الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فطعنوه، فصرعوه؛ وقعد وكيع على صدره فقتله، وبعث «1» بشيرا بقتله إلى عبد الملك، ولم يبعث برأسه.
وأقبل بكير فى أهل مرو، فوافاهم حين قتل ابن خازم، فأراد أخذ الرأس وإنفاذه إلى عبد الملك، فمنعه بحير [فضربه بعمود وحبسه «2» ] ، وسيّر الرأس إلى عبد الملك، وذلك فى سنة اثنتين وسبعين.
وقيل: بل كان مقتله بعد قتل عبد الله بن الزبير، وأن عبد الملك أنفذ إليه رأس ابن الزّبير، ودعاه إلى نفسه فغسله وكفّنه، وبعثه إلى أهله بالمدينة، وأطعم الرسول الكتاب، وقال: لولا أنك رسول لقتلتك.
وقيل: بل قطع يديه ورجليه وقتله، وحلف ألا يطيع عبد الملك أبدا. [والله أعلم «3» ] .
ذكر مقتل عبد الله بن الزبير رضى الله عنه وشىء من أخباره
قال: لما قتل مصعب بن الزبير تقدم الحجاج بن يوسف الثقفى إلى عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين، قد رأيت فى المنام أنى أخذت ابن الزبير وسلخته، فابعثنى إليه، وولّنى حربه، فبعثه فى ألفين، وقيل فى ثلاثة آلاف، فسار فى جمادى الأولى سنة [72 هـ] اثنتين وسبعين، ونزل الطائف، وكان يبعث الخيل إلى عرفة [فى الحل]«4»
بعد الطائف، ويبعث ابن الزبير الخيل فيقتلون فتنهزم خيل ابن الزبير، وتعود خيل الحجاج بالظّفر.
ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه فى دخول الحرم وحصر «1» ابن الزبير، ويخبره بضعفه وتفرّق أصحابه، ويستمدّه، فأمدّه بطارق بن عمرو مولى عثمان، وكان عبد الملك قد بعثه فى جيش إلى وادى القرى ليمنع عمّال ابن الزّبير من الانتشار، فقدم المدينة فى ذى القعدة «2» سنة [72 هـ] اثنتين وسبعين، وأخرج عامل ابن الزبير منها، وجعل عليها رجلا من أهل الشام اسمه ثعلبة، وقدم طارق «3» مكة فى ذى الحجة منها فى خمسة آلاف، وتقدم الحجّاج إلى مكة، فنزل عند بئر ميمون «4» ، وحجّ بالناس فى تلك السنة.
إلّا أنه لم يطف بالبيت، ولا سعى بين الصّفا والمروة؛ منعه عبد الله ابن الزبير من ذلك؛ ولم يحجّ ابن الزبير ولا أصحابه فى تلك السنة.
ونصب الحجاج المنجنيق على أبى قبيس «5» ، ورمى به الكعبة، فقال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما للحجاج، اتّق الله واكفف هذه الحجارة عن الناس، فإنك فى شهر حرام فى بلد حرام؛ وقد قدمت وفود الله من أقطار الأرض ليؤدّوا فريضة الله، وقد منعهم المنجنيق عن الطّواف. فكفّ حتى انقضى الحج، ثم نادى فى الناس:
انصرفوا إلى بلادكم، فإنا نعود بالحجارة على ابن الزبير الملحد.
قال: وأول ما رمى الكعبة بالمنجنيق رعدت السماء وبرقت، وعلا صوت الرّعد على الحجارة، فأعظم ذلك أهل الشام وأمسكوا أيديهم، فأخذ الحجاج حجر المنجنيق «1» ووضعه بيده ورمى به، فجاءت الصواعق فقتلت من أصحابه اثنى عشر رجلا، فانكسر أهل الشام، فقال الحجاج: يأهل الشام، لا تنكروا هذا، فإنى ابن تهامة، وهذه صواعقها، وهذا الفتح قد حضر، فأبشروا.
