الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستعمل عبد الله بن عمر بن عبد العزيز: وقال له: سر إلى العراق؛ فإنّ أهله يميلون إلى أبيك. وخاف ألّا يسلم إليه المنصور العمل، فانقاد له أهل الشام، وسلّم إليه منصور الولاية، وانصرف إلى الشام، ففرّق عبد الله العمال، وأعطى الناس أرزاقهم وأعطياتهم، فنازعه قوّاد أهل الشام، وقالوا: تقسم على هؤلاء فيئنا، وهم عدوّنا! فقال لأهل العراق: إنى أريد أن أردّ عليكم فيئكم، وعلمت أنكم أحقّ به، فنازعنى هؤلاء.
فاجتمع أهل الكوفة بالجبّانة، فأرسل إليهم أهل الشام يعتذرون، وثار غوغاء الناس فى الفريقين، فأصيب منهم رهط لم يعرفوا، واستعمل عبد الله بن عمر على شرطته عمر بن الغضبان ابن القبعثرى، وعلى خراج السواد والمحاسبات أيضا.
ذكر الاختلاف بين أهل خراسان
وفى سنة [126 هـ] ست وعشرين ومائة وقع الاختلاف بخراسان بين النّزاريّة واليمانية، وأظهر الكرمانى الخلاف لنصر بن سيّار.
وكان سبب ذلك أن نصرا رأى الفتنة قد ثارت، فرفع حاصل بيت المال، وأعطى الناس بعض أعطياتهم ورقا وذهبا، من أوان «1» كان اتّخذها للوليد بن يزيد، فطلب الناس منه العطاء، وهو يخطب؛ فقال نصر: إيّاى والمعصية، عليكم بالطاعة والجماعة. فوثب أهل السوق إلى أسواقهم، فغضب نصر، وقال: ما لكم عندى عطاء «2»
ثم قال: كأنى بكم وقد نبع من تحت أرجلكم شرّ لا يطاق، وكأنى بكم مطرّحين فى الأسواق كالجزر المنحورة، إنه لم تطل ولاية رجل إلّا ملّوها، وأنتم يأهل خراسان مسلحة فى نحور العدو، فإياكم أن يختلف فيكم سيفان؛ إنكم تريشون أمرا وتريدون «1» به الفتنة، ولا أبقى الله عليكم، لقد نشرتكم وطويتكم، فما عندى منكم عشرة.
فاتقوا الله، فو الله لئن اختلف فيكم سيفان ليتمنّينّ أحدكم أنه ينخلع من ماله وولده. يأهل خراسان، إنكم قد غمطتم الجماعة، وركنتم إلى الفرقة.
ثم تمثل بقول النابغة «2» :
فإن يغلب شقاؤكمو عليكم
…
فإنّى فى صلاحكمو سعيت
وقدم على نصر عهده «3» على خراسان من قبل عبد الله بن عمر ابن عبد العزيز؛ فقال الكرمانى لأصحابه: الناس فى فتنة فانظروا لأموركم رجلا.
والكرمانى اسمه جديع بن علىّ الأرذى، وإنما سمى الكرمانى لأنه ولد بكرمان، فقالوا له: أنت لنا. وقالت المضريّة لنصر: إن الكرمانى يفسد عليك الأمور، فأرسل إليه فاقتله أو احبسه.
قال: لا، ولكن لى أولاد ذكور وإناث، فأزوّج بنىّ من بناته، وبناتى من بنيه.
قالوا: لا. قال: فأبعث إليه بمائة ألف درهم، وهو بخيل،
فلا يعطى أصحابه شيئا منها، فيتفرّقون عنه. قالوا: لا، هذه قوّة له، ولم يزالوا به حتى قالوا له: إنّ الكرمانى لو لم يقدر على السلطنة والملك إلا بالنصرانية واليهودية لتنصّر وتهوّد.
وكان نصر والكرمانى متصافيين، وكان الكرمانىّ قد أحسن إلى نصر فى ولاية أسد [بن عبد الله «1» ] القسرى. فلما ولى نصر عزل الكرمانى عن الرياسة وولّاها غيره، فتباعد ما بينهما، فلما أكثروا على نصر فى أمره عزم على حبسه، فأرسل صاحب حرسه ليأتيه [به «2» ] ، فأرادت الأزد أن تخلّصه من يده، فمنعهم من ذلك، وسار مع صاحب الحرس وهو يضحك.
