الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال قوم: المنكر لأقل الجمع.
قال: وهو الأظهر.
قلت: وهذا الذي نقله عن الجمهور لم أره لغيره، وظاهر (المحصول) وغيره يأباه، فإن الجمهور على الفرق بينهما.
قوله: " ينصرف إلى المعهود، إذا كان هناك معهود ".
تقريره: أنك إذا قلت: " جاءني الرجال " ومرادك قوم فقد تقدم العلم بهم.
قوله: " لو لم يكن للعموم، لما استقام استدلال الصديق رضي الله عنه؛ لأن كون بعض الأئمة من قريش لا ينافي كون البعض من غيرهم ".
قلنا: هاهنا مزاحم آخر، وهو أن المبتدأ يجب انحصاره في الخبر؛ فانحصرت الأئمة في قريش، لا لأجل العموم.
وقولكم: " إذا كان بعضهم ممن قريش فلا ينافي، كون بعضهم من غيرهم ".
قلنا: هاهنا تفسير آخر لا البعض ولا الكل، بل الحقيقة من حيث هي هي؛ وتكون محصورة في هذا الخبر، فيحصل مقصود الصديق دون مقصودكم، ومع هذا المزاحم، لا يتأتى لكم الاستدلال بهذه الصورة على العموم.
قوله: " إلا بحقها، والزكاة من حقها ".
(سؤال)
الاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي
، فقوله:" إلا بحقها " يقتضي أن حقها سبب عدم العصمة؛ لأنه استثناء من إثبات، وهذا كلام غير مفهوم ابتداء؛ فما معناه؟
جوابه: أنه لابد من مضاف محذوف في أحد موضعين، فإن الضمير في قوله:(بحقها) متردد بين أن يعود على الكلمة؛ فيكون مثل الضمير في
(قالوها) وبين أن يعود على الدماء والأموال، فإن أعدناه على الكلمة، قدرنا المضاف المحذوف.
قيل: الحق تقديره: عصموا منى دماءهم إلا بتضييع حقها، أي: يضيع حق الكلمة؛ لأن لها حقوقا؛ كالزكاة، والصلاة، وجميع حقوق الإسلام؛ فإذا ضيعوها، استحقوا القتل والقتال، ويتم الاستثناء.
وإن اعدنا الضمير على الدماء والأموال، قدرنا المحذوف بعض الحق.
وقيل: الضمير تقديره: إلا بحق استباحتها، أي: بالسبب الحق الذي تكون الاستباحة به حقا، وتقديرنا:(استباحتها) أولى من تقديرنا (إراقتها) لأن الإراقة تخص الدماء، والاستباحة تعم الدنيا والأموال، وعلى كل تقدير يستقيم معنى الحديث، وبدون هذا لا يستقيم.
قوله: " بعد التأكيد يفيد الاستغراق إجماعا ".
قلنا: لا نسلم؛ بل الخصم ينازع في صيغ التأكيد؛ أنها تفيد العموم، كما ينازع في المؤكد، وليس عنده صيغة للعموم أصلا؛ والتأكيد عنده كالتأكيد عند الكوفيين في النكرات؛ لا يخرجها عن كونها نكرات.
وإن سلم الإجماع، لا يحصل مقصودكم؛ فإن الخصم إذا ساعد أنها بعد تفيد الاستغراق، وقبله لا تفيده، يكون لفظ التأكيد عنده منشأ العموم لا تأكيدا؛ وحينئذ يبطل اعتمادكم على كونه تأكيدا.
وقد قال إمام الحرمين في (البرهان): " وما زل فيه الناقلون عن الأشعري ومتبعيه: أن صيغة العموم مع القرائن تبقى مترددة، وهذا إن صح، فيحمل على توابع العموم؛ كالصيغ المؤكده؛ نحو: أجمعين، أكتعين.
أما غيرها، فلا، فقد صرح بأن صيغ التأكيد يمكن أن يقال: إنها مترددة بين الخصوص والعموم.
قوله: " نمنع تأكيد جمع القلة ".
قلنا: إن أوردوا جمع القلتة معرفا، لا نمنعه؛ لأنه إذا عرف للعموم فإنما يكون للقلة إذا كانت نكرة، وإن أوردوا تأكيده نكرة، منعنا على رأي البصريين، وجوازه على رأي الكوفيين لا يرد علينا؛ فإن شرط النقض أن يكون متفقا عليه، وهذا ليس متفقا عليه؛ فلا يرد.
قوله: " اللام لا بد لها من فائدة؛ لأنها للتعريف، والجنس معرف بالاسم النكرة قبل اللام؛ فيتعين الاستغراق أنه هو الذي عرفته اللام ".
