الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة (89 هـ) تسع وثمانين:
ذكر ولاية خالد بن عبد الله القسرى مكة وما خطب الناس [به]«1» وقاله
وفى هذه السنة ولى خالد بن عبد الله القسرى، فخطب أهلها فقال:
أيها الناس، أيهما أعظم، أخليفة الرجل على أهله أو رسوله إليهم؟ والله لو لم تعلموا من فضل الخليفة إلّا أنّ إبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام استسقاه فسقاه ملحا أجاجا، واستسقاه الخليفة فسقاه عذبا فراتا، يعنى بالملح زمزم، وبالماء الفرات بئرا حفرها الوليد بثنية طوى فى ثنية الحجون، فكان ماؤها عذبا، وكان ينقل ماءها ويضعه فى حوض إلى جنب زمزم ليعرف فضله على زمزم، فغارت البئر وذهب ماؤها.
وقيل: كانت ولاية خالد فى سنة [91 هـ] إحدى وتسعين. وقيل سنة أربع.
وحج بالناس فى هذه السنة عمر بن عبد العزيز.
سنة (90 هـ) تسعين:
ذكر هرب يزيد بن المهلب وإخوته من سجن الحجاج
فى هذه السنة هرب يزيد بن المهلب وإخوته، وكان الحجاج قد خرج إلى رستقباذ «2» للبعث، لأنّ الأكراد كانوا قد غلبوا على فارس، وأخرج معه يزيد بن المهلب وإخوته، وجعل عليهم مثل الخندق، وجعلهم فى فسطاط قريب منه، وجعل عليهم الحرس من أهل
الشام، وطلب منهم ستة آلاف ألف، وعذّبهم؛ فكان يزيد يصبر صبرا حسنا، فكان ذلك مما يغيظ الحجاج، فقيل له: إنه رمى فى ساقه بنشّابة فثبت نصلها فيه فهو لا يمسّها شىء إلّا صاح، فأمر أن يعذّب فى ساقه، فعذب، فصاح، فسمعته أخته هند، وكانت عند الحجاج فصاحت، فطلقها الحجاج، ثم كفّ عنهم وجعل يستأدى «1» منهم المال، فصنع يزيد للحرس طعاما كثيرا وأمر لهم بشراب، فسقوا، واشتغلوا «2» ، فلبس يزيد ثياب طبّاخه وخرج، وقد جعل له لحية بيضاء، فرآه بعض الحرس، فقال: كأنّ هذه مشية يزيد، فلحقه فرأى لحيته بيضاء، فتركه، وعاد وخرج المفضّل ولم يفطن له، وكذلك عبد الملك، فجاءوا إلى سفن معدّة فركبوها، وساروا ليلتهم.
ولما أصبح الحجاج وعلم بهم الحرس رفعوا أمرهم إليه ففزع، وظن أنهم قصدوا «3» خراسان لفتنة، فبعث إلى قتيبة يأمره بالجدّ والاحتياط.
ولما دنا يزيد وإخوته من البطائح استقبلتهم خيل قد ضمّرت وأعدّت لهم، فركبوها ومعهم دليل من كلب، فأخذوا على السّماوة إلى الشام، فأتى الحجاج الخبر، فكتب إلى الوليد يعلمه. وسار يزيد حتى قدم فلسطين، فنزل على وهيب بن عبد الرحمن الأزدى، وكان كريما على سليمان بن عبد الملك، فجاء وهيب إلى سليمان فأعلمه بحال يزيد وإخوته، وأنهم قد استعاذوا به من الحجاج. قال: فأتنى
بهم، فإنهم آمنون لا يوصل «1» إليهم وأنا حىّ. فجاء بهم إليه فكانوا عنده فى مكان آمن.
وكتب الحجاج إلى الوليد: إنّ آل المهلب خانوا مال «2» الله وهربوا منّى، ولحقوا بسليمان.
فلما علم أنهم عند أخيه سكن بعض مابه، وكتب إليه سليمان:
إنّ يزيد عندى وقد أمّنته، وإنما عليه ثلاثة آلاف ألف، لأن الحجاج أغرمه ثلاثة آلاف ألف، والذى بقى عليه أنا أؤدّيه.
فكتب الوليد: والله لا أؤمّنه حتى تبعث به إلىّ
…
فكتب سليمان: لئن بعثت به إليك لأجيئنّ معه.
فكتب إليه: والله لئن جئتنى لا أؤمنه. فقال يزيد بن المهلّب:
أرسلنى إليه، فو الله ما أحبّ أن أوقع بينك وبينه عداوة، واكتب معى بألطف ما قدرت عليه. فأرسله، وأرسل معه ابنه أيوب.
وكان الوليد قد أمره أن يبعث به مقيّدا. فقال سليمان لابنه: إذا دخلت على أمير المؤمنين فادخل أنت ويزيد فى سلسلة. ففعل ذلك، فلما رأى الوليد ابن أخيه فى سلسلة قال: لقد بلغنا من سليمان.
ودفع أيوب كتاب أبيه إلى عمّه، وقال: يا أمير المؤمنين، لا تخفر ذمّة أبى، وأنت أحقّ من منعها، ولا تقطع منّا رجاء من رجا السلامة فى جوارنا لمكاننا منك، ولا تذل من رجا العزّ فى الانقطاع إلينا لعزّنا بك.
فقرأ الوليد كتاب سليمان فإذا هو يستعطفه ويشفع فيه، ويضمن إيصال المال.
فقال: لقد شققنا على سليمان.
وتكلم يزيد واعتذر، فأمّنه الوليد، وردّه إلى سليمان، وكتب إلى الحجاج: إنى لم أصل إلى يزيد وأهله لمكانهم من سليمان، فاكفف عنهم، وكان أبو عيينة بن المهلّب عند الحجاج عليه ألف ألف، فتركها له، وكفّ عن حبيب بن المهلب، وكان يعذّب بالبصرة، وأقام يزيد عند سليمان فى أرغد عيش، وكان لا تصل إليه هديّة إلّا بعث بنصفها إلى يزيد، ولا تعجبه جارية إلا بعث بها إليه، وكان يزيد إذا أتته هدية بعث بها إلى سليمان.
وفى هذه السنة استعمل الوليد قرّة بن شريك على مصر، وعزل أخاه عبد الله عنها.
وفيها أسرت الروم خالد بن كيسان صاحب البحر، فأهداه ملكهم إلى الوليد.
وحج بالناس عمر بن عبد العزيز.
وفيها مات أنس بن مالك رضى الله عنه الأنصارى. وقيل: سنة [92 هـ] اثنتين وتسعين، وكان عمره ستّا وتسعين سنة، وقيل مائة وست سنين.
سنة (91 هـ) احدى وتسعين:
فى هذه السنة حجّ الوليد بن عبد الملك بالناس، فلما قدم المدينة دخل المسجد ينظر إلى بنائه، فأخرج الناس منه، ولم يبق