الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر غدر نيزك وفتح الطالقان وما كان من خبر نيزك إلى أن قتل
قال: ولما رجع قتيبة عن بخارى ومعه نيزك وقد خاف «1» لما رأى من الفتوح، فقال لأصحابه: أنا مع هذا ولست آمنه، فلو استأذنته ورجعت كان الرأى. قالوا: افعل. فاستأذن قتيبة، فأذن له وهو بآمل، فرجع يريد طخارستان، وأسرع السّير حتى أتى النّوبهار «2» ، وقال لأصحابه: لا شكّ أن قتيبة قد ندم على إذنه لى، وسيبعث إلى المغيرة بن عبد الله يأمره بحبسى، فكان كما قال:
ندم قتيبة، وبعث إلى المغيرة يأمره بحبس نيزك، فتبعه المغيرة، فوجده قد دخل شعب خلم «3» ، فرجع المغيرة، وأظهر نيزك الخلع، وكتب إلى أصبهذ بلخ وإلى باذان «4» ملك مرو الرّوذ وإلى ملك الطالقان وإلى ملك الفارياب «5» وإلى ملك الجوزجان يدعوهم إلى خلع قتيبة، فأجابوه، وواعدهم الربيع أن يجتمعوا ويغزوا قتيبة.
وكتب إلى كابل شاه يستظهر به، وبعث إليه بثقله وماله، وسأله أن يأذن له إن اضطرّ أن يأتيه، فأجابه إلى ذلك، وكان خبعويه «6» ملك طخارستان ضعيفا؛ فأخذه نيزك، فقيّده بقيد من ذهب لئلا يخالف عليه، وكان خبعويه هو الملك ونيزك عنده، فاستوثق منه،
وأخرج عامل قتيبة من بلاد جبعويه، وبلغ قتيبة خلعه، وقد تفرّق الجند، فبعث أخاه عبد الرحمن فى اثنى عشر ألفا إلى البروقان «1» ، وقال: أقم بها ولا تحدث شيئا، فإذا انقضى الشتاء [فعسكر، و]«2» سرنحو طخارستان، فسار؛ فلما كان آخر الشتاء كتب قتيبة إلى نيسابور وغيرها من البلاد لتقدم عليه الجنود، فقدموا. فسار نحو الطالقان، وكان ملكها قد خلع وطابق نيزك على الخلع، فأتاه قتيبة، فأوقع بأهل الطالقان، فقتل من أهلها مقتلة عظيمة، وصلب منهم سماطين أربعة فراسخ فى نظام واحد، واستعمل أخاه عمرو «3» بن مسلم.
وقيل: إن ملك الطالقان لم يحارب قتيبة، فكفّ عنه، وكان بها لصوص، فقتلهم قتيبة وصلبهم، ثم سار قتيبة إلى الفارياب فى سنة [91 هـ] إحدى وتسعين، فخرج إليه ملكها مقرّا مذعنا، فقبل منه ولم يقتل بها أحدا، واستعمل عليها رجلا من باهلة «4» ، وبلغ ملك الجوزجان خبرهم، فهرب إلى الجبال، وسار قتيبة إلى الجوزجان، فلقيه أهلها «5» سامعين مطيعين، فقبل منهم ولم يقتل بها أحدا، واستعمل عليها عامر بن مالك الحمّانى، ثم أتى بلخ فلقيه أهلها، فلم يقم إلّا يوما واحدا، وسار يتبع أخاه عبد الرحمن إلى شعب
خلم، ومضى نيزك إلى بغلان «1» ، وخلّف مقاتلته على فم الشعب ومضايقه يمنعونه، ووضع مقاتلته فى قلعة حصينة من وراء الشّعب، فأقام قتيبة أياما لا يقدر على دخوله، ولا يعرف طريقا يسلكه إلى نيزك إلّا الشّعب أو مفازة لا تقدر العساكر على قطعها، فأتاه إنسان فاستأمنه على أن يدلّه على مدخل القلعة التى من وراء الشّعب، فأمّنه قتيبة، وبعث معه رجالا، فانتهى بهم إلى القلعة، فطرقوهم وهم آمنون، فقتلوا منهم، وهرب من بقى ومن كان فى الشّعب، فدخل قتيبة الشّعب، فأتى القلعة ومضى إلى سمنجان «2» ، فأقام بها أياما ثم سار إلى نيزك، وقدم أخاه عبد الرحمن فارتحل نيزك من منزله فقطع وادى فرغانة، ووجّه ثقله وأمواله إلى كابل شاه، ومضى حتى نزل الكرز «3» ، وعبد الرحمن يتبعه، ونزل عبد الرحمن وأخذ بمضايق الكرز، ونزل قتيبة على فرسخين من أخيه، وتحصّن نيزك بالكرز، وليس له «4» إلّا مسلك من وجه واحد، وهو صعب لا تطيقه الدواب، فحصره قتيبة شهرين حتى قلّ ما فى يد نيزك من الطعام، وأصابهم الجدرى. وخاف قتيبة الشتاء، فدعا سليما الناصح، فقال: انطلق إلى نيزك، واحتل لتأتينى به بغير أمان، فإن أعياك «5» وأبى فأمّنه.
