الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سؤال)
لا نسلم أن المباح يضاد الحرام في كل الصور
، فقد لا يضاده كالكلام في وقت الزنا ونحوه، وحينئذ إنما يتأتي هذا في بعض المباحات، فلا يتم مقصوده.
وقوله: "وثانيها: قال كثير: إن الصوم واجب على المريض، والمسافر، والحائض".
قلنا: أما إطلاق الوجوب على المسافر، والحائض فإن أريد به أنه يجب عليهما أحد الشهرين إما شهر الأداء أو شهر القضاء فهو حق، ويكون الساقط عنهما إنما هو تعيين خصوص رمضان، وإن أريد به وجوب الخصوص في رمضان فهو باطل، وأما الحائض فالحق أنه لا يجب عليها إلا أحد الشهرين، ولا الخصوص؛ لأنها لو كانت كذلك لصح منها أن تأتي بخصوص رمضان، وهو خلاف الإجماع.
والمخالف في هذه المسألة كما علمت طائفة من المالكية والحنفية، وإختاره الشيخ أبو إسحاق في (اللمع)
، والقاضي أبو يعلى الحنبلي في كتاب (العدة) نقله عن الحنابلة.
ففي هذا القول المذاهب الأربعة:
فأما المالكية القائلون بها فأطلقت ذلك، ولم تفصل ولم تزد حرفا.
وأما الحنفية: فحسب قولها، وقالوا: يجب عليهما وجوبا موسعا، فلم يصادموا انعقاد الإجماع على تأثيمها بالصوم، بخلاف المالكية غير الحنفية، لم يصف لهم مسيرتهم أيضا؛ فإن قاعدة الواجب الموسع أن يصح الإتيان به في أي جزء شاء المكلف من ذلك الزمان الذي وسع الشرع فيه، فإن التزموا ذلك ورد عليهم الإشكال الوارد على المالكية من مصادمة الإجماع، وإن
لم يلتزموه خرجت المسألة من أيديهم، ويبقى معنى قولهم: المعنى بوجوب الصوم عليها أنها إذا طهرت قضت، وهذا ليس محل النزاع هاهنا.
وقال الشيخ أبو إسحاق في (اللمع): جواز الترك لا يدل على عدم الوجوب؛ بدليل الدين المؤجل، وتحريم الفعل لا يدل على عدم الوجوب بدليل المحدث، وكذلك أجاب القاضي أبو يعلى.
ويؤخذ من هذه الأجوبة: أن الجميع يقولون بالوجوب الموسع، وجوابهم، أن الدين لو عجل لصح، والمحدث يتمكن من إزالة الحدث وفعل الصلاة، بخلاف الحائض.
وظاهر نقل (المحصول): أن المريض والمسافر، والحائض يجب عليهم خصوص رمضان عيناً، وهو غير متجه، بما قاله المنصف.
قوله: "وقال آخرون: لا يجب على المريض والحائض، ويجب على المسافر".
قلنا: إن كان هذا القائل يريد بالمريض حرمة الشرع عليه؛ لأنه يؤدي إلى هلاكه أو فساد عضو من أعضائه، فهذا يقرب من الإتجاه.
قال الغزالي في (المستصفى): فإن صام مثل هذا، فيحتمل عدم الإجزاء؛ لأن المحرم لا يجزئ عن الواجب، وعلى هذا هو كالحائض،
قال: ويحتمل أن يجزئه؛ لأن المنع إنما كان لحق النفس، واحتمل أن يثبت الوجوب لحق الله، فإذا صام أمكن الإجزاء كالصلاة في الدار المغصوبة، محرمة من وجه، وواجبة من وجه، ومع ذلك أجزأت، وإن أراد المريض الذي لم يحرم عليه الشرع الصوم، فهو كالمسافر لا كالحائض الواجب عليه
أحد الشهرين، وسقط عنه الخصوص فقط لمشقة المرض، كما سقط عن المسافر لمشقة السفر.
قوله: "وعندنا أنه لا يجب على المريض والحائض بخلاف المسافر".
قلنا: صحة هذا الاختيار تتوقف على التفصيل المتقدم إن أراد الذي يحرم عليه الصوم أمكن القول بذلك، وإلا فلا على ما تقدم.
قوله: "ولأنه ينوي قضاء رمضان".
قلنا: هذا لا يدل على الوجوب سابقا، بل سبب هذه النية أن هذا الصوم ليس بنذر، ولا تطوع، ولا واجب وجب بسبب وجد، ولا كفارة، والنية حكمها تمييز العبادات عن العادات، وتمييز مراتب العبادات في نفسها، ولا مميز لهذا الصوم إلا إضافته إلى السبب السابق، فيضاف لرمضان ذلك، فكذلك نوى عن الماضي، وأضيف إليه، كما إذا كانت كفارات من ظهار، وإفساد الصيام، وكفارة يمين.
وقيل: لا بد في كل صوم أن يضاف لسببه حتى يتميز عن الآخر.
