الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر فتح مدينة كاشغر
«1»
وفى سنة [96 هـ] ست وتسعين سار قتيبة من مرو وحمل مع الناس عيالاتهم ليضعهم بسمرقند، ومضى إلى فرغانة وبعث جيشا مع كثير ابن فلان إلى كاشغر، فغنم وسبى سبيا، فختم أعناقهم، وأوغل حتى بلغ قرب الصّين، فكتب إليه ملك الصين أن ابعث إلىّ رجلا شريفا يخبرنى عنكم وعن دينكم، فانتخب قتيبة عشرة لهم جمال وألسنة وبأس وعقل وصلاح «2» ، فأمر لهم بعدّة حسنة ومتاع حسن من الخزّ والوشى وغير ذلك، وخيول حسنة، وكان عليهم «3» هبيرة بن مشمرج «4» الكلابى، وقال لهم قتيبة:
إذا دخلتم عليه فأعلموه أنّى قد حلفت أنّى لا أنصرف حتى أطأ بلادهم، وأختم ملوكهم، وأجبى خراجهم.
فساروا [وعليهم هبيرة]«5» ، فلما قدموا دعاهم ملك الصين فلبسوا ثيابا بياضا تحتها الغلائل، وتطيّبوا، ولبسوا النّعال والأردية، ودخلوا عليه وعنده عظماء قومه، فجلسوا فلم يكلّمهم الملك ولا أحد ممن عنده، فنهضوا.
فقال الملك لمن حضره: كيف رأيتم هؤلاء؟ قالوا: رأينا قوما ما هم إلّا نساء. ما بقى منا أحد إلّا انتشر ما عنده.
فلما كان الغد دعاهم فلبسوا الوشى وعمائم الخزّ والمطارف، وغدوا عليه. فلما دخلوا قيل لهم: ارجعوا. وقال لأصحابه: كيف رأيتم هذه الهيئة؟ قالوا: هذه أشبه بهيئة الرجال من تلك.
فلما كان اليوم الثالث دعاهم فلبسوا «1» سلاحهم، ولبسوا البيض والمغافر، وأخذوا السيوف والرماح والقسىّ، وركبوا. فنظر إليهم ملك الصين، فرأى مثل الخيل «2» ؛ فلما دنوا ركزوا رماحهم، وأقبلوا مشمّرين. فقيل لهم: ارجعوا، فركبوا خيولهم [وأخذوا رماحهم]«3» ، ودفعوا خيلهم، كأنهم يتطاردون. فقال الملك لأصحابه: كيف ترونهم؟ قالوا: ما رأينا مثل هؤلاء.
فلما أمسى بعث إليهم أن ابعثوا إلىّ زعيمكم، فبعثوا إليه هبيرة ابن مشمرج، فقال له: قد رأيتم عظم ملكى، وأنه ليس أحد يمنعكم منّى، وأنتم فى يدى بمنزلة البيضة فى كفّى. وإنى سائلكم عن أمر، فإن لم تصدقونى قتلتكم. قال: سل. قال: لم صنعتم بزيّكم الأول والثانى والثالث [ما صنعتم]«4» ؟ قال: أما زيّنا الأول فلباسنا فى أهلنا. وأما الثانى فزيّنا إذا أتينا أمراءنا، وأما الثالث فزيّنا لعدوّنا. قال: ما أحسن ما دبّرتم دهركم، فقولوا لصاحبكم ينصرف، فإنى قد عرفت قلّة أصحابه، وإلا بعثت إليكم من يهلككم. قال «5» :
وكيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله فى بلادك وآخرها فى منابت الزيتون. وأما تخويفك إيّانا بالقتل فإن لنا آجالا إذا حضرت فأكرمها القتل، ولسنا نكرهه ولا نخافه، وقد حلف صاحبنا ألّا ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم ملوككم، وتعطى «1» الجزية. قال:
فإنّا نخرجه من يمينه، ونبعث له بتراب من أرضنا، فيطؤه، ونبعث إليه ببعض أبنائنا فيختمهم، ونبعث إليه بجزية يرضاها. فبعث إليه بهديّة وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم، وبتراب من أرضه، وأعادهم «2» وأحسن جوائزهم. فقدموا على قتيبة، فقبل ذلك، ووطىء التراب، وختم الغلمان، وردهم، فقال سوادة بن عبد الملك السّلولى «3» :
لا عيب فى الوفد الذين بعثتهم
…
للصّين أن سلكوا طريق المنهج
كسروا الجفون على القذى خوف الرّدى
…
حاشا الكريم هبيرة بن مشمرج
أدّى رسالتك التى استرعيته «4»
…
فأتاك من حنث اليمين بمخرج
هذه غزوات قتيبة وفتوحاته.
وكان قتيبة إذا رجع من غزاته كلّ سنة اشترى اثنى عشر فرسا [من جياد الخيل]«5» واثنى عشر هجينا، فتخدم إلى وقت الغزو، فإذا تأهّب للغزو ضمّرها، وكان يحمل عليها الطلائع، وكان لا يجعل الطلائع إلا فرسان الناس وأشرافهم، ويجعل معه من