الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فجعله من باب تكليف ما لا يطاق عقلا، وهذا صريح في ذلك.
ثم قال: ومدركهم ينتقض بمخاطبة من لا يعتقد الصانع بتصديق الأنبياء، وقد وقع الخطاب بالمشروط قبل حصول الشرط، فالدهري والمحدث مخاطب بالصلاة.
وعن أبي هاشم: أن المحدث غير مخاطب بالصلاة، ولو استمر حدثه دهره، فإن أراد أنه لا يعاقب فقد خرق الإجماع.
ثم قال: والحق أنه لا يخاطب بإنشاء فرع على الصحة في حال الكفر.
وقال الغزالي في (المستصفى): قال المانعون: كيف يجب ما يستحيل فعله في الكفر، وهو لا يمكنه أن يمتثل، والنصوص متضافرة بأن المنع عقلي لا شرعي عند المانعين، وأنه يرجع إلى عدم اعتقاد صحة ذلك التكليف؟
قال المازري في (شرح البرهان) عن قوم من المبتدعة: إن الكفار غير مخاطبين بالعقائد، ولهم طريقان: إما لأنها ضرورية، والتكليف بالضروري غير جائز، أو هي اختيارية وهم غير مخاطبين بها، وأئمة المسلمين على خلافهم.
والمانعون بأنهم غير مخاطبين بالفروع، فهل انتفى ذلك شرعا أو عقلا؟
قولان، وهو إشارة إلى ما تقدم.
(فرع)
قال المازري: اختلف في هذه المسألة هل هي نظرية اجتهادية؟ - وهو الصحيح - أو قطعية
؟
قاله أبو المعالي اعتماداً على إجماع استقرائي.
قوله: " واعلم أنه لا أثر لذلك في الأحكام المتعلقة بالدنيا؛ لأنه لا يصلي حالة كفره "
قلنا: بل يظهر أثره في الدنيا من وجوه:
أحدها: أنه يكون ذلك سببا لإسلامه؛ لأنه جاء في الحديث: " أن الرجل ليختم له بالكفر بسبب كثرة ذنوبه "، ومقتضى ذلك أنه يختم له بالإسلام بسبب كثرة خيره وبره.
وثانيها: أن الإسلام يكون وقع في صدره إذا كان كثير الفساد والفسوق والفجور مضافا إلى الكفر، فإذا علم أن الإسلام يجب لذلك كله، كان ميله إلى الإسلام أشد.
وثالثها: أنه يتجه اختلاف العلماء في استحباب إخراج زكاة الفطر إذا أسلم في أيام الفطر.
ورابعها: أنه يتجه إقامة الحدود عليهم لا سيما الرجم عند الشافعي؛ فإن العقوبات مع المعاصي والمخالفات في تلك الجنايات مناسبة، أما أنا نعاقبه وهو لم يعص بذلك الفعل الذي يعاقبه عليه فبعيد عن القواعد.
فالقائل بأنهم مكلفون سلم من مخالفة القواعد، وهو أثر جميل.
وخامسها: استحباب قضاء الصوم إذا أسلم في أثناء الشهر ملاحظة لتقدم الخطاب في حقه، وكذلك وجوب إمساك بقية اليوم الذي أسلم فيه، بخلاف الصبي والحائض يزول عذرهما.
والفرق: تقدم الخطاب في حق الكفار دون الصبي، والحائض، والمسافر.
وسادسها: لا يشترط إذا أسلم في آخر الوقت بقاء وقت الاغتسال والوضوء، بل تجب الصلاة بإدراك وقت يسع ركعة منها فقط، على الخلاف في ذلك المخرج على الخلاف في كونهم مخاطبين أولا.
وسابعا: تفصيل معاملاتهم على معاملات المسلمين، فإنا إذا قلنا: ليسوا
مخاطبين بالتحريم كانت معاملاتهم فيما أخذوه على خلاف القواعد الشرعية أخف من معاملة المسلم؛ لأنه عاص بذلك العقد، وقد نهاه الله تعالى عنه، ولم ينه الكافر؛ ولأنه إذا أسلم أقر على ما بيده من الرهون والغصوب، بخلاف المسلم إذا تاب.
