الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الاختلاف بين الأزارقة ومفارقة قطرىّ بن الفجاءة
إيّاهم ومبايعتهم عبد ربّ الكبير والحرب بينه وبين المهلّب ومقتله وفى سنة [77 هـ] سبع وسبعين وقع الاختلاف بين الخوارج، فخلعوا قطرىّ بن الفجاءة، وبايعوا عبد ربّ الكبير، واختلف فى سبب ذلك، فقيل: إن عائلا «1» لقطرىّ على ناحية كرمان، يدعى المقعطر الضّبى، قتل رجلا منهم، فوثبت الخوارج إلى قطرى، وطلبوا منه أن يقيدهم من عامله، فلم يفعل، وقال: إنه تأوّل فأخطأ التأويل، وهو من ذوى السابقة فيكم، ما أرى أن تقتلوه، فاختلفوا.
وقيل: كان السبب فى اختلافهم أنّ رجلا كان فى عسكرهم يعمل النصول المسمومة، فيرمى بها أصحاب المهلّب، فشكا أصحابه منها، فقال: أنا أكفيكموه، فوجّه رجلا من أصحابه ومعه كتاب، فأمره أن يلقيه فى عسكر قطرىّ ولا يراه أحد، ففعل، ووقع الكتاب؛ إلى قطرىّ، فإذا فيه: أما بعد فإنّ نصالك وصلت، وقد أنفذت إليك ألف درهم، فأحضر قطرىّ الصانع فسأله. فجحد، فقتله، فأنكر عليه عبد ربّ الكبير قتله، واختلفوا.
ثم وضع المهلّب رجلا نصرانيّا، وأمره أن يسجد لقطرىّ. ففعل.
فقال الخوارج: إن هذا قد اتّخذك إلها. ووثب بعضهم على النّصرانى فقتله، فزاد اختلافهم، ففارق بعضهم قطريّا وخلعوه، وولّوا
عبد رب الكبير، وبقى مع قطرىّ منهم نحو ربعهم أو خمسهم، واقتتلوا فيما بينهم نحوا من شهر «1» .
وكتب المهلّب إلى الحجاج بذلك، فكتب إليه الحجاج يأمره بقتالهم على حال اختلافهم قبل أن يجتمعوا.
فكتب إليه المهلّب: إنى لست أرى أن أقاتلهم مادام يقتل بعضهم بعضا، فإن تمّوا على ذلك فهو الذى نريد «2» ، وفيه هلاكهم.
وإن اجتمعوا لم يجتمعوا إلّا وقد رقّق بعضهم بعضا فأنا هضهم حينئذ، وهم أهون ما كانوا وأضعفهم شوكة إن شاء الله تعالى. والسلام.
فسكت عنه.
ثم إن قطريّا خرج بمن معه نحو طبرستان، وأقام «3» عند عبد ربّ الكبير بكرمان، فنهض إليهم المهلّب، فقاتلوه قتالا شديدا وحصرهم بجيرفت، وكرّر قتالهم وهو لا يبلغ منهم ما يريد.
فلما طال عليهم الحصار خرجوا من جيرفت بأموالهم وحرمهم، فقاتلهم المهلّب قتالا شديدا حتى عقرت الخيل وتكسّر السلاح، وقتل الفرسان، فتركهم، فساروا؛ ودخل المهلّب جيرفت، ثم سار حتى لحقهم على أربعة فراسخ منها، فقاتلهم من بكرة النهار إلى الظّهر، ثم كفّ عنهم، فجمع عبد رب الكبير أصحابه، وقال:
يا معشر المهاجرين؛ إن قطريّا ومن معه هربوا، طلب «1» البقاء، ولا سبيل إليه، فالقوا عدوّكم، وهبوا أنفسكم لله، ثم عاود القتال، فاقتتلوا قتالا شديدا أنساهم ما قبله، فتبايع «2» جماعة من أصحاب المهلّب على الموت، وترجّلت الخوارج، وعقروا دوابّهم، واشتدّ القتال، وعظم الخطب حتى قال المهلب: ما مرّ بى يوم مثل هذا.
ثم هزم الله الخوارج، وكثر القتل فيهم، فكان عدد القتلى أربعة آلاف، منهم ابن عبد ربّ الكبير، ولم ينج منهم إلا القليل، وأخذ عسكرهم وما فيه، وبعث المهلّب إلى الحجاج مبشّرا. فلما دخل البشير إليه أخبره عن الجيش وعن الخوارج وذكر حروبهم، وأخبره عن بنى المهلب، فقال: المغيرة فارسهم وسيّدهم، وكفى بيزيد فارسا شجاعا، وجوادهم وشجاعهم «3» قبيصة، ولا يستحى الشجاع أن يفرّ من مدركه. وعبد الملك سمّ ناقع، وحبيب موت ذعاف «4» ، ومحمد ليث غاب، وكفاك بالمفضل نجدة. قال: فأيهم كان أنجد؟
قال: كانوا كالحلقة المفرغة لا يعرف طرفها.
ستحسن قوله: وكتب إلى المهلب يشكره، ويأمره أن يولّى كرمان من يثق إليه، ويجعل فيها من يحميها، ويقدم عليه، فاستعمل عليها ابنه يزيد. وسار إلى الحجاج.
فلما قدم عليه أكرمه وأجلسه إلى جانبه، وقال: يأهل العراق.
أنتم عبيد المهلّب. ثم قال له: أنت كما قال لقيط بن يعمر الإيادى فى صفة أمير الجيوش «1» :
فقلّدوا «2» أمركم لله درّكمو
…
رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا
لا مترفا إن رخاء العيش ساعده
…
ولا إذا عضّ مكروه به خشعا «3»
مسهّد النّوم تعنيه ثغوركمو
…
يروم منها إلى الأعداء مطّلعا
ما انفكّ يحلب هذا الدّهر أشطره
…
يكون متّبعا طورا ومتّبعا
وليس يشغله مال يثمّره
…
عنكم ولا ولد يبغى له الرّفعا
حتى استمرت على شزر مريرته
…
مستحكم السنّ لا قحما ولا ضرعا «4»
وأحسن الحجاج إلى أهل البلاء من أصحاب المهلّب وزادهم [والله أعلم «5» ] .