الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة المعينة، فإذا كان هذا الشغل منهيا عنه، وهذا الشغل جزء ماهية هذه الصلاة، كان جزء هذه الصلاة منهيا عنه، وإذا كان جزاؤها منهيا عنه، استحال كون هذه الصلاة مأمورا بها، بل الصلاة مامور بها، لكن النزاع ليس في الصلاة، من حيث إنها صلاة؛ بل في هذه الصلاة، وأما المثال الذي ذكروه، وهو: أن يقول السيد لعبده: " خط هذ االثوب، ولا تدخل هذه الدار " فهو بعيد؛ لأن هاهنا الفعل الذي هو متعلق الأمر، غير الفعل الذي هو متعلق النهي، وليس بينهما ملازمة؛ فلا جرم صح الأمر بأحدهما، والنهي عن الآخر.
إنما النزاع في صحة تعلق الأمر والنهي بالشيء الواحد؛ فأين أحدهما من الآخر؟
وأما المعارضة التي ذكروها، فمدار أمرها على أن قوله تعالى:{أقيموا الصلاة} [البقرة: 43] يفيد الأمر بكل صلاة، فهذا مع ما فيه من المقدمات الكثيرة، لو سلمناه، لكن تخصيص العموم بدليل العقل غ مستبعد، وما ذكرناه من الدليل عقلي قاطع؛ فوجب تخصيصه به، والله أعلم.
(تنبيه)
الصلاة في الدار المغصوبة
، وإن لم تكن مأمورا بها إلا أن الفرض يسقط عندها لا بها؛ لأنا بينا بالدليل امتناع ورود الأمر بها.
والسلف أجمعوا على أن الظلمة لا يؤمرون بقضاء الصلوات المؤداة في الدور المغصوبة، ولا طريق إلى التوفيق بينهما إا ما ذكرنا، وهو مذهب القاضي أبي بكر رحمه الله، والله أعلم.
المسألة الثالثة
الشيء الواحد لا يكون مأمورا به منهيا عنه
قال القرافي: قوله: " الصلاة في الدار المغصوبة صلاة، والصلاة مامور بها، فالصلاة في الدار المغصوبة مأمور بها ".
قلنا: أثبتم أن الصلاة مأمور بها بالآية، والآية عامة في افراد الصلاة، مطلقة في أحوالها، وأزمنتها، وبقاعها؛ لان العام في الأشخاص مطلق في جميع ذلك، وإنما يدل اللفظ العام على حكم أفراده بأنه يفيد المطلق من جميع ذلك، فيتناول لفظ الصلاة بعمومه كل فرد من أفراد الصلاة بوصف مطلق الزمان، ومطلق المكان، ومطلق الحال، فخصوص الدار المغصوبة لا يتناولها عموم الآية، فلا يصدق أن الصلاة في الدار المغصوبة مأمور بها.
قوله: " الأمر بالشيء أمر بما هو من ضروراته، وإلا لزم التكليف بما لا يطاق ".
قلنا: لا نسلم أنه يلزم تكليف ما لا يطاق - وقد تقدم بيانه في " ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ".
قوله: " إن لم يتلازم الوجهان لا يكون عين هذه المسألة ".
قلنا: بل هي عينها؛ لأنا ندعي أن الشيء إنما تعلق بالغصب بما هو غصب، وأن الأمر تعلق بالصلاة بما هي صلاة، ولا شك ان الصلاة والغصب لا تلازم بينهما في الذهن ولا في الخارج، فإن اتفق اجتماعهما في بعض الصور لايصيرهما ذلك متلازمين؛ فإن كل ما هو عارض للشيء، غير لازم له يمكن أن يجتمع معه في بعض الصور، ولا يخرجه ذلك عن كونه ليس بلازم له، ولا نحن نقول: ما في الصلاة في الدار المغصوبة من مطلق الصلاة.
مأمور بها؛ لانا نقول: الصلاة في الدار المغصوبة بما هي صلاة في الدار المغصوبة مأمور بها وبينهما فرق؛ لتنزيل الصلاة الخاصة بما هي صلاة في الدار المغصوبة محرمة إجماعا، وليس مأمورا بها من هذا الوجه إجماعا، ولا تناقض بين إيجاب الأعم، وعدم إيجاب الأخص؛ بل تحريم الأخص لا يتناقض إيجاب الأعم، كما أن الحيوان المخصوص الذي هو الخنزير حرام، ومطلق الحيوان ليس حراما، وحينئذ فيصح أن المنهي عنه ليس من لوازم المأمور به، فتأمل ذلك.
قوله: " الحيز له شغل الحيز بعد أن كان شاغلا لغيره ".
قلنا: ينتقض ذلك بامرين:
أحدهما: إذا أعدم الله تعالى الجسم من حيز، ثم أوجده في حيز آخر، فإنه يصدق عليه أنه شغل حيزا بعد أن كان شاغلا بحيز آخر، وليس هو متحركا، ولم يوجد الحركة بعد، مع وجود ما ذكرتموه من الحد، فيكون الحد غير مانع.
