصيغة العموم، إلا أن يقوم مانع من ترتيب حكم العموم عليها.
قوله: " العدم لا يدخل في التأثير ".
قلنا: لا تأثير هنا، بل الدلالة واللزوم فقط، فعدم المانع، إذا جعل شرطا كما سلمتموه للخصم، يكون ذلك العدم علامة مع وجوب السبب الذي هو الصيغة على ترتب الحكم، ولا نزاع أن عدم الشرط معتبر، وعدم اللازم معتبر في عدم الملزوم. .
قوله: " تركه العموم؛ لقرينة الإشارة والتعيين، يقتضي التعارض، وهو خلاف الأصل. ".
قلنا: والأصل يخالف؛ لقيام الدليل فيمكن مخالفته، فقد ذكر الفقهاء أدلة كثيرة تقتضي أن المعرف باللام من المفردات وغيرها يقتضي العموم، وهي الوجوه التي ذكرتموها كلها في صيغة الجمع؛ من صحة الاستثناء، وحسن الجزاء على موجب العموم، والمؤاخذة، إذا لم تجر على موجب