قلنا: اللام تكون لاستغراق الجنس: كقوله تعالى: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "[النساء: 145] وللمعهود من الجنس: كقوله تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولا، فعصى فرعون الرسول} [المزمل: 15] إلى المعهود ذكره الآن، ولبيان حقيقة الجنس: كقول السيد لعبده: " اشتر الخبز واللحم " لا يريد استغراق كل فرق، ولا معهود بينهم؛ فتتعين الحقيقة، وللموازنة في الكلام:، نحو " رأيت هذا الرجل " وللتسوية بين النعت والمنعوت في أصل التعريف والكمال: كالواردة في صفات الله تعالى كقوله تعالى: {الرحمن الرحيم} [الحشر: 22]، و {الملك القدوس السلام} [الحشر: 23] أي: الكامل في كل معنى من هذه المعاني، وللتعيين كقولهم: دل الدليل على ثبوت الحكم في صورة النزاع؛ فإنه من المحال أن يريد الاستغراق؛ لأن كل دليل لا يدل على صورة النزاع، ولا العهد؛ لأنه لا معهود بيننا، ولا حقيقة الجنس؛ لأن القدر المشترك بين جميع الأدلة لا يدل على ثبوت الحكم في صورة النزاع، بل مطلق الدليل لا يدل على شيء، بل لكل مطلوب معين، ولا للموازنة؛ لعدم المنعوت،
وليس هذا موضع الكمال؛ لأنه ليس مقصود المستدل أن دليل المسألة أكمل دليل في العالم
، وهذا السؤال يوردونه في الخلافيات؛ فنبهت المستدل، إذا قيل له: ما مرادك بهذه اللام؟
وأجابوا عنه بأنها في الدليل للتزيين، أي: حلية على اللفظ المذكور؛ كحلي الذهب على الحيوان وغيره، وذكر أنها للتزيين صاحب (التنقيحات) وذكر أكثر الأقسام، وذكر السؤال على قولنا: دل الدليل ما معن اللام فيه؟ وتكون زائدة؛ كقول الشاعر (الطويل):
تقول الخنا وأبغض العجم ناطقا
…
إلى ربنا صوت الحمار اليجدع
فزاد الألف واللام في الفعل المضارع للوزن، وإا كانت ترد هذه المواطن التسعة؛ فلم قلتم: إنها إذا لم تفد تعريف الماهية أو المعهود، يتعين الاستغراق؟
جوابه: أن ما عدا العهد وحقيقة الجنس قليل في اللغة، إلا في نعت المبهم، وليس هو هاهنا، وليس الغالب إلا الثلاثة الأول.
قوله: " يصح استثناء كل واحد منه ".
قلنا: قد تقدم أن الاستثناء أربعة أقسام: ما لولاه لعلم دخوله، وما لولاه لظن دخوله، وما لولاه لجاز دخوله، وما لولاه لامتنع دخوله.
والاستثناء في هذا الموضع مما يجوز دخوله، ولا يخرجه ذلك عن كونه لأقل الجمع.
قوله: " يصح انتزاع المنكر من المعرف، فيكون المعرف أكثر؛ فيكون للعموم؛ لأن ما دون العموم، العموم أكثر منه.
قلنا: جاز أن تكون الصيغة مشتركة بين العموم والخصوص؛ كما قاله جماعة من الواقفية، وتكون قرينة الانتزاع دليل إرادة العموم في المنتزع منه، والكل عند عدم القرينة، هل يحمل على العموم أم لا؟
ولا نزاع عند الواقفية في احلمل على العموم عند القرينة، إنما النزاع عند عدمها، ثم إنا نقول: صحة الانتزاع يتوقف على صحة إيراد الكلية، فالصحة متوقفة على الصحة، لا على الوقوع؛ كما تقول: إنه يصح الاستثناء من المطلقات؛ بناء على محالها، وأزمنتها، وبقاعها، وأحوالها؛ لأنها يمكن إرادتها، والتعيين منها، فذلك هاهنا.
قوله في الأمثلة: " لو كانت للعموم، لزم المحال في استعماله في العهد ".
قلنا: المجاز أو الاشتراك لازم على تقدير كونها للعموم أو ليست للعموم؛ لأنها لم لو تكن للعموم، لزم الاشتراك أو المجاز، إذا استعملت في العموم، واللازم على النقيض لا يجبر زمنه؛ لتعذر الاحتراز منه.
قوله: " يكون الكل والبعض داخلا عليه خطأ ".
قلنا: لا يكون خطأ، بل الكل تأكيد، والبعض تخصيص، والعام قابل لهما لغة، وما هو قابل لهما لغة لا يكون خطأ.
فإن قلت: " هما على خلاف الأصل ".
قلت: والمجاز والاشتراك على خلاف الأصل، فلو لم تكن للعموم،
واستعملت في العموم، لزم المجاز والاشتراك، غير أن المجاز على تقدير كونها للعموم أحسن، وأقل مخالفة للأصل؛ لان الكلية مستلزمة للجزئية؛ بخلاف العكس.
وإذا حصلت الملازمة، كان المجاز أرجح من صورة عدم الملازمة، ثم التكرير لازم للقول بالخصوص، إذا ذكر البعض.
قوله: " اللام للتعريف، فتصرف إلى ما السامع به أعرف ".
قلنا: فعلى هذا؛ يبطل مقصودكم في أصل المسألة؛ لأن مقصود المسألة: أن تكون اللام للعموم عينا في اللغة، ولا تنصرف لغيره إلا بقرينة.
فإذا سلمتم أنها للقدر العام، وهو ما السامع أعرف به، بطل خصوص العموم، بل ينبغي أن تقولوا: هي حقيقة في العموم.
والعهد إنما يصار إليه لقرينة، وهو أولى من العكس؛ لوجود الاستلزام بين الكلية والجزئية. أما البعض الذي هو الجزئية، فلا يستلزم الكلية؛ فكان مجازا أولى.
قوله: " ودخول الكل والبعض لا يكون تكريرا، ولا نقضا؛ بل تأكيدا أو تخصيصا ".
قلنا: والتأكيد تكرير؛ فلا معنى يمنع التكرير، والتخصيص نقض؛ لأن العام المخصوص وجد حينئذ بدون مدلوله الذي هو العموم؛ لأجل الخصوص، ولا معنى للنقض إلا وجود الدليل بدون المدلول، والحد بدون المحدود، والعلة بدون المعلول.
فالتخصيص نقض على الدليل بالضرورة؛ لأن الألفاظ اللغوية أدلة على مسمياتها.