الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
في أنه ليس من شرط الوجوب تحقق العقاب على الترك
هذا هو المختار، وهو قول القاضي أبي بكر؛ خلافا للغزالي.
لنا وجهان: الأول: أنه لو كان كذلك، لكان حيث تحقق العفو، لم يتحقق الوجوب، وذلك باطل، على قولنا بجواز العفو عن أصحاب الكبائر.
والثاني: أن ماهية الوجوب تتحقق عند المنع من الإخلال بالفعل، وذلك يكفي في تحققه ترتب الذم على الترك، ولا حاجة إلى ترتب العقاب على الترك.
والعجب أن الغزالي إنما أورد هذه المسألة بعد أن زيف ما قيل في حد الواجب: أنه الذي يعاقب على تركه، وذكر: أن الأولى أن يقال: الواجب هو الذي يذم تاركه.
وهذا منه اعتراف بأن الواجب لا يتوقف تقرر ماهيته على العقاب، وأنه يكفي في تحققه إستحقاق الذم، ثم ذكر عقيبه بلا فصل هذه المسألة، وذكر أن ماهية
الوجوب لا تتحقق إلا بترجيح الفعل على الترك، والترجيح لا يحصل إلا بالعقاب، ولا شك أنه مناقضة ظاهرة.
المسألة الثالثة
في أنه ليس من شرط الوجوب تحقق العقاب على الترك
قال القرافي: قلنا: هذه الفهرسة غير محررة؛ فإن المنقول عن القاضي
...............................................................
أنه قال: يمكن تصور حقيقة الوجوب بدون إستحقاق المؤاخذة بأن يتصور الطلب الجازم بدونه.
وقال الغزالي وغيره: إذا قطعنا النظر عن استحقاق المؤاخذة لم يبق إلا رجحان الفعل، وهو قدر مشترك بين الوجوب والندب، فلا يتميز لنا حقيقة الوجوب إلا باستحقاق المؤاخذة على الترك.
أما وقوع المؤاخذة وإن وقوعها لازم في جميع الصور، فلم يقل به، ويشهد لصحته قول القاضي: إنا إذا قلنا: (اللهم توفنا مسلمين) لا نجد في أنفسنا مسامحة في هذا الطلب ولا رخصة، بخلاف إذا قلنا: (اللهم أعطنا
ألف قصر أو عشرة آلاف دينار)، فإنه إذا قيل لنا: تسعة آلاف لا يصعب على الواحد منها النزول عن العشرة إلى التسعة كما يصعب عليه النزول عن الإسلام إلى الكفر، فهذا هو الطلب الجازم، وهو الوجوب في هذه الصورة، والمؤاخذة على تقدير عدم الإجابة مستحيلة، فهذا تقرير المسألة، أما المؤاخذة بالفعل فلا، وبهذا يظهر بطلان أدلته؛ لأنها في غير صورة النزاع، ويظهر أيضا الجواب عن تعجبه من الغزالي في حد الواجب؛ فإنه لا تناقض بين قوليه، وقول الغزالي في حد الواجب: إلا بالعقاب مناقضة ظاهرة وكلامه في (المستصفى) عند التأمل لا يقتضي إلا هذا.
ونقل عن القاضي أنه قال: لو أوجب الله تعالى علينا شيئا، ولم يتوعد بالعقاب على تركه كان واجبا؛ لأن الوجوب بإيجاب الله تعالى لا بالعقاب.
فقال الغزالي على سبيل الإعتراض على القاضي: لابد من الإشعار بالعقاب، وإلا فلا يتقرر، هذا بعض لفظه، وتركت بقيته لطوله.