الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعلمه حال أبى مسلم وخروجه وكثرة من معه، وأنه يدعو إلى إبراهيم ابن محمد، وكتب إليه بأبيات شعر، وهى «1» :
أرى بين الرّماد وميض نار «2»
…
فأوشك أن يكون له «3» ضرام
فإنّ النار بالعودين تذكى
…
وإنّ الحرب مبدؤها كلام «4»
فقلت من التعجّب ليت شعرى
…
أيقاظ أميّة أم نيام
فكتب إليه مروان: إن الشاهد يرى مالا يرى الغائب، فاحسم الثّؤلول «5» قبلك.
فقال نصر: أمّا صاحبكم فقد أعلمكم أنّه لا نصر عنده.
وكتب نصر إلى يزيد بن هبيرة بالعراق يستمدّه. فلما قرأ كتابه قال: لا تكثر، فليس له عندى رجل. ثم قبض مروان على إبراهيم الإمام وحبسه، وكان من أمره ما نذكره إن شاء الله فى أخبارهم.
ذكر خبر أبى حمزة المختار
ابن عوف الأزدى البصرى مع طالب الحقّ عبد الله بن محمد ابن يحيى الحضرمى كان المختار من الخوارج الأباضيّة، وكان يوافى مكة فى كل سنة يدعو الناس إلى خلاف مروان بن محمد، فلم يزل كذلك حتى وافى عبد الله بن محمد بن يحيى الحضرمى المعروف بطالب الحقّ فى آخر سنة [128 هـ] ثمان وعشرين ومائة، فقال له: يا رجل،
أسمع كلاما حسنا، وأراك تدعو إلى حقّ، فانطلق معى، فإنى رجل مطاع فى قومى، فخرج حتى ورد حضرموت، فبايعه أبو حمزة على الخلافة، ودعا إلى خلاف «1» مروان، وقد كان أبو حمزة اجتاز مرّة بمعدن بنى سليم «2» ، والعامل عليه كثير بن عبد الله، فسمع كلام أبى حمزة فجلده أربعين سوطا، فلما ملك أبو حمزة المدينة على ما نذكره تغيّب كثير.
وفى هذه السنة قدم أبو حمزة إلى الحجّ من قبل عبد الله بن محمد طالب الحقّ، فبينما الناس بعرفة ما شعروا إلّا وقد طلعت عليه أعلام وعمائم سود على رءوس الرماح، وهم سبعمائة، ففزع الناس، وسألوهم عن حالهم، فأخبروهم بخلافهم مروان وآله، فراسلهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، وهو يومئذ على مكّة والمدينة، وطلب منهم الهدنة أيام الحج، فقالوا: نحن بحجّنا أضنّ وعليه أشحّ، فصالحهم على أنهم جميعا آمنون بعضهم من بعض حتى تنفر الناس النفر الأخير، فوقفوا بعرفة على حدة، ودفع [بالناس]«3» عبد الواحد، ونزل بمنزل السلطان بمنى، ونزل أبو حمزة بقرين الثّعالب. فلما كان النفر الأول نفر عبد الواحد وأخلى مكّة فدخلها أبو حمزة بغير قتال، فقال بعضهم فى عبد الواحد «4» :
زار الحجيج عصابة قد خالفوا
…
دين الإله ففرّ عبد الواحد
ترك الحلائل والإمارة هاربا
…
ومضى يخبّط كالبعير الشارد
ومضى عبد الواحد حتى دخل المدينة، وزاد أهلها فى العطاء عشرة عشرة، واستعمل عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فخرجوا حتى وصلوا العقيق، وأتتهم رسل أبى حمزة يقولون: إنّنا والله ما لنا بقتالكم من حاجة، دعونا نمضى إلى عدوّنا.
فأتى أهل المدينة وساروا حتى نزلوا قديدا «1» ، وكانوا مترفين «2» ليسوا بأصحاب حرب، فلم يشعروا إلّا وقد خرج عليهم أصحاب أبى حمزة من الغياض فقتلوهم. وكانت المقتلة فى قريش، فأصيب منهم عدد كثير، وقدم المنهزمون «3» المدينة، فكانت المرأة تقيم النوائح على حميمها، ومعها النساء فتأتيهم الأخبار عن رجالهم، فيخرجن امرأة امرأة كلّ واحدة تذهب لقتل «4» رجلها فلا يبقى عندها امرأة، [وذلك]«5» لكثرة من قتل.
قيل: كان عدد القتلى سبعمائة، وكانت هذه الوقعة لسبع مضين من صفر سنة ثلاثين ومائة. [والله أعلم]«6» .