الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أخبار الخوارج فى أيام عبد الملك بن مروان منذ استقلّ بالأمر
قد ذكرنا أنه لما قتل مصعب بن الزبير كان المهلّب بن أبى صفرة يقاتل الخوارج منذ ثمانية أشهر، وذكرنا مقالتهم لأصحابه حين بلغهم قتل مصعب، وتبعه عبد الملك، فلما كان فى سنة [72 هـ] اثنتين وسبعين استعمل عبد الملك خالد بن عبد الله بن أسيد «1» على البصرة، فلما قدمها استعمل المهلّب على خراج الأهواز ومعونتها، وبعث أخاه عبد العزيز بن عبد الله إلى قتال الخوارج، وسيّر معه مقاتل بن مسمع، فخرجا يطلبان الأزارقة، فأتت الخوارج من ناحية كرمان إلى درابجرد «2» وأرسل قطرىّ بن الفجاءة المازنى أمير الحج سبعمائة فارس مع صالح ابن مخراق «3» ، فأقبل بهم حتى استقبل عبد العزيز وهو يسير ليلا على غير تعبئة، فانهزم بالناس، ونزل مقاتل بن مسمع، فقاتل حتى قتل.
ولما انهزم عبد العزيز أخذت امرأته ابنة المنذر بن الجارود، فأقيمت فيمن يزيد، فبلغت قيمتها مائة ألف، فجاء رجل من قومها «4» كان من رءوس الخوارج، فقال: تنحّوا هكذا، ما أرى هذه المشركة إلّا قد فتنتكم، فضرب عنقها، ولحق بالبصرة، فرآه آل المنذر،
فقالوا: والله ما ندرى أنحمدك أم نذمّك؟ فكان يقول: ما فعلته إلّا غيرة وحميّة.
وانتهى عبد العزيز إلى رامهرمز، وأتى المهلب خبره، فأرسل «1» إلى أخيه خالد بن عبد الله بخبر هزيمته، فقال للرسول: كذبت.
فقال: إن كنت كاذبا فاضرب عنقى، وإن كنت صادقا فأعطنى جبّتك ومطرفك. قال: ويحك! قد رضيت من الخطر العظيم بالخطر اليسير، ثم حبسه وأحسن إليه لما صحّ عنده خبر الهزيمة. وفى هذه الهزيمة وفرار عبد العزيز يقول ابن قيس الرقيّات «2» :
عبد العزيز فضحت «3» جيشك كلّهم
…
وتركتهم صرعى بكلّ سبيل
من بين ذى عطش يجود بنفسه
…
وملحّب «4» بين الرجال قتيل
هلّا صبرت مع الشهيد مقاتلا
…
إذ رحت منتكث القوى بأصيل
وتركت جيشك لا أمير عليهمو
…
فارجع بعار فى الحياة طويل
ونسيت عرسك إذ تقاد سبيّة
…
تبكى العيون برنّة وعويل
قال: وكتب خالد إلى عبد الملك بالخبر، فكتب إليه يقول:
قبّح الله رأيك حين تبعث أخاك أعرابيا من أهل مكة على القتال، وتدع المهلب يجبى الخراج، وهو الميمون النّقيبة، المقاسى للحرب، ابنها وابن أبنائها. أرسل إلى المهلب يستقبلهم، وقد بعثت إلى بشر بالكوفة أن يمدّك بجيش، فسر معهم، ولا تعمل فى عدوّك برأى حتى يحضره المهلّب. والسلام.
وكتب عبد الملك إلى أخيه بشر، وهو أمير الكوفة، يأمره بإنفاذ خمسة آلاف مع رجل يرضاه لقتال الخوارج، فإذا قضوا غزوتهم ساروا إلى الرّىّ، فقاتلوا عدوّهم، وكانوا مسلحة، فبعث بشر عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فى خمسة آلاف، وكتب عهده على الرّىّ، وخرج خالد بأهل البصرة حتى قدم الأهواز؛ وقدمها عبد الرحمن فى أهل الكوفة، وجاءت الأزارقة حتى دنوا من الأهواز؛ فعبّأ خالد أصحابه، وجعل المهلب على ميمنته، وداود بن قحذم من بنى قيس بن ثعلبة على ميسرته، ثم زحف خالد إليهم بالناس بعد عشرين ليلة، فرأوا من كثرة الناس ما هالهم، فانصرفوا على حامية «1» ، ولم يقاتلوا؛ فأرسل خالد داود بن قحذم فى آثارهم، وانصرف عبد الرحمن إلى الرّىّ، وأقام المهلّب بالأهواز، وانصرف خالد إلى البصرة، وكتب إلى عبد الملك بذلك، فكتب إلى أخيه بشر يأمره أن يبعث أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة مع رجل بصير