الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاضيها من قبله: عبد الله بن عبد الرحمن، وهو متولّى بيت المال، ثم رد القضاء إلى عياض بن عبد الله من قبل سليمان بن عبد الملك.
ذكر بيعة عمر بن عبد العزيز
هو أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم؛ وأمّه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وهو الثامن من ملوك بنى أمية، بويع له بدابق يوم الجمعة بعد وفاة سليمان لعشر خلون من صفر سنة [99 هـ] تسع وتسعين.
قال: وكان سليمان لما مرض بدابق عهد فى كتاب كتبه لبعض بنيه وهو غلام لم يبلغ الحلم، فدخل عليه رجاء بن حيوة، فقال له:
يا أمير المؤمنين؛ إنه «1» مما يحفظ الخليفة فى قبره أن يستخلف على الناس «2» الرجل الصالح. فقال سليمان: أنا أستخير الله، وأنظر. ومكث يوما أو يومين ثم حرق «3» الكتاب، ودعا رجاء، فقال: ما ترى فى ولدى داود؟ فقال رجاء: هو غائب بالقسطنطينية، ولم يدر «4» أحىّ هو أم لا؟ قال: فما ترى فى عمر بن عبد العزيز؟
قال رجاء: أعلمه والله خيّرا فاضلا مسلما. قال سليمان: هو على ذلك، ولئن ولّيته ولم أولّ أحدا سواه لتكوننّ فتنة ولا يتركونه أبدا عليهم إلا أن أجعل أحدهم بعده.
فأمر سليمان أن يجعل يزيد بن عبد الملك بعد عمر. وكان يزيد غائبا فى الموسم.
فكتب سليمان: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز؛ إنى قد ولّيتك الخلافة من بعدى، ومن بعدك يزيد بن عبد الملك؛ فاسمعوا له وأطيعوا، واتّقوا الله، ولا تختلفوا، فيطمع فيكم.
وختم الكتاب وأرسل إلى كعب بن جابر «1» صاحب شرطته، فقال: ادع أهل بيتى، فجمعهم كعب، ثم قال سليمان لرجاء بعد اجتماعهم: اذهب بكتابى هذا إليهم، ومرهم أن يبايعوا من ولّيت فيه، ففعل، وبايعوا رجلا رجلا، ولم يعلموا من فى الكتاب.
قال رجاء: فأتانى عمر بن عبد العزيز فقال: أخشى أن يكون هذا أسند إلىّ من هذا الأمر شيئا؛ فأنشدك الله إلّا أعلمتنى إن كان قد وقع حتى أستعفى قبل أن يأتى حال لا أقدر على ذلك فيها.
قال رجاء: فقلت: ما أنا مخبرك «2» . فذهب عنّى غضبان.
ولقينى هشام بن عبد الملك فقال: إن لى حرمة ومودّة قديمة فأعلمنى بهذا الأمر؛ فإن كان إلى غيرى تكلّمت، ولله علىّ ألّا أذكرك.
قال: فأبيت أن أخبره. قال «3» : ودخلت على سليمان عند موته فغمضته وسجّيته، وأغلقت الباب، وأرسلت إلى كعب بن جابر «4» ، فجمع أهل بيت سليمان فى مسجد دابق، فقلت: بايعوا! فقالوا:
قد بايعنا مرة. قلت: وأخرى، هذا عهد من أمير المؤمنين، فبايعوا الثانية. قال رجاء: فلما بايعوا بعد موته رأيت أنى قد أحكمت الأمر فقلت: قوموا إلى صاحبكم فقد مات، فاسترجعوا، وقرأت الكتاب، فلما انتهيت إلى ذكر عمر بن عبد العزيز قال هشام:
لا نبايعه والله أبدا. قلت: أضرب والله عنقك. قم وبايع. فقام يجرّ رجليه.
قال رجاء: وأجلست عمر على المنبر وهو يسترجع لما وقع فيه، وهشام يسترجع لما أخطأه، فبايعوه.
قال: ولما دفن سليمان أتى عمر بمراكب الخلافة، فقال: دابّتى أرفق «1» لى، وركب دابّته؛ ثم أقبل سائرا، فقيل له: منازل «2» الخلافة؟ فقال: فيها عيال سليمان، وفى فسطاطى كفاية حتى يتحوّلوا.
قال: وبلغ عبد العزيز بن الوليد- وكان غائبا- وفاة سليمان ولم يشعر بعمر «3» ، فدعا لنفسه، فبلغه بيعة عمر، فأقبل حتى دخل عليه، فقال له عمر: بلغنى أنك بايعت من قبلك، وأردت دخول دمشق.
قال: نعم، وذلك أنه بلغنى أنّ سليمان ما عقد لأحد فخفت على الأموال أن تنتهب. فقال [له] «4» عمر: لو بايعت وقمت بالأمر لم أنازعك فيه. فبايعه عبد العزيز.
قال: ولما استقرت البيعة لعمر قال لامرأته فاطمة بنت عبد الملك:
إن أردتنى «5» فردّى ما معك من مال وحلى وجوهر إلى بيت المال،
فإنه للمسلمين، وإنى لا أجتمع أنا وأنت وهو فى بيت واحد، فردّته جميعه. فلما توفى عمر وولّى أخوها يزيد ردّه عليها فلم تأخذه، وقالت: ما كنت لأطيعه حيّا وأعصيه ميّتا، ففرّقه يزيد على أهله.
قال: وكان [من]«1» أول ما ابتدأ به عمر بن عبد العزيز أن ترك سبّ علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه على المنابر، وكان يسبّ فى أيام بنى أمية إلى أن ولى عمر فترك ذلك، وأبدله بقول الله عز وجل «2» :
. فحلّ ذلك عند الناس محلّا حسنا، وأكثروا مدح عمر بسببه، فكان ممن مدحه كثيّر عزّة بقوله «3» :
وليت فلم تشتم عليّا ولم تخف
…
بريّا ولم تتبع مقالة مجرم
تكلّمت بالحقّ المبين وإنما
…
تبيّن آيات الهدى بالتكلم
فصدقت «4» معروف الذى قلت بالذى
…
فعلت فأضحى راضيا كلّ مسلم
ألا إنما يكفى الفتى بعد زيغه
…
من الأود البادى «5» ثقاف المقوّم
وفيها وجّه عمر بن عبد العزيز إلى مسلمة وهو بأرض الروم يأمره بالقفول منها بمن معه من المسلمين، ووجّه لهم خيلا عتاقا وطعاما كثيرا.
وفيها أغارت الترك على أذربيجان. فقتلوا من المسلمين جماعة،