قوله: " لا يزيد عليه، ولا ينقص، فيكون بدلا عنه كغرامات المتلفات ".
قلنا: هو بدل عنه؛ لمعنى أن السبب السابق اقتضى وجوباً، ولم يترتب عليه لقيام المانع، فهذا بدل عن ذلك الذي لم يترتب، وكفى هذا في حسن كونه مقدرا بقدر السابق؛ لأن البدل تابع للمبدل، وإن عنيتم أنه بدل مما وجب فممنوع، بل صحة البدلية تصدق بما ذكرناه من غير محذور، ويلزم من مخالفة الإجماع في أن الوجوب يثبت أن يأثم بالترك.
قوله: "المندوب هل يجب بالشروع؟ "
قلنا: هذا الفرع لا يتجه في هذه المسألة؛ لأن مما يجوز تركه لا يتصف
بالوجوب، وهذا الفرع القائل بالوجوب، حيث قال به لا يجوز الترك، فلا يكون من هذه المسألة، ثم هذا الفرع لا أعرفه على إطلاقه، بل قالت به طائفة في الحج والعمرة المندوبين إذا شرع فيهما وجب إتمامهما.
وزاد المالكية خمسة أخرى: طواف التطوع، والصلاة، والصوم، المندوبين، والإتمام، فمن صلى في جماعة امتنع أن يفارق الإمام.
وعند الشافعي يجوز له أن يفارقه.
والاعتكاف، فمن نوى عشرة أيام وجب عليه إذا شرع فيها أن يكملها.
وما عدا هذه السبعة مواطن لا أعلم فيه خلافاً.
فقد قالت المالكية: من شرع في تجديد الطهارة يجوز له ترك الإكمال لذلك الوضوء. وكذلك من صرح بصدقة التطوع له الرجوع بها، وكذلك من شرع في بناء وقف، أو مسجد، او تلاوة القرآن له إبطال ذلك كله.
وليس من هذا الباب الفريضة أول الوقت؛ فإن هذا صفة واجب، والكلام في المندوب الصرف، والإتمام وإن كان صفة واجب إلا أنه مندوب مستقل، بخلاف تعجيل الفرض.
قوله: "الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام، وإن شاء أفطر".
قلنا: عنه أجوبة:
أحدها: أنه مجمل دائر بين أجزاء اليوم الواحد، فنقول لموجبه: إن شاء صام اليوم الثاني، وإن شاء أفطره؛ فإن الحديث لم يقل: في يوم واحد، فهو دائر بين الإحتمالين فهو مجمل.
وثانيها: سلمنا دلالته على اليوم الواحد، لكن نحمله على الصائم الذي عزم على الصوم قبل الشروع فيه.
ويدل على هذا المجاز: ظاهر قوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: 33]؛ فإن النهي للتحريم، فيكون الإبطال حراماً.
وثالثها: سلمنا أن المجاز لا يتعين، لكنه معارض بقوله عليه السلام: للأعرابي لما قال له: هل يجب علي غير ذلك؟
فقال له: (إلا أن تطوع)، مفهومه فيجب عليك.
قوله: " بفرضه نوى صوماً يجوز له تركه، فيكون بدله تركه بعد الشروع، لقوله عليه السلام: (الأعمال بالنيات، ولكل إمرئ ما نوى ".
قلنا: قوله عليه السلام: (الأعمال بالنيات)، (الألف)(واللام) فيه للعهد، أي المشروعة المعهودة في الشرع، وليس المراد المحرمات إجماعاً، وحينئذ يتعين أن يكون قوله عليه السلام:(ولكل إمرئ ما نوى)، أي منها حتى ينتظم الكلام، فلا يبقى فيه حجة حينئذ؛ لأنا نمنع أن هذا عمل مشروع، بل كل صوم مشروع - عندنا - لا يجوز إبطاله، والعمل بهذه الصفة غير مشروع فلا يندرج.
قوله: "إختلف في المباح هل هو من الشرع أم لا؟ ".
قلنا: منشأ الخلاف:
اختلاف تفسير المباح، فمن فسره بعدم الحرج، فعدم الحرج ثابت قبل الشرع، وما هو ثابت قبل الشرع لا يكون من الشرع.
ومن فسره بإعلام الشرع بنفي الحرج في الفعل، أو الترك، أو تخييره.
قال: هو من الشرع؛ لأن هذا الإعلام لا يوجد قبل الشرع، وما توقف على الشرع كان شرعيا، وما لا يتوقف على الشرع لا يكون شرعيا.
قوله: " فتكون الإباحة تقريرا للنفي الأصلي لا تغييرا، فلا تكون من الشرع ".
قلنا: لكن إن فسرت الإباحة بهذا التقرير كانت شرعية؛ لأنه لا يعلم قبل الشرع.
قوله: " إن أريد بالإباحة أنه حصل حكم غير الذي كان مستمرا قبل الشرع فليس كذلك، بل الإباحة في الأقسام الثلاثة التي ذكرها تقرير لا تغيير ".