فلما كان الغد جاءت الصاعقة فأصابت من أصحاب ابن الزبير عدّة. فقال الحجاج: ألا ترون أنهم يصابون كما تصابون، وأنتم على الطاعة وهم على خلافها، وكان الحجر يقع بين يدى عبد الله ابن الزّبير وهو يصلّى، فلا ينصرف عن مكانه.
وغلت الأسعار عند ابن الزبير حتى ذبح فرسه، وقسّم لحمه فى أصحابه، وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم والمدّ الذرة بعشرين درهما، وكانت بيوت ابن الزبير مملوءة قمحا وشعيرا وذرة وتمرا، وكان أهل الشام ينتظرون فناء ما عنده، فكان لا ينفق منه إلّا ما يمسك الرّمق ويقول: نفوس أصحابى قويّة ما لم تفن.
فلما كان قبيل مقتله تفرّق الناس عنه، وخرجوا إلى الحجّاج بالأمان، فخرج من عنده نحو عشرة آلاف. وكان ممن فارقه ابناه حمزة وخبيب، أخذا لأنفسهما أمانا، فقال عبد الله لابنه الزّبير: خذ لنفسك أمانا كما فعل أخواك، فو الله إنى لأحبّ بقاءكم. فقال: ما كنت لأرغب بنفسى عنك، فقتل معه.
قال: ولما كان فى الليلة التى قتل فيها عبد الله فى صبيحتها جمع قريشا فقام لهم: ما ترون؟ فقال رجل من بنى مخزوم: والله، إنّا قاتلنا معك حتى ما نجد مقتلا، والله لئن سرنا معك ما نزيد على أن نموت، وإنما هى إحدى خصلتين: إما أن تأذن لنا فنأخذ الأمان لأنفسنا ولك، وإما أن تأذن لنا فنخرج.
فقال له رجل: اكتب إلى عبد الملك. فقال: كيف أكتب من عبد الله أمير المؤمنين إلى عبد الملك بن مروان؟ فو الله لا يقبل هذا أبدا، أو أكتب لعبد الملك بن مروان أمير المؤمنين. من عبد الله بن الزبير؟ فو الله لأن تقع الخضراء على الغبراء أهون علىّ من ذلك. فقال له عروة وهو جالس معه على السرير: قد جعل الله لك أسوة فى الحسن بن على رضى الله عنهما، خلع نفسه وبايع معاوية، فركضه برجله ورماه عن السرير، وقال: قلبى إذا مثل قلبك، والله لو قلتها ما عشت إلّا قليلا وإن أضرب بسيف فى عزّ خير من أن ألطم فى ذلّ.
فلما أصبح دخل على امرأته أم هاشم «1» فقال:
اصنعى لى طعاما. فلما صنعته وأتت به لاك منه لقمة ثم لفظها، وقال: اسقونى لبنا فسقوه، ثم اغتسل وتطيّب وتحنّط، ودخل على أمه، فقال: يا أماه، قد خذلنى الناس حتى ولدى وأهلى ولم يبق معى إلّا اليسير، والقوم يعطوننى ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟
قالت له: أنت أعلم بنفسك، إن كنت [تعلم أنك]«2» على حق وأنت تدعو إليه فامض له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكّن «3»
من نفسك يتلعّب بك غلمان بنى أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن قتل معك، وإن قلت: كنت على حقّ فلما وهن أصحابى ضعفت، فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين، كم خلودك فى الدنيا؟ القتل أحسن! فقال: يا أماه، أخاف إن قتلنى أهل الشام أن يمثّلوا بى ويصلبونى. فقالت: يا بنى، إن الشاة لا تألم السلخ بعد الذّبح، فامض على بصيرتك، واستعن بالله.
