الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فائدة)
نقل سيف الدين النهي ليس للتكرار عن بعضهم
، ونقله القاضي أبو يعلى الحنبلي في كتاب (العدة) عن القاضي أبي بكر بن الباقلاني، فلم يختص الإمام بما اختاره من عدم التكرار، لكن مذهب الجمهور خلافه.
***
المسألة الثالثة
قال الرازي: الشيء الواحد لا يجوز أن يكون مأمورا به منهيا عنه معا.
والفقهاء قالوا: يجوز ذلك، إذا كان للشيء وجهان.
لنا: أن المأمور به هو: الذي طلب تحصيله من المكلف، وأقل مراتبه رفع الحرج عن الفعل، والمنهي عنه هو: الذي لم يرفع الحرج عن فعله؛ فالجمع بينهما ممتنع؛ إلا على القول بتكليف ما لا يطاق.
فإن قيل هذا الامتناع إنما يتحقق في الشيء الواحد، من الوجه الواحد.
أما الشيء ذو الوجهين؛ فلم لا يجوز أن يكون مأمورا به؛ نظرا إلى أحد وجهيه منهيا عنه؛ نظرا إى الوجه الآخر، وهذا كالصلاة في الدار المغصوبة؛ فإن لها جهتين: كونها صلاة، وكونها غصبا، والغصب معقول دون الصلاة، وبالعكس؛ فلا جرم صح تعلق الأمر بها؛ من حيث إنها صلاة - وتعلق النهي بها؛ من حيث إنها غصب؛ لأن السيد، لو قال لعبده:" خط هذا الثوب، ولا تدخل هذه الدار " فإذا خاط الثوب، ودخل الدار، حسن من السيد أن يضربه، ويكرمه، ويقول: أطاع في أحدهما، وعصى في الآخر؛ فكذا ما نحن فيه؛ فإن هذه الصلاة، وإ كانت فعلا واحدا، ولكنها تضمنت تحصيل أمرين:
أحدهما مطلوب، والآخر منهي عنه.
سلمنا أن ما ذكرته يدل على قولك؛ لكنه معارض بوجه آخر، وهو أن الصلاة في الدار المغصوبة صلاة، والصلاة مأمور بها؛ فالصلاة في الدار المغصوبة مأمور بها.
وإنما قلنا: إن الصلاة في الدار المغصوبة صلاة؛ لأن الصلاة في الدار المغصوبة صلاة مكفئة، والصلاة المكفئة صلاة مع كيفية، فيكون مسمى الصلاة حاصلا.
وإنما قلنا: إن الصلاة مأمور بها؛ لقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} [البقرة: 34 - 83 - 110].
والواجب: أن الذي ندعيه في هذا المقام: أن الأمر بالشيء الواحد، والنهي عنه من جهة واحدة - يوجب التكليف بالمحال.
ثم إن جوزنا التكليف بالمحال، جوزنا الأمر بالشيء الواحد والنهي عنه؛ من جهة واحدة، وإن لم نجوز ذلك، لم نجوز هذا أيضا؛ فلنبين ما ادعيناه فنقول: متعلق الأمر: إما أن يكون عين متعلق النهي، أو غيره:
فإن كان الأول: كان الشيء الواحد مأمورا به، منهيا عنه معا، وذلك عين التكليف بما لا يطاق، والخصم لا يجعل هذا النوع من التكليف، من باب تكليف ما لا يطاق.
وإن كان الثاني: فالوجهان: إما ان يتلازما، وإما ألا يتلازما:
فإن تلازما: كان كل واحد منهما من ضرورات الآخر والأمر بالشيء أمر بما هو من ضروراته؛ وإلا وقع التكليف بما لا يطاق.
وإذا كان المنهي من ضرورات المامور، كان مأمورا؛ فيعود غلى ما ذكرنا؛ من أنه يلزم كون الشيء الواحد مأمورا، ومنهيا معا.
وإن لم يتلازما: كان الأمر والنهي متعلقين بشيئين لا يلازم أحدهما صاحبه، وذلك جائز؛ إلا أنه يكون غير هذه المسألة التي نحن فيها.
فإن قلت: هما شيئان يجوز انفكاك كل واحد منهما عن الآخر في الجملة؛ إلا أنهما في هذه الصورة الخاصة صارا متلازمين.
قلت: ففي هذه الصورة الخاصة المنهي عنه يكون من لوازم المأمور به، وما يكون من لوازم المامور به، يكون مأمورا به؛ فيلزم ان يصير المنهي عنه في هذه الصورة مامورا به؛ وذلك محال؛ فهذا برهان قاطع على فساد قولهم على سبيل الإجمال.
أما على سبيل التفصيل، فهو: أن الصلاة ماهية مركبة من أمور: أحد تلك الأمور: الحركات، والسكنات، وهما ماهيتان مشتركتان في قدر واحد من المفهوم، وهو شغالحيز؛ لأن الحركة: عبارة عن شغل الحيز بعد أن كان شاغلا لحيز آخر؛ والسكون: عبارة عن شغل حيز واحد أزمنة كثيرة، وهان المفهومان يشتركان في كون كل واحد منهما شغلا للحيز؛ فإذن: شغل الحيز جزء جزء ماهية الصلاة؛ فيكون جزاءا لها؛ لا محالة.
وشغل الحيز في هذه الصلاة منهي عنه؛ فإذن: أحد أجزاء ماهية هذه الصلاة منهي عنه؛ فيستحيل أن تكون هذه الصلاة مامورا بها؛ لأن الأمر بالمركب أمر بجميع أجزائه؛ فيكون ذلك الجزء مأمورا به، مع أنه كان منهيا عنه؛ فيلزم في الشيء الواحد أن يكون مأمورا به منهيا عنه؛ وهو محال.
أما قوله: " كونه صلاة وغصبا جهتان متباينتان يوجد كل واحد منهما عند عدم الآخر ":
قلنا: نعم، ولكنا بينا أن شغل الحيز جزء ماهية الصلاة، فكما أن مطلق الشغل جزء ماهية مطلق الصلاة، فذلك الشغل المعين يكون جزءا من ماهية.