الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحجّ بالناس فى هذه السنة يوسف بن محمد بن يوسف. وغزا النعمان بن يزيد بن عبد الملك الصائفة.
سنة (126 هـ) ست وعشرين ومائة:
ذكر مقتل خالد بن عبد الله القسرى وشىء من أخباره
قد ذكرنا من أخباره فى سنة [120 هـ] عشرين ومائة ما تقدم، وذكرنا أنه لما أفرج عنه سار من الحيرة إلى دمشق.
قال: ولما قدمها كان العامل عليها يومئذ كلثوم بن عياض القشيرى، وكان يبغض خالدا، واتفق أنه ظهر فى دور [دمشق «1» ] حريق فى كل ليلة، يلقيه «2» رجل من أهل العراق يقال له: أبو العمرّس «3» فإذا وقع الحريق يسرقون.
وكان أولاد خالد وإخوته بالساحل لحدث كان من الروم، فكتب كلثوم إلى هشام: إنّ موالى خالد يريدون الوثوب على بيت المال، وإنهم يحرقون البلد كلّ ليلة.
فكتب هشام إليه يأمره بحبس آل خالد: الصغير منهم والكبير ومواليهم، فأنفذ من أحضر أولاده وإخوته من الساحل فى الجوامع «4» ، ومعهم مواليهم، وحبس بنات خالد والنساء والصبيان، ثم ظهر على أبى العمرّس ومن كان معه.
فكتب الوليد بن عبد الرحمن عامل الخراج إلى هشام بأخذ أبى العمرّس وأصحابه بأسمائهم وقبائلهم، ولم يذكر فيهم أحدا من موالى خالد.
فكتب هشام إلى كلثوم يسبّه ويأمره بإطلاق آل خالد، فأطلقهم وترك الموالى رجاء أن يشفع فيهم خالد إذا قدم من الصائفة.
ثم قدم خالد فنزل منزله بدمشق، وجاءه الناس للسلام عليه، فقال: خرجت مغازيا سميعا مطيعا، فخلفت فى عقبى، وأخذ حرمى وأهل بيتى فحبسوا مع أهل الجرائم كما يفعل بالمشركين، فما منع عصابة منكم أن تقول: علام حبس حرم هذا السامع المطيع؟
أخفتم أن تقتلوا جميعا؟ أخافكم الله.
ثم قال: مالى ولهشام ليكفّنّ عنى أو لأدعونّ إلى عراقى الهوى، شامى الدّار، حجازى الأصل- يعنى محمد بن على بن عبد الله بن عباس.
ولقد أذنت لكم أن تبلّغوا هشاما.
فلما بلغه قال: قد خرف أبو الهيثم، واستمرّ خالد مدة أيام وهو بدمشق ويوسف بن عمر يطلب ابنه يزيد بن خالد، فلم يظفر به، وبذل فيه لهشام خمسين ألف ألف.
فلما هلك هشام وقام الوليد بعده كتب إلى خالد: ما حال الخمسين ألف ألف التى تعلم؟ واستقدمه، فقدم عليه حتى وقف بباب سرادق الوليد، فأرسل إليه الوليد يقول: أين ابنك يزيد؟ فقال: كان [قد]«1» هرب من هشام، وكنا نراه عند أمير المؤمنين، فلما لم نره
ظنناه ببلاد قومه من الشّراة. فرجع الرسول، فقال: لا، ولكنك خلّفته طلبا للفتنة. فقال: قد علم أمير المؤمنين أنّا أهل بيت طاعة.
فرجع الرسول فقال: يقول أمير المؤمنين: لتأتينّ به أو لأزهقنّ نفسك. فرفع خالد صوته، وقال: قل له: هذا والله أردت، لو كان تحت قدمى ما رفعتها عنه.
فأمر الوليد بضربه فضرب، فلم يتكلم، فحبسه حتى قدم يوسف ابن عمر من العراق بالأموال، فاشتراه من الوليد بخمسين ألف ألف، فأرسل إليه الوليد: إنّ يوسف قد اشتراك بخمسين ألف ألف، فإن كنت تضمنها وإلّا دفعتك إليه.
فقال خالد: ما عهدت العرب تباع، والله لو سألنى أن أضمن عودا ما ضمنته، فدفعه إلى يوسف، فنزع ثيابه، وحمله على بعير بغير وطاء، وعذّبه عذابا شديدا، وهو لا يكلّمه كلمة واحدة، ثم حمله إلى الكوفة فعذّبه، ووضع المضرّسة على صدره فقتله، ودفنه من الليل [بالحيرة «1» ] فى العباءة التى كان فيها، وذلك فى المحرم سنة [126 هـ] ست وعشرين ومائة.
وقيل: بل أمر يوسف فوضع على رجليه عود، وقام عليه الرّجال حتى تكسّرت قدماه، وما تكلّم ولا عبس، ثم على ساقيه وفخذيه.
ثم على صدره حتى مات.
وكانت أمّ خالد نصرانية رومية استلبها أبوه، فأولدها خالدا
وأسدا، ولم تسلم، وبنى لها خالد بيعة فذمّه الناس على ذلك، فقال الفرزدق «1» :
ألا قطع الرحمن ظهر مطيّة
…
أتتنا تهادى من دمشق بخالد
فكيف يؤمّ الناس من كانت امّه
…
تدين بأنّ الله ليس بواحد
بنى بيعة فيها النصارى لأمّه
…
ويهدم من كفر منار المساجد
وكان خالد قد أمر بهدم منار المساجد؛ لأنه بلغه أنّ شاعرا قال «2» :
ليتنى فى المؤذّنين حياتى
…
إنهم يبصرون من فى السطوح
ويشيرون أو تشير إليهم
…
بالهوى كلّ ذات دلّ مليح
فلما بلغ خالدا هذا الشّعر أمر بهدمها.
ولما بلغه أنّ الناس يذمّونه لبنائه البعية لأمّه قام يعتذر إليهم، فقال: لعن الله دينهم إن كان شرّا من دينكم.
وحكى عنه أنه كان يقول: إنّ خليفة الرجل فى أهله أفضل من رسوله إليهم- يعنى أنّ هشاما أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبرأ إلى الله من ذلك.
وكان خالد يصل الهاشميين فى أيام إمارته، ويبرّهم، إلا أنه كان يبالغ فى سبّ على رضى الله عنه، ويلعنه، فقيل: إنه كان يفعل ذلك نفيا للتهمة، وتقرّبا إلى بنى أمية، فأتاه مرة محمد ابن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفّان يستميحه «3» ، فلم ير منه