فقبّل رأسها وقال: هذا رأيى، والذى خرجت به داعيا «1» إلى يومى هذا. ما ركنت إلى الدنيا، ولا أحببت الحياة فيها، وما دعانى إلى الخروج إلّا الغضب لله، وأن تستحلّ حرماته؛ ولكنى أحببت أن أعلم رأيك، فقد زدتنى بصيرة، فانظرى فإنى مقتول فى يومى هذا، فلا يشتدّ حزنك، وسلّمى لأمر الله، فإنّ ابنك لم يتعمّد إتيان منكر! ولا عملا بفاحشة، ولم يجر فى حكم الله، ولم يغدر فى أمان، ولم يتعمّد ظلم مسلم أو معاهد، ولم يبلغنى ظلم عن عمّالى، فرضيت به؛ بل أنكرته، ولم يكن ىء آثر عندى من رضاء ربى. اللهم إنى لا أقول هذا تزكية لنفسى، ولكن أقوله تعزية لأمى حتى تسلو عنى.
فقالت: إنى لأرجو أن يكون عزابى فيك جميلا، إن تقدّمتنى احتسبتك، وإن ظفرت سررت بظفرك. اخرج [عنى. «2» ] حتى أنظر إلى ما يصير أمرك، فقال: جزاك الله خيرا؛ فلا تدعى الدعاء لى.
قالت: لا أدعه لك أبدا، فمن قتل على باطل فقد قتلت على حقّ.
ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام فى الليل الطويل، وذلك النّحيب والظمأ فى هواجر مكّة والمدينة، وبرّه بأبيه وبى. اللهم قد سلّمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت، فأثبنى فيه ثواب الصابرين الشاكرين.
فتناول يدها ليقبّلها، فقالت: هذا وداع فلا تبعد. فقال لها:
جئت مودّعا، لأنى أرى هذا آخر أيامى من الدنيا. قالت: امض على بصيرتك، وادن منى حتى أودّعك، فدنا منها فعانقها، وقبّل بين عينيها، فوقعت يدها على الدّرع، فقالت: ما هذا صنيع من يريد ما تريد! فقال: ما لبسته إلّا لأشدّ متنك. قالت: فإنه لا يشدّ متنى، فنزعها، ثم درج «1» كميه، وشدّ أسفل قميصه وجبّة خزّ تحت السراويل، وأدخل أسفلها تحت المنطقة، وأمه تقول: البس ثيابك مشمّرة.
فخرج من عندها وحمل على أهل الشام حملة منكرة، فقتل منهم، ثم انكشف هو وأصحابه، فقال له بعض أصحابه:
لو لحقت بموضع كذا. فقال: بئس الشيخ أنا إذا فى الإسلام أن أوقعت قوما فقتلوا ثم فررت عن مثل مصارعهم.
ودنا أهل الشام حتى امتلأت منهم الأبواب، وكانوا يصيحون:
يابن ذات النّطاقين، فيقول: وتلك شكاة ظاهر عنك لومها «2» .
وجعل أهل الشام على أبواب المسجد رجالا «1» ، فكان لأهل حمص الباب الذى يواجه باب الكعبة، ولأهل دمشق باب بنى شيبة، ولأهل الأردن باب الصّفا، ولأهل فلسطين باب بنى جمح، ولأهل قنّسرين باب بنى سهم. وكان الحجاج وطارق بناحية الأبطح إلى المروة، وابن الزبير يحمل على هذه الناحية مرة وفى هذه أخرى، وكأنّه أسد فى أجمة ما تقدم عليه الرجال وهو يعدو فى إثر القوم حتى يحرجهم، ثم يصيح [يا]«2» أبا صفوان، ويل أمّه فتحا، لو كان له رجال. لو «3» كان قرنى واحدا كفيته فيقول أبو صفوان عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف:
أى والله وألف.
فقال رجل من أهل الشام اسمه جلبوب «4» : إنما يمكنكم أخذه إذا ولّى. قيل: فخذه أنت إذا ولّى. قال: نعم، وتقدّم ليحضنه من خلفه، فعطف عليه فقط ذراعيه فصاح، فقال: اصبر جلبوب.
قال: فلما رأى الحجاج أنّ الناس لا يقدمون على ابن الزبير غضب وترجّل يسوق الناس ويصدم «5» بهم، فصدم صاحب علم ابن الزبير وهو بين يديه، فتقدّم ابن الزّبير على صاحب علمه وقاتلهم حتى انكشفوا، ورجع فصلّى ركعتين عند المقام، فحملوا
على صاحب علمه، فقتلوه عند باب بنى شيبة، وأخذوا العلم.
