الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أتاهم نعى بشر بن مروان فتفرقوا، وعاد أكثر أهل الكوفة والبصرة إلى أن قدم الحجاج إلى الكوفة فى سنة [75 هـ] خمس وسبعين، فأخرج الناس إلى المهلّب وابن مخنف على ما نذكر ذلك إن شاء الله فى أخبار الحجاج حين قدم الكوفة.
ذكر اجلاء الخوارج عن رامهرمز وقتل عبد الرحمن بن مخنف
قال: ولما أعاد الحجاج البعوث إلى المهلّب كتب إليه وإلى عبد الرحمن بن مخنف يأمرهما بمناهضة الخوارج رجعوا «1» إليهم وقاتلوهم شيئا من قتال، فانزاحت الخوارج كأنهم على حامية، وساروا حتى نزلوا بكازرون «2» ، وسار المهلّب وابن مخنف حتى نزلوا بهم، وخندق المهلّب على نفسه، وأشار على ابن مخنف أن يخندق، فقال أصحابه: نحن خندقنا سيوفنا، فأتى الخوارج المهلّب ليبيّتوه، فوجدوه قد خندق، فمالوا نحو ابن مخنف، فقاتلوه، فانهزم عنه أصحابه، فنزل فقاتل فى ناس من أصحابه، فقتل وقتلوا رجاله، فقال شاعرهم «3» :
لمن العسكر المكلّل بالصّر
…
عى فهم بين ميّت وقتيل
فتراهمو تسفى الرياح عليهمو
…
حاصب الرّمل بعد جرّ الذّيول
هذا قول أهل البصرة فى قتل ابن مخنف.
وأما أهل الكوفة فقالوا: إنه لمّا وصل كتاب الحجاج لمناهضة «1» الخوارج ناهضهم المهلّب وابن مخنف، واقتتلوا قتالا شديدا؛ فمالت الخوارج إلى المهلّب فاضطرّوه إلى عسكره، فاستنجد عبد الرحمن فأمدّه بالخيل والرجال، وكان ذلك بعد الظهر لعشر بقين من شهر رمضان سنة [75 هـ] خمس وسبعين.
فلما كان بعد العصر ورأت الخوارج من يأتى من عسكر عبد الرحمن [من الرجال]«2» علموا أنه قد خفّ أصحابه، فجعلوا بإزاء المهلّب من يشغله، وانصرفوا بحدّهم «3» إلى ابن مخنف، فنزل ونزل معه القرّاء، منهم أبو الأحوص «4» صاحب ابن مسعود، وخزيمة بن نصر أبو نصر بن خزيمة، ونزل معه من قومه واحد وسبعون رجلا، وحملت عليهم الخوارج فقاتلوا قتالا شديدا، وانكشف الناس عنه، وبقى فى عصابة من أهل الصّبر، فقاتلوا حتى ذهب نحو ثلثى الليل، ثم قتل فى تلك العصابة.
فلما أصبحوا جاء المهلّب فصلّى عليه ودفنه، وكتب بذلك إلى الحجاج، فبعث إلى عسكر عبد الرحمن عتّاب ابن ورقاء، وأمره أن يسمع إلى المهلّب، فساءه ذلك، ولم يجد بدّا من طاعته، فجاء وقاتل الخوارج؛ ثم وقع بينه وبين المهلّب كلام أغلظ كلّ منهما لصاحبه، فرفع المهلّب القضيب على عتّاب،
فوثب المغيرة بن المهلب فقبض «1» القضيب من يد أبيه وسكته، وأثنى على عتّاب، وافترقا.
فأرسل عتّاب إلى الحجّاج يشكو المهلّب، ويسأله أن يأمر بالعود، فوافق ذلك حاجة من الحجاج إليه، فاستقدمه، وأمره أن يترك ذلك الجيش مع المهلّب، فجعل المهلّب عليهم ابنه حبيبا، وقاتل المهلّب الخوارج على سابور «2» نحو سنة بعد مسير عتّاب عنه، وكانت كرمان فى يد الخوارج، وفارس فى يد المهلب؛ فضاق على الخوارج مكانهم، فخرجوا حتى أتوا كرمان، وتبعهم المهلب حتى نزل بجيرفت «3» ، وهى مدينة كرمان، فقاتلهم قتالا شديدا.
ثم أرسل إليه الحجاج البراء بن قبيصة يحثّه على قتال الخوارج، ويأمره بالجدّ، وأنه لا عذر له عنده.
فخرج المهلّب بالعسكر، فقاتل الخوارج من الغداة إلى الظهر، ثم انصرفوا والبراء على تلّ مشرف «4» يراهم، فأثنى على المهلّب وعلى أصحابه، وانصرف إلى الحجّاج، وعرّفه عذر المهلب، ثم قاتلهم المهلّب ثمانية عشر شهرا لا يقدر منهم على شىء إلى أن وقع بينهم الاختلاف.