الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: من (السور) بغير همز الذي هو سور المدينة المحيط بها؛ فعلى هذا يكون للعموم، ونص عليه الجوهري، ونصره الشيخ أبو عمرو بن الحاجب، وهو قليل من حيث الصحة، وإن كان استعمال العرف إنما هو عليه غالبا دون الأول، والجمهور يغلطونهم في ذلك.
ويقول الفقهاء وغيرهم: سائر الفقهاء يعتقدون أن النية شرط في الصلاة، أي: جميعهم، نقل هذا جميعه القاضي عبد الوهاب المالكي في (كتاب الإفادة).
وعندي أنها من جمله صيغ العموم التي هي حرف جر؛ لما يأتي تقريره في أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم؟ وطالعه من هنالك.
(البحث الرابع في تحفيق موضوع صيغ العموم)
وهو في غاية الإشكال، ولقد وقع البحث فيه مع جماعة من الفضلاء فما تيسر لهم من جواب.
وتقرير الإشكال في تحقيق موضوعه: أن صيغ العموم بين أفرادها قدر مشترك، ولها خصوصيات.
والصيغة: إما أن تكون موضوعة للمشترك بينها، او لخصوصياتها، أو للمجموع المركب منها في كل فرد، او لمجموع الأفراد؛ والقدر المشترك يفيد العدد.
أما المشترك: فلأن اللفظ حينئذ يكون متواطئا مطلقا، يقتصر بحكمه على فرد من أفراده؛ لأنا لا نعني بالمطلق إلا اللفظ الموضوع للقدر المشترك؛ كقوله تعالى:{فتحرير رقبة} [المائدة: 89].
والعام قسيم المطلق، فلا يكون مطلقا، ولأنه لا يقتصر بحكمه على فرد.
وأما الخصوصيات في افراد المشتركين مثلا: فالخصوصيات متباينة مختلفة؛
كالطول والقصر والسود والبياض، ونحو ذلك، فلو كان اللفظ موضوعا لها، لزم أن تكون صيغة العموم مشتركة لوضعها بإزاء المختلفات؛ لكنها ليست مشتركة لوجوه:
احدها: أن المشترك لا تكون مسمياته غير متناهية؛ لأن الوضع فرع التصور، [و] جميع ما يتصوره الواضع متناه، والاستقراء أيضا دل على ذلك، لكن خصوصيات مسميات المشترك غير متناهية؛ فلا يكون اللفظ مشتركا.
وثانيها: أن المشترك لا يستعمل في كل أفراده؛ على قول جماعة من المعممة، والعام يستعمل في جميع أفراده؛ باتفاق المعممة.
وثالثها: أن المشترك مجمل يفتقر في حمله على شيء إلى قرينة، والعام عند المعمعة غير مجمل؛ فلا يكون لفظا لعموم مشترك.
وأما المشترك مع الخصوصية في كل فرد؛ مثل أن يكون موضوعا لمفهوم الشرك مثلا، ومع وصف الطول في زيد، والمفهوم الشرك مع وصف القصر في عمرو، فيتحصل في كل شخص مجموع مخالف للمجموع المتحصل من الشخص؛ لأن المشترك أبدا مع الخصوصية في كل فرد مخالف للمشترك مع الخصوصية في الفرد الآخر؛ فيكون اللفظ موضوعا لحقائق مختلفة؛ لأنها مجموعات متباينة، وقد تقدم أن اللفظ العام لا يكون مشتركا.
وأما مجموع الأفراد المركب من جميع المشتركين مثلا: فلا يجوز أن يكون اللفظ موضوعا بإزائه؛ لأن صيغة العموم لو كانت موضوعة للمجموع، لتعدد الاستدلال بها على ثبوت حكمها لفرد من أفرادها في النفي والنهي؛ بخلاف الأمر والثبوت؛ لأنه يكفي في نفي المجموع فرد من أفراده، وإذا نهى عنه يخرج من عدته بفرد من أفراده؛ لأن معنى النهي لا يعين المجموع للوجود، وإذا ترك منه فرد، فما عين المجموع للوجود.
فإذا قال الله تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} [الأنعام: 151] فعلى تقدير كون اللفظ موضوعا للمجموع، يكون معنى الآية:" لا تقتلوا مجموع النفوس "، فمن قتل الإماء من النفوس، لا يصدق عليه أنه قتل مجموع النفوس، فلا يكون عاصيا؛ لانه لم يقتل المجموع، فظهر أنه لو كان المجموع، لما أمكن الاستدلال به على ثبوت حكمه بكل فرد من افراده، فلا يكون اللفظ على هذا التقدير للعموم، هذا خلف، وهذا بخلاف الأمر بالمجموع، او الإخبار عن ثبوت المجموع؛ لأن وجوب المجموع يقتضي وجوب كل افراده، والإخبار عن ثبوته يقتضي أنه لا يصدق إلا بثبوت كل أفراده؛ فظهر الفرق بين النهي والنفي، وبين الأمر وخبر الثبوت.
وأما ان صيغة العموم لا تكون موضوعة للمشترك بقيد العدد؛ لأن مفهوم العدد أمر كلي، ومفهوم المشترك كلي.
والقاعدة: أن إضافة الكلي إلى الكلي يقتضي أن المجموع كلي، فيكون موضوع العموم على هذا التقدير كليا، فيكون مطلقا، وهو باطل لما تقدم.
وأما المشترك بقيد يسلب النهاية، فباطل أيضا؛ لأن المعنى حينئذ:" لا تقتلوا النفوس " بقيد سلب النهاية، فمن قتل العالم يخالف هذا النهي، فيئول البحث إلى تعذر الاستدلال بنفي النفي، والنهي دون الأمر، وخبر الثبوت، وقد تقدم إبطاله، وإذا بطلت هذه الأقسام كلها، أشكل حينئذ مسمى لفظ العموم غاية الإشكال، ويظهر أنه يلزم مما يتخيل فيها ثلاثة أمور:
الاشتراك، والإطلاق، أو تعدد الاستدلال بها في النفي والنهي؛ فجميع ما يتخيل من هذا القبيل لا يخرج عن هذه الأمور الثلاثة، وحينئذ يتعين كشف الغطاء عن المعنى الذي وضعت له صيغة العموم.
فأقول: إن صيغة العموم موضوعة للقدر المشترك مع قيد يتبعه بحكمه في جميع موارده.