فلما فرغ من صلاته تقدم فقاتل بغير علم، وقتل رجلا من أهل الشام وآخر، وقاتل معه عبد الله بن مطيع، وهو يقول:
أنا الذى فررت يوم الحرّه
…
والحرّ لا يفرّ إلّا مرّه
واليوم أجزى فرّة بكرّه
وقاتل حتى قتل، ويقال: أصابته جراحة فمات منها بعد أيام.
قال: وقال عبد الله بن الزّبير لأصحابه وأهله يوم قتل بعد صلاة الصبح: اكشفوا وجوهكم حتى أنظر إليكم وعليكم المغافر، ففعلوا، فقال: يا آل الزبير، لو طبتم لى نفسا عن أنفسكم كنّا أهل بيت من العرب اصطلمنا فى الله فلا يرعكم وقع السيوف، فإنّ ألم الدواء للجراح أشدّ من ألم وقعها، صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم، غضّوا أبصاركم عن البارقة، وليشغل كلّ امرىء قرنه، ولا تسألوا عنى، فمن كان سائلا عنى فإنى فى الزّعيل الأوّل، احملوا على بركة الله.
ثم حمل عليهم حتى بلغ بهم الحجون «1» فرمى بآجرة، رماه بها رجل من السّكون، فأصابت وجهه فأرعش لها وسال الدّم على وجهه، فقال رضى الله عنه وأرضاه «2» :
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
…
ولكن على أعقابنا تقطر الدّما
وقاتلهم قتالا شديدا، فتعاونوا «3» عليه، فقتلوه، قتله رجل
من مراد، وحمل رأسه إلى الحجاج، فسجد ووفد السّكونى والمرادى إلى عبد الملك بالخبر؛ فأعطى كل واحد منهما خمسمائة دينار.
وقيل فى قتله: إنه جاءه حجر المنجنيق وهو يقاتل فصرعه فاقتحم عليه أهل الشام، وذهبوا به إلى الحجّاج فحزّ رأسه بيده.
وكان مقتله- رضى الله عنه- فى يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة [73 هـ] ثلاث وسبعين وقيل فى جمادى الآخرة منها، وله ثلاث وسبعون سنة.
ولما قتل رضى الله عنه كبّر أهل الشام فرحا بقتله؛ فقال عبد الله ابن عمر: انظروا إلى هؤلاء. انظروا إلى هؤلاء. لقد كبّر المسلمون فرحا بولادته، وهؤلاء يكبّرون فرحا بقتله.
وبعث الحجاج برأسه ورأس عبد الله بن صفوان ورأس عمارة ابن عمرو بن حزم إلى المدينة، ثم إلى عبد الملك وصلب جثّته [منكّسة]«1» على الثنيّة اليمنى بالحجون، فأرسلت إليه أسماء تقول: قاتلك الله! على ماذا صلبته؟ قال: استبقت أنا وهو إلى هذه الخشبة، فكانت له.
فاستأذنته فى تكفينه ودفنه. فأبى.
وكتب إلى عبد الملك يخبره بصلبه، فكتب إليه يلومه، ويقول: ألا خلّيت بينه وبين أمّه. فأذن لها الحجاج فدفنته بالجحون.
وكان قبل مقتله بقى أياما يستعمل الصبر والمسك لئلا ينتن
إن هو صلب، فلما صلب ظهر منه ريح المسك، فقيل: إن الحجاج صلب معه كلبا ميتا. وقيل، سنّورا، فغلب على ريح المسك.
ولما قتل عبد الله ركب أخوه عروة بن الزبير ناقة لم ير مثلها وسار إلى عبد الملك فسبق رسل الحجاج، فاستأذن على عبد الملك فأذن له، فلما دخل عليه سلّم عليه بالخلافة، فرحّب به وأجلسه معه على السرير، فقال عروة:
نمتّ «1» بأرحام إليك قريبة
…
ولا خير فى الأرحام ما لم تقرب
وتحدّث «2» حتى جرى ذكر عبد الله، فقال عروة: إنه كان.
