الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة (117 هـ) سبع عشرة ومائة:
ذكر عزل عاصم عن خراسان
وولاية أسد وخبر الحارث بن سريج فى هذه السنة عزل هشام بن عبد الملك عاصم بن عبد الله عن خراسان، وضمّها إلى خالد بن عبد الله القسرى أمير العراقين، فاستعمل عليها خالد أخاه أسد بن عبد الله.
وكان سبب ذلك أنّ عاصما كتب إلى هشام: أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله، وإن خراسان لا تصلح إلّا أن تضمّ إلى العراق «1» وتكون معونتها وموادها «2» من قريب، لتباعد أمير المؤمنين [عنها]«3» وتباطىء غياثه [عنها]«4» ، فضمّ هشام خراسان إلى خالد بن عبد الله، وكتب إليه: ابعث أخاك يصلح ما أفسد؛ فإن كانت رجية كانت به.
فسيّر خالد [إليها]«5» أخاه أسدا، فلما بلغ عاصم إقبال أسد، وأنه قد بعث على مقدمته محمد بن مالك الهمدانى صالح الحارث ابن سريج، وكتبا بينهما كتابا، على أن ينزل الحارث أىّ كور خراسان شاء، وأن يكتبا جميعا إلى هشام يسألانه كتاب الله وسنّة نبيه، فإن أبى اجتمعا عليه.
فختم على الكتاب بعض الرؤساء، وأبى يحيى بن حضين بن المنذر أن يختم، وقال: هذا خلع لأمير المؤمنين فانفسح ذلك.
وكان عاصم بقرية بأعلى مرو؛ فأتاه الحارث بن سريج فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم الحارث، وأسر جماعة من أصحابه، منهم: عبد الله بن عمرو المازنى رأس أهل مرو الرّوذ، فقتل عاصم الأسرى، وعظّم أهل الشام يحيى بن حضين لما صنع فى نقض الكتاب، وكتبوا كتابا بما كان وبهزيمة الحارث وبعثوه إلى أسد، فلقيه بالرّى وقيل ببيهق «1» .
فكتب أسد إلى أخيه خالد ينتحل أنه هزم الحارث، ويخبره بأمر يحيى، فأجاز خالد يحيى بعشرة آلاف دينار ومائة حلّة، وحبس أسد عاصما وحاسبه وطلب منه مائة ألف درهم، وقال: إنك لم تغز، وأطلق عمّال الجنيد، وقدم أسد ولم يكن لعاصم إلا مرو ونيسابور، والحارث بمرو الرّوذ، وخالد بن عبيد الله الهجرىّ بآمل موافق للحارث، فخاف أسد إن قصد الحارث بمرو الرّوذ أن يأتى الهجرى مرو من قبل آمل، وإن قصد الهجرى قصد الحارث مرو من قبل مرو الروذ، فأجمع رأيه على توجيه عبد الرحمن بن نعيم فى أهل الكوفة والشام إلى الحارث بمرو الروذ، وسار أسد بالناس إلى آمل، فلقيه خيل آمل؛ عليهم زياد القرشى مولى حيّان النبطى وغيره، فهزموا حتى رجعوا إلى المدينة، فحصرهم أسد، ونصب عليهم المجانيق؛ فطلبوا الأمان، وطلبوا كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم، وألّا يؤخذ أهل المدن بجنايتهم، فأجابهم أسد إلى ذلك، واستعمل عليهم يحيى ابن نعيم بن هبيرة الشيبانى؛ وسار يريد بلخ، فأخبر أنّ أهلها قد
بايعوا سليمان بن عبد الله بن خازم، فسار حتى قدمها، واتّخذ سفنا، وسار منها إلى ترمذ، فوجد الحارث محاصرا لها، وبها سنان الأعرابى، فنزل أسد دون النهر، ولم يطق العبور إليهم، ولا أن يمدّهم، وخرج أهل ترمذ من المدينة، وقاتلوا الحارث قتالا شديدا، فاستطرد الحارث لهم، وكان قد وضع كمينا، فلما جاوزوه خرج عليهم، فانهزموا.
ثم ارتحل أسد إلى بلخ، ثم خرج أهل ترمذ إلى الحارث، فهزموه ثم سار أسد إلى سمرقند فى طريق زمّ «1» ، فلما قدم زم بعث إلى الهيثم الشيبانى وهو فى حصن من حصونها- وهو من أصحاب الحارث- فأمّنه، ووعده المواساة والكرامة والأمان لمن معه، وأقسم إنه إن ردّ ذلك ورمى بسهم ألّا يؤمّنه «2» أبدا، وإنه إن جعل له ألف ألف أمان لا يفى له.
فخرج إليه وسار معه إلى سمرقند، ثم ارتفع إلى ورغسر «3» - وماء سمرقند منها- فسكر «4» الوادى، وصرفه عن سمرقند.
ثم رجع إلى بلخ، فلما استقرّ بها سرّح جديعا الكرمانى إلى القلعة التى فيها ثقل الحارث وأصحابه، واسمها التبوشكان من
طخارستان العليا وفيها بنو برزى «1» التغلبيّون أصهار الحارث، فحصرهم الكرمانى حتى فتحها، وذلك فى سنة [118 هـ] ثمان عشرة، فقتل مقاتلتهم، وسبى عامّة أهلها من العرب والموالى والذّرارى، وباعهم فيمن يزيد فى سوق بلخ.
قال: ونقم على الحارث أربعمائة وخمسون رجلا من أصحابه، وكان رئيسهم جرير بن ميمون القاضى، فقال لهم الحارث: إن كنتم لا بدّ مفارقى فاطلبوا الأمان، وأنا شاهد، فإنهم يجيبونكم. وإن ارتحلت قبل ذلك لم يعطوا الأمان. فقالوا: ارتحل أنت عنا، وخلّنا.
فأرسلوا يطلبون الأمان، فأخبر أسد أنّ القوم ليس لهم طعام ولا ماء، فسرّح إليهم أسد جديعا الكرمانى وستة آلاف، فحصرهم فى القلعة وقد عطش أهلها، وجاعوا، فسألوا أن ينزلوا على الحكم، ويترك لهم نساءهم وأولادهم، فأجابهم، فنزلوا على حكم أسد.
فأرسل أسد إلى الكرمانى يأمره أن يحمل إليه خمسون رجلا من وجوههم، فيهم المهاجر بن ميمون، فحملوا إليه فقتلهم، وكتب إلى الكرمانى أن يجعل الذين بقوا عنده أثلاثا، فثلث يقتلهم، وثلث يقطع أيديهم وأرجلهم، وثلث يقطع أيديهم. ففعل ذلك بهم، وأخرج أثقالهم فباعها، واتخذ أسد مدينة بلخ دارا، ونقل إليها الدواوين، ثم غزا طخارستان.
وحجّ بالناس فى سنة [117 هـ] سبع عشرة ومائة خالد بن عبد الملك.