الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للجار " يحتمل القسمين المذكورين في الشاهد واليمين؛ وعلى هذا يكون المدرك في عدم الدلالة على العموم تردده بين العموم والخصوص، أما حيث لا تردد؛ كقوله: " نهى عن بيع الحصاة وحبل الحبلة " ونحو ذلك؛ فالتردد بعيد، فيدل على العموم.
(تنبيه)
زاد التبريزي، فقال: يتجه أن يقال: لو كان خاصا، لما كان مسمى بيع الغرر منهيا عنه
؛ فلا يصدق في قوله: نهى عن بيع الغرر، فإن النهي عن الخاص ليس نهيا عن المطلق، فالنهي عن شرب الخمر ليس نهيا عن الشرب، ولا النهي عن الأكل في زمان نهيا عن الأكل.
فإذن إنما نقول: نهي عن بيع الغرر، مهما كان عدلا، إذا عرف أنه متعلق نهيه صلى الله عليه وسلم فيفيد العموم ضرورة وجود المتعلق في كل فرد؛ ولهذا، إذا قال: قضي بالشفعة، أو قال النبي صلى الله عليه وسلم: قضيته بالشفعة، فهو لسان أصل الشريعة؛ فيجب طلب السبب والمحل، ولا يلزم منه العموم.
قلت: " قوله: " النهي عن الخاص ليس نهيا عن المطلق " له معنيان؛ لأن المطلق تارة يراد به القدر المشترك بين الحقائق؛ كمطلق الحيوان ومطلق الإنسان الموجود في كل شخص من أشخاصه، وتارة يراد به العموم المستغرق لكل فرد، ولد رأيت وأنا في أول اشتغالي بالعلم جماعة من الفضلاء يتباحثون
في الفرق بينهم؛ بأن مطلق الحيوان والحيوان المطلق، ومطلق النهي والنهي المطلق، ونحو ذلك من هذا المعنى، وتقرر الفرق بينهم؛ بأن مطلق الحيوان ومطلق النهي للقدر المشترك [من] المفهوم الكلي للوجود في كل شخص من أشخاص تلك المادة لعرايته عن [لام] الاستغراق الموجبة للعموم؛ فكأنا أخذنا القدر المشترك الكلي، وأضفناه لمحله؛ فقلنا: مطلق النهي؛ فعلى هذا يكفي في صدقه فرد واحد، أما النهي المطلق، فقد صدرنا النهي بلام التعريف الموجبة؛ للعموم المستغرق لجميع الأفراد، ثم وضعنا هذا العموم.
بيانه: مطلق لا مقيد بحالة، ولا زمان، ولا مكان؛ فيعم جميع الأفراد من تلك المادة، فيكون النهي المطلق شاملا لجميع أفراد النهي، وكذلك بقية النظائر؛ بهذا تقرير الفرق بينهم في ذلك الزمان، وأنا أسمعهم يبحثون، ولم يكن في أهلية مخالطتهم فيما هم فيه؛ غير أني أفهم عنهم حينئذ مقاصدهم وعباراتهم، وصغر السن يمنع من مداخلتهم، وهذا الفرق صحيح باعتبار الاصطلاحات الخاصة، أما بحسب اللغة، فلا يتجه؛ بناء على أن اسم الجنس، إذا أضيف، عم؛ لقوله عليه السلام:" هو الطهور ماؤه، الحل ميتته " فيعم جميع المياه والميتات.
إذا تقرر هذا، فكلام التبريزي لا يصح على المعنى الأول، فإن القضاء بالشفعة المعينة قضاء بمطلق الشفعة الذي هو القدر المشترك؛ لأنه لا يلزم من إباحة الخاص إباحة المشترك، ومن تمليك الخاص تمليك المشترك، وهذا بخلاف النهي عن الخاص، ونفي الخاص، فلا يتناولان المشترك؛ لأن الخاص مركب من المشترك والخصوصية، ويكفي في نفي المركب والنهي عنه، إعدام فرد، وهو الخصوص؛ وعلى هذا لا يستقيم قوله عليه السلام: في نهيه عن الغرر الخاص؛ بخلاف القضاء بالشفعة، فافهم هذا الفرق
وأما المعنى الثاني: فيستقيم قوله عليه، وهو تفسير المطلق بالعموم الشامل، فإن النهي عن الغرر الخاص أو إباحته، لا يقتضي العموم، والظاهر أنه مراده، فتأمل كلامه وهذه التنبيهات والفروق والقواعد. وقوله:" إذا قال عليه السلام: " قضيت بالشفعة " فهو لبيان أصل الشريعة، فيجب طلب السبب والمحل، ولا يلزم منه العموم ".
معناه: أنه بيان للماهية الكلية في أصل الشريعة، ولم يتعرض لجميع الأفراد، فيجب أن يطلب بعد ذلك دليلا يدل على تعيين الآيات الموجبة للشفعة؛ كالبيع، والهبة، والصدقة، وللمحل، كالعقار والبناء، دون الأرض والشجر، ونحو ذلك مما اختلف فيه العلماء ن هل فيه شفعة أم لا؟
واتفقوا على الشفعة فيه، فإن وجد إجماع، اكتفى به، وإلا طلب دليل شرعي، ويرد عليه أن لفظ الشفعة صيغة عموم، ولم يتعين القدر المشترك الذي هو بيان حقيقة الجنس، لاسيما مع قوله عليه السلام:" قضيت " هو إخبار عن الحكم والفتوى؛ بخلاف قول الراوي: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة " وهو متردد بين الفتوى، وبين فصل الخصومات؛ فكان مجملا بالنسبة إلى الدلالة على العموم.
***