إذا قلنا: إنهم مخاطبون بالفروع، فلا استحسان في معاملاتهم من جهة أن كلا الفريقين تعاطى العقود المحرمة، ولم يبق الحق إلا من جهة أن الإسلام يقر لهم الغصوب، والربا، وثمن الخمور وغيرها.
وثامنها: أن عقد الجزية يكون من جملة آثاره ترك الإنكار للفروع؛ فإنه سبب شرع، كذلك إن قلنا: إنهم مخاطبون، وإلا فلا يكون شرع سببا إلا لترك إنكار الكفر خاصة.
وتاسعها: أن العلماء اختلفوا في الكافر إذا طلق، أو اعتق وبقيا عنده حتى يسلم هل يلزمه ذلك أم لا؟
فإذا قلنا: إنهم ليسوا مخاطبين أمكن تخريج عدم اللزوم على ذلك؛ فإن من جملة الفروع نصب الأسباب، والعتاق والطلاق سببان إذا لم ينصبا في حقهم لم يلزمهم أثرهما.
وعاشرها: الأوقاف، والهبات، والصدقات إذا باعوها بعد صدور أسبابها إذا قلنا: ليسوا مخاطبين لا نمنعهم من ذلك وهو مذهب مالك، وإن كنت لا أعلم خلافا في البياعات، وعقود المعاوضات أنهم يلزمون بها، والفرق - والله أعلم - عند العلماء أن معنى المظالم فيها أظهر تحققا، بخلاف عقود المعاوضة، وإن كان المدرك عدم تأهلهم للخطاب بتسببهم بكفرهم ما يبعدهم كما ابعدت الحائض عن الصلاة والصوم؛ لأنها قام بها ما يبعدها عن هذه الدرجة الشريفة التي هي التشريف بالتكليف، ولا ترد هذه الأسئلة، غير أن مقتضى مباحث العلماء هو الأول.
قوله: " أثر ذلك إنما يظهر في زيادة العذاب في الدار الآخرة ".
قلنا: أو في خفة العذاب؛ فإن الذي وجب وتعين للكافر إنما هو الخلود، أما نوع معين فلم يتعين، وإذا قلنا: مخاطبون وفعلوا تلك الأوامر كان ذلك سببا للتخفيف عن الفاعل لذلك، كما ورد عن أبي طالب:" أنه كان في غمرات النار، فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ضحضاح من نار "
قوله: " لنا قوله تعالى: {يأيها الناس اعبدوا ربكم} [البقرة: 21] ".
قلنا: عليه سؤالان:
أحدهما: أن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال، فيكون كل الناس مأمورين بالعبادة في حالة واحدة، فلا يعم ذلك جميع الناس في جميع الحالات، والمدعي العموم مطلقا، فلا تثبت الدعوى.
وثانيهما: أن العبادة هي التذلل ومنه:
طريق معبد إذا تذلل من كثرة المارين عليه، والفعل في سياق الإثبات مطلق يكفي في العمل به صورة واحدة، فنحمله على التذلل بترك الأصنام وفعل قواعد الديانات، فلا يشمل الفروع.
وهذا السؤال غير السؤال الأول؛ لأن الأول على عموم الأمر، وهذا على صيغة الفعل، ولا يمكن تكميل هذه الدليل بقوله:" لا قائل بالفرق "؛ لأن القائل بالفرق بين الأوامر والنواهي موجود.
وكذلك قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97]
إنما تناول بعض المأمورات، ويمكن أن يقال فيه: ولا قائل بالفرق، بخلاف
الآية الأولى؛ لأن كل من قال: إنهم مخاطبون ببعض الواجبات قال بالكل، بخلاف الآية الأولى فيها مطلق العبادة، فأمكن أن يكون بفعل المحرم.
قوله: " الكفر غير مانع؛ لأن الدهري والمحدث مأموران بالإيمان والصلاة ".