فخرج إليه، وأخذ معه أطعمة وأخبصة كثيرة، وأتى نيزك، فقال له: إنك أسأت إلى نفسك «1» وغدرت. قال نيزك: فما الرأى؟
قال: أرى أن تأتيه، فإنه ليس ببارح، وقد عزم على أن يشتو مكانه، هلك أو سلّم. قال نيزك: فكيف آتيه على غير أمان. قال:
ما أظنّه يؤمّنك لما فى نفسه عليك، لأنك قد ملأته غيظا، ولكنى أرى ألّا يعلم حتى تضع يدك فى يده، فإنى أرجو أن يستحى ويعفو.
قال: إنّ نفسى تأبى هذا. فقال سليم: ما أتيتك إلا لأشير عليك بهذا، ولو فعلت لرجوت أن تسلم ويعود حالك عنده، فإذا أبيت فإنى منصرف. وقدم الطعام الذى معه، ولا عهد لهم بمثله، فانتهبه أصحاب نيزك، فساءه ذلك، فقال له سليم: أنا لك من الناصحين، أرى أصحابك قد جهدوا، وإن طال بهم الحصار لم آمنهم أن يستأمنوا بك. فأت قتيبة. فقال: لا آمنه على نفسى، ولا آتيه إلا بأمان، وإنّ ظنّى أنه يقتلنى، وإن أمننى؛ ولكن الأمان أعذر لى. فقال سليم:
قد أمنك؛ أفتتهمنى؟ قال: لا. وقال له أصحابه: اقبل قول سليم.
فخرج معه ومعه خبعويه «2» وصول طرخان خليفة جبعويه، وخنس «3» طرخان صاحب شرطته وشقران «4» ابن أخى نيزك، فلما خرجوا من الشّعب حالت خيل قتيبة بين أصحاب نيزك وبين الخروج، فقال نيزك: هذا أوّل الغدر. فقال سليم: تخلّف هؤلاء عنك خير لك.
وأقبل سليم ونيزك ومن معه حتى دخلوا على قتيبة، فحبسهم.
وكتب إلى الحجاج يستأذنه فى قتل نيزك، واستخرج قتيبة ما فى الكرز من متاع، وأتاه كتاب الحجاج بعد أربعين يأمره بقتل نيزك، فدعا قتيبة الناس، واستشارهم، فاختلفوا، فقال ضرار ابن حصين: إنى سمعتك تقول: أعطيت الله عهدا إن أمكنك منه أن تقتله، فإن لم تفعل فلا ينصرك الله عليه أبدا. فدعا نيزك، فضرب رقبته بيده، وأمر بقتل صول وابن أخى نيزك، وقتل من أصحابه سبعمائة. وقيل اثنى عشر ألفا، وصلب نيزك وابن أخيه، وبعث برأسه إلى الحجاج، وأخذ الزّبير مولى عبّاس الباهلى خفّا لنيزك فيه جوهر، فكان أكثر من فى بلاده مالا وعقارا من ذلك الجوهر، وأطلق قتيبة جبعويه «1» ومنّ عليه، وبعث به إلى الوليد، فلم يزل بالشام حتى مات.
ولما قتل نيزك رجع قتيبة إلى مرو، وأرسل ملك الجوزجان يطلب الأمان، فأمنه على أن يأتيه، فطلب رهنا [يكونون فى يده]«2» ويعطى رهائن، فأعطاه قتيبة حبيب بن عبد الله بن حبيب الباهلى، وأعطى ملك الجوزجان رهائن من أهل بيته، وقدم على قتيبة، ثم رجع فمات بالطالقان، فقال أهل الجوزجان: إنهم سمّوه فقتلوا حبيبا. وقتل قتيبة الرهائن الذين كانوا عنده.