فلما دخل على نصر قال له: يا كرمانى، ألم يأتنى كتاب يوسف ابن عمر بقتلك فراجعت «3» وقلت: شيخ خراسان وفارسها، فحقنت دمك؟ قال: بلى. قال: ألم أغرم عنك ما كان لزمك من الغرم، وقسمته فى أعطيات الناس؟ قال: بلى. قال: ألم أرؤّس ابنك عليّا على كره من قومك؟ قال: بلى. قال: فبدّلت ذلك إجماعا على الفتنة.
قال الكرمانى: لم يقل الأمير شيئا إلّا وقد كان أكثر منه، وأنا لذلك شاكر، وقد كان منّى أيام أسد ما قد علمت، ولست أحبّ الفتنة.
قال سلم «1» بن أحوز: اضرب عنقه أيها الأمير، وأشار غيره بذلك، فقال المقدام وقدامة ابنا عبد الرحمن بن نعيم العامرى «2» :
لجلساء فرعون خير منكم؛ إذ قالوا «3» : «أَرْجِهْ وَأَخاهُ» *
والله لا يقتل الكرمانى بقولكم، فأمر نصر بحبسه فى القهندز «4» . فحبس وذلك لثلاث بقين من شهر رمضان، فتكلمت الأزد فقال نصر: إنى حلفت أن أحبسه، ولا يناله منى سوء، فإن خشيتم عليه فاختاروا رجلا يكون معه، فاختاروا يزيد النحوى، فكان معه؛ فجاء رجل من أهل نسف، فقال لآل الكرمانى:
ما تجعلون لى إن أخرجته؟ قالوا: كل ما سألت، فأتى مجرى الماء فى القهندز فوسعه، وقال لولد الكرمانى: اكتبوا لأبيكم «5» يستعد الليلة للخروج.
فكتبوا إليه، وأدخلوا الكتاب فى الطعام، فتعشّى الكرمانى، ويزيد النحوى، وحصين بن حكيم؛ وخرجا من عنده.
ودخل الكرمانى السّرب، فانطوت على بطنه حيّة فلم تضرّه؛ وخرج من السّرب، وركب فرسه البشير، والقيد فى رجله، فأتوا به عبد الملك بن حرملة فأطلق عنه القيد.
وقيل: إنّ الذى خلّص الكرمانى مولى له رأى خرقا فوسّعه وأخرجه
منه، فلم يصلّ الصّبح حتى اجتمع معه زهاء ألف، ولم يرتفع النهار حتى بلغوا ثلاثة آلاف.
وكانت الأزد قد بايعوا عبد الملك بن حرملة. فلما خرج الكرمانى قدمه عبد الملك.
قال: ولما خرج الكرمانى عسكر نصر بباب مرو الرّوذ، وخطب الناس، فنال من الكرمانى، ثم ذكر الأزد، فقال: إن يستوسقوا «1» فهم أذلّ قوم، وإن يأبوا فهم كما قال الأخطل «2» :
ضفادع فى ظلماء ليل تجاوبت
…
فدلّ عليها صوتها حيّة البحر
ثم ندم على ما فرط منه، فقال: اذكروا الله؛ فإنه خير لا شرّ فيه.
واجتمع إلى نصر بشر كثير، فسفر الناس بينه وبين الكرمانىّ، وسألوا نصرا أن يؤمّنه، ولا يحبسه؛ وجاء الكرمانىّ، فوضع يده فى يد نصر، فأمره بلزوم بيته، ثم بلغ الكرمانى عن نصر شىء، فخرج إلى قرية له، وخرج نصر فعسكر بباب مرو، فكلّموه فيه، فأمّنه.
فلما عزل ابن جمهور عن العراق وولّى عبد الله بن عمر فى شوّال من السنة خطب نصر، وذكره، وقال: قد علمت أنه لم يكن من عمّال العراق، وقد عزله الله، واستعمل الطيّب ابن الطيّب.
فغضب الكرمانى لابن جمهور، وعاد فى جمع «3» الرجال واتخاذ السلاح؛ فكان يحضر الجمعة فى ألف وخمسمائة فيصلّى خارج