تقريره: أن الدهري لا يتصور منه تصديق الرسائل لعدم علمه أن للعالم صانعا، فنسبه بعدم اعتقاده الصانع لتصديق الرسل، كنسبه تقديم الإيمان قبل الفروع.
وكذلك المحدث لا يتصور منه الصلاة حالة الحدث، كما أن الكافر لا يتصور منه الفروع حالة الكفر، ولما ثبت التكليف في تلك الصورتين بالإجماع علمنا أن الكفر غير مانع من الفروع؛ لأنه مساو له.
قوله: " الدليل الثاني: قوله تعالى: {ما سلككم في سقر
…
الآية} [المدثر: 42] ".
قلنا: هذه الآية فيها الأوامر والنواهي معاً، فالصلاة والإطعام مأموران، والخوض مع الخائضين منهي عنه، فأمكن أن يقال في هذه الآية: وإذا ثبت ذلك في هذه الصور ثبت في الجميع؛ لأنه لا قائل بالفرق بخلاف غيرها من الآيات.
قوله: " المراد بالمصلين المسلمين "
قلنا: هذا مجاز، والأصل الحقيقة.
قوله: " الوعيد ترتب على ترك الكل، فلم قلت: إنه مترتب على كل واحد واحد؟ ".
قلنا: هذا السؤال لم يجب عنه المصنف فيما رأيته من النسخ.
وجوابه: أن الأوصاف المذكورة في تعليل العقوبات أو المثوبات يجب أن تكون مناسبة لها وإلا كان ذكرها عيباً في العرف، فيكون في اللغة كذلك؛ لأن الأصل عدم النقل والتغيير، فلا يحسن من السيد أن يقول ضربت
عبدي هذا؛ لأنه عصاني، وشرب لما عطش، فلا يكون ذكر قيد من هذه القيود إلا لاشتماله على المناسبة للعقوبة، ولا نعني بكونهم مخاطبين بالفروع إلا هذا القدر، أن أفعالهم في مخالفة الفروع سبب مناسب للعقوبة، وأما استقلاله بدخول (سقر) فلا يكون، والقائل بأنهم ليسوا مخاطبين يقول: أفعالهم في الفروع كالبهائم، وكما لا يحسن عقوبة البهائم شرعا على شرب الخمر، فكذلك الكفار.
قوله: " الثالث: قوله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر
…
الآية} [الفرقان: 68].
قلنا: هذه الآية كلها نواه، فلا يمكن أن يقال فيها: وإذا ثبت خطابهم بهذه الفروع المخصوصة خوطبوا بجميع الفروع؛ لأنه لا قائل بالفرق؛ لأن من الناس من قال: مخاطبون بالفروع في النواهي فقط.
والضابط: أنه متى كان في الآية أمر أمكن أن يقال فيه: لا قائل بالفرق؛ لأنه مهما ثبت الأمر ثبت النهي إجماعا، ومتى كانت الآية مشتملة على نواه فقط لا يمكن أن يقال فيها: لا قائل بالفرق؛ لأن القائل بالاقتصار على النواهي موجود، ومتى كانت الآية مشتملة على القسمين أمكن أن يقال: لا قائل بالفرق لتناولها بعض الواجبات دون المحرمات، فتأمل ذلك، ولا بد في كل دليل من هذه الأدلة من قولنا: ولا قائل بالفرق؛ لأن الدعوى عامة والآية التي ذكرها خاصة، فلا تسمع ما لم يضم إليها هذه المقدمة، وهو لم يذكرها أصلا، فعلى هذا تكون أدلته غير مسموعة، كمن قال: اللحم كله حرام؛ لأن الخنزير حرام، والمشروب كله حرام؛ لأن الخمر حرام، وكل عدد زوج؛ لأن العشرة زوج، فكل أدلته من هذا القبيل، فلا تسمع إلا بالمقدمة المذكورة، فليكن هذا التقرير عندك ثابتا في الجميع.
قوله: " الكافر يحد على الزنا ".