فقال عبد الملك: وما فعل؟ قال: قتل؛ فخرّ ساجدا. فقال عروة:
إن الحجاج صلبه. فهب جثّته لأمه. قال: نعم.
وكتب إلى الحجاج فعظّم «3» صلبه.
وكان الحجاج لما فقد عروة كتب إلى عبد الملك: إنّ عروة كان مع أخيه. فلما قتل عبد الله أخذ مالا من مال الله وهرب.
فكتب إليه عبد الملك يقول: إنه لم يهرب، ولكنه أتانى مبايعا، وقد أمّنته وحللته مما كان منه، وهو قادم عليك، فإياك وعروة.
فعاد عروة إلى مكة فكانت غيبته عنها ثلاثين يوما. فأنزل الحجاج جثّة عبد الله عن الخشبة وبعث بها إلى أمّه فغسلته. فلما أصابه الماء تقطّع فغسلته عضوا عضوا. وصلّى عليه عروة وقيل غيره.
وقيل: لم يصلّ عليه أحد؛ منع الحجاج من الصلاة عليه.
وكانت أيام ولايته منذ مات معاوية بن يزيد إلى أن قتل سبع سنين وأيّاما.
وكان له من الأولاد: عبد الله، وحمزة، وخبيب، وثابت، وعبّاد، وقيس، وعامر، وموسى.
وكاتبه زيد بن عمرو.
وحاجبه سالم مولاه [والله الموفق بمنه وكرمه]«1» .
ذكر نبذة من سيرته [رضى الله عنه]«2» وأخباره
كان كثير العبادة إذا سجد وقعت العصافير على ظهره تظنّه حائطا لسكونه وطول سجوده. وقال بعض السلف: قسّم عبد الله الدّهر على ثلاث حالات فليلة قائم حتى الصباح، وليلة راكع حتى الصباح، وليلة ساجد حتى الصباح.
وقيل: أول ما علم من همّته أنه كان يلعب ذات يوم مع الصّبيان وهو صبى، فمرّ رجل فصاح عليهم ففرّوا، ومشى عبد الله القهقرى، وقال للصبيان: اجعلونى أميركم، وشدّوا بنا عليه.
ومرّ به عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو يلعب مع الصبيان ففرّوا ووقف هو، فقال له عمر: ما منعك أن لا تفرّ معهم «3» ؟
فقال: لم أجرم فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسّع لك.
وقال: هشام بن عروة: كان أول ما أفصح به عمّى عبد الله ابن الزبير وهو صغير السيف «1» ، فكان لا يضعه من فيه «2» .
فكان الزبير رضى الله عنه يقول: والله ليكوننّ لك منه يوم وأيام.
وقال ابن سيرين: قال ابن الزبير: ما كان شىء يحدثنا به كعب إلا وقد جاء على ما قال إلّا قوله: فتى ثقيف يقتلنى وهذا رأسه بين يدى- يعنى المختار.
قال: لم يشعر ابن الزبير أنّ الحجاج قد خبّىء له. ومر [به «3» ] عبد الله بن عمر رضى الله عنهم وهو مصلوب، فقال: يرحمك الله إن كنت لصوّاما قوّاما، ولقد أفلحت قريش إن كنت شرها.
وكان الحجاج قد صلبه ثم ألقاه فى مقابر اليهود، وأرسل إلى أمّه يستحضرها، فلم تحضر، فأرسل إليها لتأتينى أو لأبعثنّ إليك من يسحبك بقرونك، فلم تأته فجاء إليها. فقال: كيف رأيتنى صنعت بعدوّ الله «4» ؟ قالت: رأيتك أفسدت على ابنى دنياه، وأفسد عليك آخرتك؛ وإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أنّ فى ثقيف كذّابا ومبيرا، فأما الكذاب فقد رأيناه [تعنى المختار «5» ] ، وأما المبير فأنت «6» .