وثانيهما: أن الجوهر الفرد إذا تحرك في حيزه حركه دورية يصدق عليه أنه متحرك، ولم يشغل حيزا بعد أن كان في حيز آخر ضرورة إيجاده الحيز؛ لأن الجوهر الفرد له حيز فرد، فيكون ما ذكرتموه من الحد غير جامع، كما كان بالسؤال الأول غير مانع، فهو عكس الأول.
قوله: " السكون عبارة عن شغل الحيز الواحد أزمنة كثيرة ".
قنا: يكفي في حقيقة السكون زمانين إجماعا، ولا حاجة إلى أزمنة كثيرة.
قوله: " فيكون ذلك الحيز مأمورا به، منهيا عنه ".
قلنا: الشغل الواحد وإن كان شغلا واحدرا، فله وجهان: هو مأمور به.
من أحد الوجهين، منهي عنه من الجهة الأخرى، فما يلزم من اتحاد الشغل اتحاد الجهة، فالمنع باق بحالة وإن اتحد الشغل، فإن الشغل الواحد هو صلاة وتقرب غلى الله تعال به في السجود وغيره، فمن هذا الوجه هو مأمور به، وكونه استيفاء لمنافع الغير، فهو من هذا الوجه محرم.
قوله: " ليس النزاع في الصلاة من حيث إنها صلاة، بل في هذه الصلاة ".
قلنا: مسلم أن النزاع في هذه الصلاة، لكن من حيث إنها هذه الصلاة أو من حيث إنها متضمنة لمطلق الصلاة، فالمأمور به فيها هو ما فيها من مطلق الصلاة لا من حيث هي هي.
قوله: " المثال في الخياطة، ودخول الدار، بعيد؛ لأن متعلق الأمر فيه غير متعلق النهي، والنزاع إنما هو الشيء الواحد، فتأمل ".
قلنا: بل مثال مطابق وخياطة للصلاة في الدار كصلاته في الدار المغصوبة.
وقولكم: النزاع إنما هو في الشيء الواحد.
قلنا: لكن غذا كان له جهتان كان كالشغل بالخياطة في الدار هو شغل واحد هو به خياط للثوب، وعاص بالكون في الدار، وكذلك المصلى له شغل واحد هو به مصل ومستوف لمنافع الغير، ففي الصورتين الشغل واحد، والجهات متعددة، والأمر والنهي متعلقان باعتبار شيئين، ولا مانع من تعلق الأمر بالماهية الكلية، بل ما وقع التكليف في الشريعة إلا بذلك فأمر الله تعالى بمطلق الصوم دون الصوم في المكان المخصوص، وكذلك الحج وسائر المأمورات، والواقع أبدا هو أخص من المأمور به دائما، ومتعلق العلم بأنه يقع أخص من المأمور به دائما، وقد تقدم تقريره في (الواجب المخير).
قوله: " العموم: تخصيص بالدليل القاطع ".
قلنا: قد بينا أنه ليس بقاطع.
قوله: " الفرض يسقط عندها لا بها ".
تقريره: أن سبب براءة الذمة من الواجب إنما هو فعل الواجب، فإذا ثبت أن هذه الصلاة غير مأمور بها كانت غير واجبة، فلا يصلح أن تكون سببا لبراءة الذمة من الواجب، فلا يصدق ان الفرض سقط بها؛ لأن الباء للسببية، بل عندها؛ لأن الإجماع إذا انعقد على سقوط الفرض، ودل الدليل على أنه ما سقط بها كان السقوط عندها، كما إذا دفعت الدين عند حائط معين صدق أن الذمة برئت بالدراهم المدفوعة عند الحائط، ولو قلت: برئت بالحائط عند الدراهم لم يصدق ذلك، وما سببه إلا إنما هو سبب يصلح أن تدخل عليه الباء، وما ليس سببا لا تدخل عليه الباء، فلذلك قلنا: يسقط الفرض عندها لا بها، أما لا بها فقد تبين، وأما عندها فلأن العلماء إن افتوا بسقوط الفرض إنما هو به عند الصلاة، أما إن سكن الدار المغصوبة، ولم يصل لم يفتوا بإسقاط الفرض، فلذلك قلنا:(عندها).
قوله: " السلف أجمعوا على أن الظلمة لا يمؤمرون بقضاء الصلوات ".
قلنا: هذا الإجماع فيه نظر من وجهين:
أحدهما: أن غايته أن ما نقل إلينا أنهم افتوا بالقضاء، ومن أين لنا أن بعضهم في بعض البلاد، او شعاب الجبال، أو بطون الأودية، أو بعض القرى، افتى بذلك، ولا يلزم من عدم العلم بالشيء عدم ذلك الشيء، لا سيما وهؤلاء الظلمة المشار إليهم هم الكائنونفي زمن بني أمية، حيث اتسع قطر الإسلام وممالكه، وبلاده من مشرق الشمس إلى مغربها؛ لأن الإشارة بلك إلى تلك العين الواقعة في زمن، فالإجماع بعد عصر الصحابة غير